التنافس له وجهان الشريف منه والمذموم بل أحيانا يكون له العديد من الوجوه، ولعل التنافس مع الذات هو افضل انواع التنافس من وجهة نظرى المتواضعة فالمرء كلما تنافس مع ذاته كلما تقدم أكثر وقدم الافضل لنفسه وللآخرين، وبذلك فهو فى صيرورة دائمة وكأنه منظومة تقدم الأحسن فلا اليوم مثل الأمس ولا الغد مثل اليوم..فالأمس شيك بدون رصيد والغد شيك مؤجل الدفع إنما اليوم هو ما بين أيدينا فلنتوخى الحرص والحكمة فى تدبيره ايا كان المضمون والمعنى.

أيضا لايبقى ولايمكث فى الأرض ويعطى النتائج المرجوة الجيدة إلا الجيد من التنافس والعمل الشريف أما ما دون ذلك فهو مثل غثاء السيل فكل كثرة غير نافعة فهى كغثاء السيل

ولكن التنافس بوجهه الاخر الغير شريف هو كمن إختار ان يدمر كل من حوله ليعلو بنيانه ويصير قرشاً يبتلع كل ما يصادفه دون رحمة او هوادة على عكس من يبنى نفسه وفى ذاته إقتناع تام انه يريد ان يكون أعلى من غيره دونما تدميره.

فالمنافس الغير شريف هو من يحاول او يريد ان يكون إنسانا ً ناجحاً إطاراً لا مضموناً دون ان يكون له قيمة والعكس يحدث مع المرء الذى يريد التنافس الشريف فهو يضع نصب عينييه القيمة ومن بعدها بالتأكيد يأتى النجاح.

لاشك أن طلب الشهرة والمال لا عيب فيه أبدا فالإنسان مجبول على محبة الدنيا والاستمتاع بمنافعها وعلى حب المال وتشغله مصالحه الدنيوية فى الغالب أكثر من اى شىء اخر.

ولكن العيب فى أن يوظف حبه هذا فى الطالح وليس الصالح، وأن يمنعه حبه هذا من ايتاء الناس حقها فيتصور ما حرم الله لهو الحق فيأخذ بالحرام ما يعتقد أنه الحلال.

السعى فى الدنيا والتنافس وراء المال والشهرة وخلافه،لاخلاف عليه، ذلك ان التنافس المحمود المؤدى الى الشهرة التى تجلب على الانسان الخير والمنفعة دون أن تسىء الى الآخرين هو افضل انواع التنافس.

وانما التنافس المذموم الذى ُيؤثر الانسان فيه الدنيا على الآخرة بل ويؤذى به المجتمع لهو التنافس المكروه، فالدنيا لا ينبغى ان تكون أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وايضا ً لا موضع تنافس وتسابق إلا على النافع من العمل الصالح الموصل بالانسان الى المكان المرموق فى الآخرة وليس فى الدنيا ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ).

ومن الصور البغيضة فى التنافس على الدنيا ( التكاثر ) بمعنى ان كل انسان يحب الايثار الدنيوى لنفسه ولكن على حساب الآخر فيتطاول عليه بشتى الطرق حتى يصل الى مبتغاه من الشهرة وكسب المال.

وقد يكون التكاثر وحب المال والأولاد والغرق فى الدنيا أحياناً سببا ً فى الإلهاء والتقاعس عن ذكر الله وعن اداء حقوقه وحقوق الآخرين، فيكون الهلاك، فالإلهاء يؤدى الى الهلاك، ( يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله )

التنافس ان كان يعنى الايثار فلنجعله ايثار الآخرة على الدنيا وليس العكس فالعكس سيؤدى بنا الى المضى فى التهلكة، ( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) وما المنفعة الدنيوية الا شىء هلامى زائل ولايبقى منه الا من كان ذخرا ً للآخرة،فإن جعلتم الدنيا سوقا وتجارة فلتكن تجارتكم مع الله وليست مع الشيطان فتكون ريحها طيبة فى الدنيا والآخرة فما أرتفع أبدا ًسهم وعلا على سهم التجارة مع الله.

وقد حذرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه من بسط الدنيا وشرورها والانغماس فى ملذاتها فلا أخطر على الانسان من بسط الدنيا فهى إبتلاء وفتنة، فالفرح والبسط يكون بمقدار حتى لا يمهد لنا طريق الى البطر والفسق والغرور والتقاتل والتباغض...إلخ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: quot;وإنما أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم، او فتلهيكم كما ألهتهم quot; ابن ماجه: الفتن (3997)، وأحمد (4/137).


وخلاصة القول ان التنافس نتيجة حتمية من نتائج بسط الدنيا وما نحن فيه الان من تفرق وتشرذم وفتن وفقر لهو ناتج من نواتج بسط الدنيا، وما الابتلاء الا ابتلاء الغنى والبسط وليس الابتلاء ابتلاء الفقر. فأحسنوا التنافس الشريف فى الدنيا يرد عليكم فى الآخرة.

مسک الختام:
ان إبتليت بالضراء رفعت الأكف بالدعاء الى الله عز وجل راجيا ً صابرا ً محتسباً ًًًً، وإن إبتليت بالسراء مضيت فى الدنيا دون إلتفات ونسيت من.. ِمن َ النعم أعطاك َ..الخالق الوهاب الرزاق المعطى بغير حساب.


نجوى عبد البر أبو العلا