بعد ساعات سيحتفل العالم الاسلامي بصورة عامة والعربي بصورة خاصة بعيد الفطر المبارك. والعراقيين بطبيعة الامور جزء من العالمين. لكن للاسف سيكون عيدهم مثل ماهو ومنذ عقود كله احزان ونحيب وبكاء على موتاهم خاصة من الشباب والاطفال والنساء الذي قرر ارهابي الموت الطائفي quot; التعجيل بهم الى الجنة او النار كلآ حسب استحقاقه السماوي!!quot; ففي الوقت الذي يفرح ويلعب ويلهو به اطفال العرب على وجه الخصوص. سيكون ملايين من اطفالنا العراقيين في مقبرة السلام في النجف الاشرف والمقابر الاخرى في العراق. يذرفون الدموع والاهات ويطلقون الحسرات على أبائهم او اولادهم الذين سلبت حياتهم من قبل الصنم الساقط سابقا ومن الارهاب الدموي في وقتنا الحالي. فلقد دفع العراقيين خيرة ابنائهم مرة للدفاع عن البوابة الشرقية quot; المزعومة quot; للامة العربية!! ومرة اخرى لارجاع المحافظة التاسعة عشر quot; المزعومة quot; من خلال غزو الكويت. وماقبل وبين وبعد هذا وذلك اعتقالات وتغيب ومقابر جماعية وقتل بالكمياوي وحرق الاهوار والجبال على حد سواء.


وحتى معركة quot; الحواسم quot; التي اختزلت كل العراق بارثة وتاريخه الكبير بيد طاغية وبحفرة حقيرة وصغيرة في منطقة نائيه من تكريت. لم يجد الصنم له ملاذ افضل منها للتعبير عن بطولاته المزيفه والفارغة. فسلم العراق والعراقيين الى موت اخر جديد على يد بقايا ازلامه الجبناء والمقاومة البائسه ومن القاعدة الارهابية وبهائم الموت quot;العربي quot; ومن مرتزقة من طراز بلاك ووتر وغيرهم.

عندما كنا اطفال صغار وفي ايام العيد على وجه الخصوص كنا نحرص ان لانمر بطرق معينة تؤدي بنا الى بيوت معينة. بسبب ان هذا البيت المعني كان مات له عجوز او شيخ كبير في السن قبل عدة اشهر، وسيكون العيد حافز اخر لتذكير أهله به وبفقدانه. وحينها سيكون صوت النحيب والبكاء يسمع من مسافات بعيدة. ورغم اننا كنا اطفال لكن نعرف ان ملابسنا الجديدة وتباشير الفرح بالعيد والعيدية واضحة على وجوهنا، ومثل ذلك حسب تربيتنا يجب ان لايظهر امام جارنا او ابن منطقتنا الحزين والمفجوع برحيل مثلا quot; جده او جدته quot;!!. هذه الصورة العراقية القديمة والمختصرة، كانت في العراق عندما كان للموت وقع ورهبة كبيرة في النفوس وعندما كان العراقي لاينام الليل اذا كان في بيت جاره حزن او فجيعة من هذا النوع!!


اما فجيعة العراقيين في وقتنا هذه لو طبق عليها مثل تلك التربية والتصرفات الاجتماعية لما بقي احد في الشوارع ولفرغت المناطق عن بكرة ابيها من الناس. لان كل بيت عراقي اليوم ليس مفجوع بفقدان عجوز او شيخ بل كل بيت فيه كارثة من خلال فقد الاحبة من الشباب والاطفال والنساء. واصبح الجد والجده والوالدين هم من ياخذ الطريق الى النجف الاشرف لدفن الاحفاد والاولاد!! وليس العكس حينما كان يوصينا اهلنا الكبار في العمر على الامور المهمة التي يجب ان تتم من بعدهم اذا اخذ quot; الخالق امانته quot; اليوم اصبحت الشغلة مقلوبة في العراق حيث الشباب من يوصي ويكتب وصيته للجد والاب quot; اذا اخذ الخالق امانته quot; على اعتبار ان الشباب هم من يخرج في الشارع لاجل العمل او غيرها من الامور الحياتية الاخرى، لذلك فانهم اكثر تعرض للموت بشكل مباشر من خلال اطلاق النار او من خلال التفجيرات او الخطف وكل ذلك يتم على الهوية المذهبية!!

