لتركيا وإيران أهمية كبيرة بالنسبة للعالم العربي، ولأجزاء مهمة من هلاله الخصيب، مثل العراق

أن العديد من أبناء شعوبنا العربية أو الناطقة بالعربية يفتخر بالأصل التركي والرطانة التركية؟ لعل هذا الأمر مشهود في مصر وسورية وشطر من العراق وبلدان أخرى. ففي quot; أم ّ الدنيا quot; كما يحلو للأخوة المصريين أن يسمــّوا بلادهم ( على عادتهم ؛ فشاعرهم أمير الشعراء، ومطربتهم كوكب الشرق، وأديبهم عميد الأدب
وسورية على وجه الخصوص. فالبلدان جاران، ومسلمان، وشقيقان، تاريخيا ً على الأقل. ومن العرقين التركي والإيراني ( أو الفارسي إن شئت ) ثمة الكثير من الأصول والانحدارات الوطنية، في العديد من البلدان العربية، مثل مصر والعراق وسورية ولبنان والأردن وحتى الخليج والجزيرة العربية ربما.
ولعل من غير المقبول، بالنسبة لنا نحن الناطقين بالعربية، أن ندرس ونتعمق في لغات وعادات وتقاليد القريب والبعيد، الأوروبي والأميركي والآسيوي والمرّيخي، بينما يظل الجهل مهيمنا ً على أدمغتنا، بأبسط أبجديات ثقافات وآداب وعادات وتقاليد الجارين الكريمين تركيا وإيران. من هنا، كم تلقيت، ذات مرة، بتقدير، دعوة أحد الأدباء العراقيين للإهتمام بالتراثين الثقافيين التركي والإيراني، لأنه - ببساطة ndash; من المعيب أن لاتعرف شيئا ً عن طبيعة تفكير جارك المغرق في القدم، فيما تعرف الكثير عن تراث أمم بينك وبينها البحور السبعة!

ولو أردنا الاستشهاد بتجارب الأوروبيين، أو على الأقل بريطانيا التي أعرفها أكثر من غيرها بسبب الكينونة والعيش فيها على امتداد عقد من الزمن، فإنها تفرض على تلاميذ المدارس أن يختاروا لغة أحد الجيران التاريخيين أو النـِسبيين، لدراستها كلغة أجنبية مفروضة، فإما الفرنسية أو الألمانية أو الأسبانية. بينما قد يضحك منك الناس ملء شدقيهم، إن حاولت أن تفرض على تلاميذك في الهلال الخصيب أو الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا دراسة لغة التـُرك أو الفـُرس أو حتى مواطنيك الكـُرد أو التركمان أو الكلدان والآشوريين أو النوبيين أو الأمازيغ.


الحقيقة المذكورة في أعلاه، ليست كل تفاصيل الصورة. فإن كنا نحن الناطقين بالعربية نعامل التـُرك والفـُرس لغويا ً وأدبيا ً وثقافيا ً بعدالة، لكن كفة الأوائل ترجح على كفة الأواخر في التعاطي التكريمي على الصعيد الحضاري، وسأشرح لك هذا الأمر بعد هنيهة!


