بيان مفتي السعودية وإن جاء متأخرة كثيرا، لكنه كان ضروريا لتبصير بعض الشباب الموهومين بالجنة وما أكثرهم من السعوديين الذين خربوا العراق بعملياتهم الإنتحارية.. وقد صدق جناب المفتي عندما أشار في فتواه الى quot; إستدراج هؤلاء الشباب والإيقاع بهم من أطراف مشبوهةquot;، فأنا على يقين بأن الإنتحاري السعودي الذي فجر نفسه في أربيل العام قبل الماضي قد لا يعرف أن الأكراد هم مسلمون مثله حرمت دمائهم من جملة المسلمين، ولا أستبعد أن يكون من يستغلون هؤلاء الشباب قد صوروا الأكراعندهم مجوسا من عبدة النار!!. وإلا فبأي منطق يأتي الشاب السعودي الى كردستان ليفجر نفسه بين أهلها وهم ليسوا طرفا لا في الحرب الطائفية بين ( الرافضة والنواصب) في العراق هذا إذا كان الهدف من التقاتل السني الشيعي في العراق هو ( الخلاف المذهبي )، ولا هم طرف في تصفية الحسابات بين القاعدة وأمريكا ؟!.
الشيء الذي لفت نظري في الفتوى، هو ما سماه حضرة المفتي بـ(العمليات القذرة التي تنفذها أجهزة خارجية هي أبعد ما تكون عن الدين لأهداف وغايات لا يعلم مدى ضررها على الإسلام وأهله إلا الله عز وجل)، فأنا أعتقد أن جميع العمليات التي ينفذها عناصر القاعدة سواء في أربيل أو بغداد أو النجف وكربلاء، أو تلك التي تشهدها مدن عربية مثل الدار البيضاء أو شرم الشيخ أو في لبنان وغيرها، هي جميعها ( عمليات قذرة ) الهدف منها الإساءة الى الإسلام أكثر من إفادة الدين الحنيف بها. حتى ( الغزوات) الكبرى التي شنتها القاعدة في بعض البلدان تحت شعار حرب ( الصليبيين واليهود) هي بدورها عمليات قذرة تضر الإسلام ولا تنفعه، بدليل أن حربا عالمية قامت ضد الإسلام كرد فعل لتلك الغزوات التي واجهت معظمها نتائج عكسية وألحقت أفدح الأضرار بالإسلام والمسلمين، فتلك الغزوات التي تشنها القاعدة في القرن الواحد والعشرين تحت يافطة محاربة الصليبيين واليهود غير مبررة منطقا وعقلا.
فقد وردت آيات قرآنية كثيرة تدعو الى معاملة النصارى واليهود ( أهل الكتاب ) بالحسنى حتى ممن يودون أن يردوا المؤمنين من بعد إيمانهم ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة الآية 109.يطالبنا الباريء عز وجل أن نعفو ونصفح عن الحاسدين من أهل الكتاب حتى يأتي أمر الله الذي سيقرر بشأن الذين كفروا من أهل الكتاب ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) البينة الآية6، فقد وعدهم ربهم بجهنم خالدين فيها، والله لا يخلف وعده، فمن هم جماعة القاعدة حتى يستعجلوا لأهل الكتاب ( اليهود والنصارى) العذاب في الدنيا؟؟!.
سبق وأن أشرت في مقال سابق ذي صلة بالموضوع الى ضرورة مراجعة القاعدة لسياساتها وإستراتيجياتها بعد إعلان الحرب العالمية عليها والأضرار الفادحة التي تلحق بالإسلام من وراء هذا التنظيم، فأنا أعتقد أن هناك ألف طريقة وطريقة لخدمة الإسلام من غير إراقة دماء الآخرين، وأقصد دماء المسلمين قبل دماء اليهود والصليبيين، فمنذ إعلان تلك الحرب العالمية وقعت عشرات الآلاف من الضحايا المسلمين مقابل بضعة آلاف ممن سقطوا سواء في تفجيرات كينيا أو بالي أو في مركز التجارة العالمية، علينا أن نلاحظ سقوط العشرات بل المئات من الضحايا المدنيين الأبرياء في العراق كل يوم، وطبعا القضية العراقية هي من ضمن تداعيات تلك التفجيرات الإرهابية..
