لا تختلف كثيرا علاقة شعوب منطقة الشرق الاوسط و منها بين العرب والفرس عن العلاقات بين الشعوب الاخرى في مغارب الارض ومشارقها.
فقد شهدت القارة الاسيوية حروب دامية بين اليابانيين من جهة والصينيين والكوريين من جهة اخرى. كما شهدت القارة الاوروبية حروب طاحنة بين الالمان والفرنسيين او بين البريطانيين والفرنسيين.. الخ.
ولنا في هذه التجارب الكونية، عبرة يجب استخدامها لترسيم المستقبل بين العرب من جهة والفرس من جهة اخرى. ونحن عرب الاهواز نعتبر انفسنا همزة وصل بين ثقافتين عظيمتين قدمت للبشرية الكثير من الاسهمات في شتى المجالات العلمية والاجتماعية والحضارية.
وعندما اتحدث عن التاريخ اعني الامبراطورية الفارسية لان ايران مفهوم حديث وهي تضم اضافة الى الفرس، شعوب اخرى كالاتراك والاكراد والعرب والبلوش والتركمان، حيث غيبت هذه الشعوب خلال العقود الثماني الماضية من القيام بدورها الثقافي والسياسي لاسباب لا يسع المجال لذكرها في هذه المقالة.
العلاقة في جوهرها التاريخي
انتقل ثقل الصراع العالمي الذي كان في حقبة الحربين الكونيين في اوروبا و شرق آسيا انتقل و منذ اكثر من عقدين الى الشرق الاوسط. وهذا هو الفرق حاليا بيننا نحن ابناء الشرق الاوسط، وبين شعوب اوروبا و شرق آسيا؛ اذ نحن الان في مركز المنازلة و وسط المعمعة.
فلايمكن فهم الاشكالية الراهنة في العلاقة بين الفرس و العرب دون العودة الى التاريخ الذي يتطور وفقا لخط بياني متعرج و على ارضية نصفها بالجغرافيا. الا ان على العموم لم تكن هذه العلاقة طوال التاريخ متأزمة.
سمعت من بعض الكتاب و المفكرين الايرانيين يصفون الثورة الاسلامية ( عام 1979) بالهجوم العربي الثاني على ايران بعد الهجوم الاول، اي الفتح الاسلامي في القرن السابع الميلادي، و الذي ادى الى اسلمة بلاد فارس باكملها. وهذا بالطبع قياس ليس في محله. اذ اثبتت الثورة الاسلامية بانها لم تخلو من النزعات القومية.
لكن للفتح العربي ndash; الاسلامي لايران اسباب سابقة لم يرق للبعض التطرق اليها.
في الحقييقة الهجوم العربي ( كما يصفون) أو الفتح العربي الاسلامي لم يحدث في فراغ بل كانت له خلفياته تاريخية، والامر يكمن في الصراع التاريخي بين حضارتين هما الحضارة السامية، والحضارة الفارسية أو الآرية الوافدة قبل 3 الاف سنة من منطقة القوقاز. فهنا لا اتحدث عن عرق سامي او عربي او آري وهو امر غير مقبول علميا.
اي اننا شاهدنا وخلال 12 قرنا اي منذ انبثاق السلالة الاخمينية في القرن السابع قبل الميلاد و حتى سقوط السلالة الساسانية على يد العرب المسلمين في القرن السابع الميلادي، شاهدنا صراعا بين الحضارتين كان يتحول في العديد من الحالات الى حروب و فتوحات.
فقد قضى الملك قورش (كورش ) الاخميني على الامبراطورية الآشورية وهاجم مملكة بابل واسيا الصغرى وسار من بعده الملوك الاخمينيين على نهجه الحربي و منهم الملك داريوس1 (داريوش)
و قمبيز الثاني (كمبوجيه) - الذي احتل مصرالفرعونية و حكمها - و الملك احشورش (خشايارشاه). وقد خف الصراع بعد ان فتح اسكندر المقدوني بين النهرين و بلاد فارس حيث حكم السلوقيون هذه المناطق لمدة اكثر من قرن.