هل تلاحظ، حضرتك، أن العديد من أبناء شعوبنا العربية أو الناطقة بالعربية يفتخر بالأصل التركي والرطانة التركية؟ لعل هذا الأمر مشهود في مصر وسورية وشطر من العراق وبلدان أخرى. ففي quot; أم ّ الدنيا quot; كما يحلو للأخوة المصريين أن يسمــّوا بلادهم ( على عادتهم ؛ فشاعرهم أمير الشعراء، ومطربتهم كوكب الشرق، وأديبهم عميد الأدب، لكن أفضل مايطلقونه على شاعر العرب الأكبر الجواهري هو: الشاعر العراقي! ) يعد الأصل التركي ميزة وإعلانا ً للنبل وزرقة الدماء والتميـّز عن الرعاع من ملح الأرض وأديم التراب. وتعتبر الرطانة التركية مدعاة لرفع الحاجبين إعجابا ً. بل إن أبناء العائلات التركية الأصل يربأون بأبنائهم أن يتزوجوا من بنات البلد ؛ المصريات الأصليات. ولعلك ترى، في مصر، شعبين ؛ شعبا ً مصريا ً، فرعونيا ً وعربيا ً، أسمرَ، مملوحا ً، يتدفق دفئا ً وحرارة، لكنه على المرقاة الأدنى من السلـّم الاجتماعي، وشعبا ً quot; قـِبليـّا ً quot; أبيض َ أحمرَ، ناعما َ ومترفا ً وغنيـّا ً، تكاد ملامحه تنطق بتركيـّته بغير لسان. وفي سورية و بعض أجزاء العراق الشمالية، سوى كـُردستان، لايستحيي المرء من لقبه التركي، فهو قصـّاب باشي ودرمللي وعثمانلي، وإن استبدل بعضهم ألقابهم التركية والسلجوقية القديمة بالألقاب العربية، مثل الشمـّري والجبوري و غيرها، فلضرورات مستجدة أباحت محظورات قديمة.


وهكذا، يكفي أن تتصفح أغلفة الكتب وصفحات الجرائد ويافطات الأطباء، في الهلال الخصيب وأعالي النيل، لترى كيف يفتخر ذوو الأصول بأصولهم. بيد أن هذه المسألة تتحول إلى الاتجاه المعاكس والنقيض المشاكس، حينما يمتد ّ الأمر إلى الجار الشرقي. فالأصل الإيراني عار. والفـُرس مجوس وإن أسلموا. والصفوية لعنة تمتد ّ وتتمدّد على سطوح الأزمنة والأماكن.


كاتب هذه الخواطر سومري ّ وعراقي ّ وعربي ّ أيضا ً. وليست له أدنى صلة نسب فيما وراء quot; البوابة الشرقية quot; للعالم الناطق بالعربية. ويوم َ عاش في طهران مـُكرَها ً ولائذا ً من الرمضاء بالنار ِ أربع عشرة سنة، كان مصداقا ً للمثل المصري: مقطوعا ً من شجرة. لكنه يؤمن أيضا ً بتبويب إمام البلاغة والحياة علي ّ بن أبي طالب للبشر: كلـّكم لآدم، وآدم من تراب. وإذا كانت quot; التركية quot; فخرا ً وأصلا ً نبيلا ً ومحتدا ً طيبا ً، وهي كذلك لـَعـَمري، فـ quot; الإيرانية quot; أيضا ً ليست أقل ّ في تراتبية الشرف. بل إن لإيران التاريخية فضلا ً كبيرا ً ليس على عالمنا العربي أو الناطق بالعربية فحسب، من خلال ماتركه علماؤها وشعراؤها الكبار مثل إبن سينا والخيـّام وسيبويه والصاحب بن عبـّاد والمئات غيرهم، بل وعلى تركيا أيضا ً. ألا ترى - جنابك ndash; أن أحد أبرز المفاخر الثقافية والتراثية التركية، وهو الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي المدفون بقونية بالأناضول، ليس سوى شاعر فارسي النظم والنثر، وأنه لم يترك أثرا ً تركيّا ً في مستوى عظمة ديوانه الفارسي الرائع quot; مثنوي معنوي quot;؟
هل تسمح لي أن أدلـّك على quot; الغلط quot; في نهاية المطاف؟
إنها الطائفية الحمقاء والعمياء، التي حوّلت البشر الأسوياء إلى ضباع تنهش بعضها بعضا ً، على مجرد فطيسة أو رمـّة...


عيون النظم: أبو الطيـّب المتنبـّي: وما التأنيث ُ لاسم ِ الشمس ِ عـَيب ٌ / و لا التذكير ُ فخر ٌ للهلال ِ.

علاء الزيدي
[email protected]