ينبغي على القاعدة أن تنظر الى حركة إسلامية مغايرة لها في الأسلوب وهي ( الاخوان المسلمين) وهي تنظيم إسلامي عالمي مثلها،قد لا يختلف إنتشار تنظيمه العنكبوتي كثيرا عن تنظيم القاعدة، اللهم إلا في الأسلوب والخطاب السياسي، ومن الضروري تبصير قيادة القاعدة بنجاح هذا التنظيم في الوصول الى مراكز الحكم ( مصر والاردن وسوريا) وغيرهم من البلدان العربية حيث بدؤا يغزون البرلمانات بالديمقراطية ويزعزعون كراسي الحكم من تحت أقدام الحكام الطغاة، فلماذا لا تلجأ القاعدة الى نفس هذا الأسلوب الإرشادي للوصول الى مراكز قد لا تتحقق لها حتى لو دمرت نصف العالم، لأن هناك دائما قوة عسكرية متفوقة على هذا التنظيم بإستطاعتها مواجهته في كل مكان وزمان، ثم ليس منطقيا أن تتمكن القاعدة من تدمير نصف العالم والنصف الآخر يتفرج ؟!.
لماذا لا تغير القاعدة أسلوب تعاملها حتى مع ( الصليبيين واليهود) وقد أوصانا رب العزة باللين والمجادلة بالحسنى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( [ العنكبوت الآية 46.
لماذا لا تدخل القاعدة في حوار حضاري عقلاني مع اليهود والنصارى وتجنيب المسلمين إراقة دمائهم وقد قال عز من قائل ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( آل عمران الآية 64.
وفي الشق الإسلامي من خطاب القاعدة، ما هذا العداء المستحكم بينها وبين مسلمي العراق تحت يافطة الحرب الطائفية، حتى بات المسلم العراقي يخاف العمليات الأنتحارية لأعضاء هذا التنظيم المدافع عن حياض الإسلام، أكثر من خوفه من غارة إسرائيلية أو عملية عسكرية أمريكية ؟!. بأي حق تجعل القاعدة من العراق ساحة لحربها ضد الصليبيين واليهود، وساحتها الحقيقية هي في إسرائيل وليس في العراق؟!. كم عملية إنتحارية أو غزوة مباركة قامت بها القاعدة لضرب اليهود المحتلين داخل إسرائيل قياسا الى أنهار الدماء التي تسيلها في عملياتها الإنتحارية في بغداد والنجف وأربيل والموصل وغيرها من مدن العراق.؟. هل هناك هدنة غير معلنة أو صفقة مشبوهة بينها وبين الدولة اليهودية المحتلة، أم أن وراء الأكمة ما ورائها؟؟!!!..
هل نسيت القاعدة أن الرسول الكريم قد أوصى بحرمة دماء المسلمين (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قلنا نعم قال اللهم اشهد ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ يبلغه من هو أوعى له منه فكان كذلك وقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض rlm;). وقال عليه الصلاة والسلام (المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله والتقوى هاهنا، وأومأ بيده إلى القلب قال وحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم rlm; ) وهو القائل (سباب المسلم أخاه فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه rlm; ) فماذا تحسب القاعدة أهل العراق؟ أليسوا مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن إيمانهم في قلوبهم ). أم نسي قادة القاعدة المختبئين في كهوف تورا بورا قول الله عز شأنه ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ* أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) نعم ما لهم كيف يحكمون وكيف يجرمون المسلمين؟؟!!.
شيرزاد شيخاني
التعليقات