ومن ثم جاء دور الساسانيين الذين حكموا الامبراطورية الفارسية لمدة 4 قرون ( 3 ndash; 7 م) حيث قام خلالها كسرى انوشروان بدعم الملك الحميري سيف بن ذي يزن لطرد الاحباش من اليمن واصبحت اليمن شبه مستعمرة للساسانيين. وكذلك علاقاتهم المماثلة مع مملكة الحيرة العربية التي كانت تقع في وسط بلاد بين النهرين.
كما وقام السابور الثاني الملقب بسابور ذوالاكتاف بالتنكيل بمعارضيه العرب من خلال ثقب اكتاف العرب المتمردين ضده في البحرين و جنوب ايران.
الفرس و الدعوة الاسلامية كل تلك الامور و قضايا اخرى لم يذكرها لنا التاريخ أدت الى هجوم معاكس قامت به الحضارة السامية في القرن السابع الميلادي و المتمثلة انذاك بالعرب الذين وحدهم الرسول تحت راية الاسلام. وقد انطلق هذا الرد التاريخي من شبه الجزيرة العربية وارض بين النهرين.
لابد من الاشارة الى الاسباب التي قبل بها الفرس الدعوة، فاهمها: الخلاص من الحروب الخارجية المستمرة منذ عقود مع الامبراطورية الرومانية، والضرائب الداخلية الباهضة، و التمييز الاجتماعي والطبقي، و التقاليد الاجتماعية البالية (كزواج الاب و البنت، والاخ والاخت.. الخ) و تعدد المذاهب والاديان وتفشي الامراض، حيث رحبت الغالبية العظمى من شعوب الامبراطورية الفارسية بالمخلص الخارجي وهذا ما شاهدناه في عهد الخلفاء الراشدين.
و يدور الحديث هنا بان الخلفاء الامويين و العباسيين وخلافا لما بشر به الدين الجديد، لم ينصفوا الفرس حيث وصفوهم بالموالي و quot;العجمquot; اي البكم و كأنهم ارادوا ان ينتقموا لقرون من الهجمات و الفتوحات الفارسية و ما كان يتبعه من تحقير و تذليل لثقافتهم.
ويرجح الباحث العراقي الراحل هادي العلوي أن يصف الفتوحات التي قام بها العرب المسلمون لبلاد فارس و الاندلس بالفتوحات الاستعمارية. غير ان العلوي لم ينتبه الى الخلفية التاريخية لتلك الهجمات او الفتوحات.
وعلى إثر الاضطهاد الذي لحق بسكان فارس على يد الخلفاء الامويين و العباسيين، انبثقت الحركة الشعوبية في القرن الثالث الهجري القمري وذلك بعد الصدمة التي اصابتهم إثر انهيار الامبراطورية الساسانية. وقد تحولت تلك المقاومة الثقافية (والعسكرية ) بالتدريج الى حركة عنصرية معادية ليس للخلفاء الامويين و العباسيين فحسب، بل لكل ما هو عربي.
وبظهور السلالة الصفوية في القرن السادس عشر الميلادي حاولت الامبراطورية الفارسية ان تميز نفسها عن محيطها السني وذلك بالاعلان عن المذهب الشيعي مذهبا رسميا لايران؛ اذ كانوا يواجهون الامبراطورية العثمانية المقتدرة.
وكان الاباطرة المؤسسون لهذه السلالة يطمحون لاحياء الامبراطورية الساسانية حيث اخذوا يروجون لقراءة quot;شاهنامةquot; الفردوسي في بلاطهم و بين الاوساط الشعبية، كديوان شعر يثير الاحاسيس القومية.
وهاجم الشاه اسمعيل والشاه عباس الصفويين المناطق العربية وغير العربية المجاورة لايران و استوليا على بعضها لعقود وذلك بعد حروب دامية.
يوسف عزيزي
التعليقات