كُُنت غاضبا مستاءاً مُستفزا ساعة صعوده المقصلة وسط ثلة من الغوغاء الذين قتلوا الفرحة المؤجلة منذ ما يفوق الثلاثين عاما...!

حين اعدم المرحوم عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة على يد البعثيين، كان يهتف باسم العراق، بينما العملاء يرددون إسم عبد الناصر واسماء غريبة اخرى لم يكن الشهيد يُعنى به ايما إعتناء.
كان عراقيا يُذبح باسم العروبة
مُقتدى...مُقتدى...مُقتدى...!
هل إن نضالنا الوطني لما يفوق الثلاثين عاما، يُختزل اليوم في...مُقتدى...مُقتدى...مُقتدى ومحمد باقر الصدر والحكيم ووو...!
هل أن نصف مليون شهيد كردي ونصف مليون أخرى في الجنوب (الشيعي) وآلاف عديدة من (السنة) والمسيحيين والأيزديين وووو، تُختزل جميعا في صبي كان إلى ما قبل بضع سنوات مؤيد أو ربما نصير في صفوف البعث ولم يكن يفوته حضور الإجتماعات الأسبوعية (حتى ساعة قتل والده على يد بعثيي النجف الأشرف).


وهل أن المرحوم محمد باقر الصدر (مع خالص إعتباراتي لشخصه وعلمه ونضاله) هو الرمز الأكثر وطنية لنضالنا السياسي الحضاري الوطني لعقود عديدة من السنين؟


عبر قرابة الثلاثة أعوام من إعتقال صدام حسين، وفي ظل فتنة المحاصصة الطائفية التي اوجدها الأمريكان وعززها بعض زعماء الطوائف، زاد الإستقطاب والجذب السياسي والإعلامي، كما والنشاط العسكري للمجاميع الموالية أو القريبة سياسيا وطائفيا من صدام حسين وأهل الوسط والغرب السني.


ولاحقا إبان محاكمة صدام الطويلة التي استغرقت قرابة العام تقريبا، وفي ظل التدخل الإيراني والسوري (واللذان هما وجهان لعملة واحدة) الواسع في العراق إن سياسيا أو لوجستيا أو تعبويا إعلاميا، وبحكم تعزز الفرز الطائفي والإستقطاب الطائفي الحاد، تعززت صورة صدام حسين وتعزز الإلتفاف حول قضيته، وحتى لدى الناس البسطاء صارت المقارنة غير عادلة بين نظام هذا الدكتاتور ونظام الطغاة الجدد الذين افتقدوا ما كان يملكه الرجل من حزم شديد وخطوط حمراء صارمة.


وجاءت لحظة الحقيقة لتعزز صورة الدكتاتور ليس في عيون الموالين له حسب، بل وفي عيون اعداءه الذين كان بعضهم حاضرا ساعة الإعدام، وكان ملثما ( وهو الجلاّد ) بينما الطاغية (جلاّد الزمن الفائت) يواجه الموت بعيون مفتوحة ولسان واثق...!


كلماتكم ايها الصبية الغرّ، منحت الدكتاتور المنتظر للموت قوة جبارة ما كان يمكن أن يمتلكها لو إنكم كنتم رجالاً تنظرون بعينيه بعيون قوية واثقة وتنطقون أمامه بكلمات اكبر من مستوى الاسماء الصغيرة لبعض الأحياء أو الموتى من ضحاياكم، الذين هم اصغر بكثير من اصغر قرية عراقية دمرتها دبابات ومدفعية وغازات صدام الكيماوية، فكيف بالقضية الوطنية العراقية عبر ما يفوق الخمسة وثلاثون عاما من عمر العراق ونظام البعث في العراق والتي كنا نتمنى أن لا توافقوا على إعدامه قبل فتح كل ملفاتها من اجل أن تقرّ عيون ملايين الضحايا الذين سقطوا عبر سنوات الحروب والحصار وفي السجون وعلى اعواد المشانق.
مُقتدى... مُقتدى... مُقتدى، وشتائمٌ وبصاق من قبل الملثمين المهدويين.


وكلمات نطقها الدكتاتور ساخرا، وأظنها ستظل تؤرقهم دهرا (أهذه هي المرجلة).
كانت تلك هي الفضيحة الأولى التي اغتصبت الفرحة من شفاه الملايين من العراقيين.
نهاية سخيفة بلا ذاك العنفوان وتلكم القوة والبهجة الذي كنا ننتظره.
لكن الأمل لا زال قائما بأن يتعظ اهل الحكم وبقية الفرقاء وينتبهوا جيدا لما يحاك لهم، ويحذروا من حضور عصابات مقتدى لأنها ستفسد كل امل بخروج العراق من عنق الزجاجة.


حين اعدم المرحوم عبد الكريم قاسم في دار الإذاعة على يد البعثيين، كان يهتف باسم العراق، بينما العملاء يرددون إسم عبد الناصر واسماء غريبة اخرى لم يكن الشهيد يُعنى به ايما إعتناء.
كان عراقيا يُذبح باسم العروبة.


ما كان بودنا ابدا أن نقارن بين قاسم وصدام، ولكن المشهد تقريبا هو ذاته مع فرق كبير بين خارج عربي وخارج أجنبي. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

كامل السعدون
النرويج

كانون الثاني -2007