ومن ذكريات العراق والطفولة الجميلة والنبيلة. كان العراقي اذا اراد بيع داره لشخص معين يسال عن اخلاقه واصله وفصله وعشيرته، وكأنه يريد ان يزوجه أبنته وليس يبعيه مجرد دار!! والسبب لانه لايريد ان يترك خلفه انسان يسبب الاذى لجيرانه السابقين. واذكر ان والدي قد اشترى دار جديدة في منطقة اخرى واراد ان يبيع الدار التي نسكن فيها. وكانت طرق الاعلان عن بيع الدار في ذلك الوقت بان تكتب قطعة صغيرة فوق باب الدار مكتوب عليها quot; الدار للبيعquot; حينها ياتيك من يرغب بالشراء وبعد ان تسال عن اخلاقه واصله وفصله تتفق معه على السعر المحدد وتبيعه الدار. لكن المفارقة التي حدثت معنا كنا نصحوا صباحآ ولانجد هذه قطعة الاعلان عن البيع في مكانها. وتكررت هذه الحالة عدة مرات وبشكل اصبح اكثر من غريب. وكنت طفل جالسآ مع والدي ليلآ في زاوية من الحديقة الخارجية، حتى مر رجل كبير هو جارنا الذي لم يرانا نجلس في الحديقة فمسك قطعة الاعلان ومزقها. حينها انا استغربت ولم افهم الدوافع حتى انتبهت ان دموع والدي بدات تنهال. وقد فسر لي هذا التصرف من الجار فيما بعد انه كان حريص ان لانغادر منطقتنا حبآ فينا واحترمأ لنا. اما في وقتنا الحالي وبعد تلك السنين الطويلة فقد تم تهجير الاهل قبل حوالي عامين من قبل مجموعة ارهابية عاثت فسادا وقتلا باراوح وحرمات البشر لمجرد الاختلاف المذهبي ليس الا....


فاين عراقي اليوم من عراقي الامس. يبدوا ان ليس نكهة العيد وحدها ضاعت في العراق و وقع الموت اختلف على العراقيين بل حتى شروط وسمات تلك الجيرة النبيلة والجميلة، قد اختفت وضاعت خيوطها الكريمة بين التعصب الاعمى والتحريض الطائفي المقيت. واجزم هنا ان السبب الرئيسي هو التدخل الخارجي والتدخل العربي والتدخل الاقليمي. وايضا الجراحات التاريخية العميقة التي حفرها نظام الصنم الساقط.

وبالمناسبة ليس من العسير اثبات ان التهجير في الشمال والجنوب وفي بغداد نفسها كان موجود في زمان النظام السابق وكانت تدعمه اوامر وقرارات و قوانين باطلة وطائفية وعنصرية. لامجال هنا للخوض فيها. ولااعرف انا على صواب او خطاء حينما اعتقد ان تلك سمات الجيرة العراقية الجميلة والتعايش المشترك كشعب واحد في منطقة او مدينة واحدة او محافظة واحدة اصبحت من الماضي البعيد. والذي لايعود. اتمنى ان اكون على خطاء تام. لكن الامور في الاول والاخير ورغم كل التدخلات الخارجية والعربية والاقليمية. تبقى بيد العراقيين انفسهم بطرد كل غريب من صفوفهم وطرد كل فكرة طارئة على مجتمعهم ومعها طرد كل الاحزان والاوجاع والدموع والنحيب. الامور مثل الخيارت الاخرى. فقط بيد العراقيين. وقبل ان يفوت الآوان لان الوقت لاينتظر المتاخرين والزمن ليس مفتوح على مصرعيه.

محمد الوادي
[email protected]