quot;لم يبقَ هنا زهور ولا فطر.
هنا ورقٌ على الأرض.. هنا لا إله يجلس في الشجر،
لا صبيَّة ولا طفل ولا حيوان
كذلك رَحَلَتِ الطيرُ إلى الدفء
هنا الجذوع الجرداء وحدها
في سماء مغلقة
الجذوع عارية والأفكار عارية
بلا زينة..
وبحدَّةٍ مرسومةِ المَعَالم..quot;
للشاعرة الألمانية روز ي أوسلندر من قصيدة quot;سقوط الورقquot;


(يوم القيامة في ميزان العقل)، عنوان لمقالة قد تثير الكثير من عدم الرضا من أغلب القراء ولكنها الحقيقة التي يجب.. يجب أن نقال عن الوهم الذي نغرق فيه الآن، الوهم الذي يثقلنا ويدمرنا بشكل تدريجي، مشكلة القارئ العربي أنه يقرأ بعين واحدة وتلك المصيبة بحد ذاتها، وكل شخص لا يبصر بكلتا عينية
أنصحه الآن بترك قراءة هذه المقالة فهي ستثير غثيانه، وهذا الشيء لا أرضاه لنفسي أن أكون السبب في أثارة جدال لا حد له وان ينتهي أبدا.. نظرية الثواب والعقاب نظرية قديمة رافقت التدين منذ الأزل وكان يعتبر الحجر الأساس لأي دين كآلية تضمن له الديمومة والتأثير، على الرغم من كون الحضارة الهندية كان لها نظرية تختلف تماما مع مفردات باقي الأديان التوحيدية إلا أنني سوف أناقش هذه النظرية من المنظور ( اليهودي - المسيحي - الإسلامي ) فهي تعنينا نحن أبناء هذا الشرق الكبير وتمس واقعنا الحالي..


الثواب والعقاب لا يرتبط مع الحياة الدنيا ولكن يرتبط بقوة مع عالم أخر ينتظر البشر بعد مماتهم وهنا جاءت سر قوته وخلوده عبر التاريخ، الثواب يعني الجنة وهي بلاد مجانية إباحية لا فيها سلطة أو قانون وأنهار خمر ولبن ونساء و.. الكثير من المتعة.. والعقاب هو الجحيم بلاد تشمل مرافق مختلفة لأنواع من التعذيب لا حصر لها بحيث تشبه الجحيم كثيرا دائرة الأمن العامة وأجنحة تعذيبها في كل بلد عربي - وبصراحة هناك إبداعات خلاقة في فنون التعذيب - ومن باب أخر الثواب هو نتيجة حسنات يقوم بها البشر في الحياة الدنيا والعقاب على العكس من الحالة الأولى نتيجة للسيئات التي يقوم بها البشر، قبل الثواب والعقاب هناك عندنا ما يعرف بالساعة وهو لحظة الحساب وفيها يقوم الرب ( الجليل العزيز ) بدور القاضي الكوني ليحكم بين ملايين المليارات من البشر في سرعة خيالية ويوزعهم بين الجنة والنار وبعدها يرجع الرب لعرشه ليأخذ استراحة من تلك العملية المتعبة (؟؟!!) هذا مختصر مركز ليوم القيامة وما بعد هذا اليوم.. وأغلب الأديان ( القديمة والحديثة ) تتفق في الخطوط العريضة لدراما هذا اليوم ولكنها تختلف بشدة في التفصيلات والديكورات والملابس والأدوار مثلا عند اليهودية، اليهود لا يدخلون النار لكونهم أولاد الله وشعبه المختار (!!!! )، والمسيحية تؤمن بالغفران من قبل المسيح لكل مسيحي الذي سيمنع عنه العذاب، ويأتي الدين الإسلامي بتعديل ملحوظ للدراما فهو يؤمن بأن النبي محمد سيشارك الرب في عملية قضائه وسيدخل هذا النبي للجحيم ويخرج كل مسلم منها وسيدخله للجنة!! والعقيدة الشيعية تؤمن بقوة بأن الأثني عشر ائماما سيشاركون محمد تلك العملية في تخليص شيعتهم من النيران المحرقة (!!! )..الغريب هنا ومن الملفت للنظر أن الحسنات قد تكون سيئات عند دين أخر وبالعكس مثلا تعدد الزوجات عند المسيحية هو خطيئة يعاقب عليها الله بالدرك الأسفل من النار ولكن عند الإسلام ليست سيئة!! ومثلا الختان عند الأديان الثلاثة واجب كان قد أمر به الرب إبراهيم ذات يوم وأصبح فيما بعد سنة ولكن عند الصابئة سيئة تستحق النار!! وهكذا كيف سيقوم الرب بعملية القضاء تلك هل ستكون على المزاجات الشخصية لكل دين مما يعني وجود أرباب وليس رب واحد من الناحية الجدلية أم سيكون هناك ملة واحدة صحيحة والباقي كلهم في النار حسب الفلسفة المحمدية في حديثه الشهير عن الفرقة الناجية.


سأعود هنا لنقطة البداية لليوم الأول الذي رفع فيه الإنسان يديه للدعاء أو التبرك بقوى كونية أمن بقدرتها على التحكم بكل تفاصيل حياته، من المعروف أن الدين في مراحل لاحقة أتخذ شكل مؤسسة منيعة كان لها الدور الكبير في صياغة حركة التاريخ البشري وتلك المؤسسة تأرجحت بين القيادة المباشرة لقطعان البشر وبين دور المهرج الذي يخدم السلاطين والأباطرة وأغلب الأدوار لتلك المؤسسة كانت الحالة الثانية كما هو معروف لأي قارئ للتاريخ يقرءا على الطريقة الديكارتية..


ما هو يوم القيامة؟؟؟؟
من المعروف ( في علم النفس ) أن الآليات الدفاعية هي حيل نفسية ( ردة فعل ) لاشعورية الهدف منها منع ظهور العقدة النفسية المكبوتة وأكثر آلية دفاعية نفسية شائعة هي عملية التخيل وهي أن يلجأ الإنسان لسلسلة من مجموعة أحلام مفترضة الهدف تحقيق الرغبة التي لم تتحقق في أرض الواقع وبهذا كان الكاهن يتوعد بالعقاب الأخروي لكل من يعصي أوامره وبالتالي كان يمارس عملية أحلام يقظة جمعية ولكن بشكل معلن مع الناس، بدأت أول الأمر بشكل ذاتي كفيلم مفترض ومن ثم على شكل رؤى أو رسائل من القوى الكونية المزعومة ومن ثم تم تبشيرها للناس كرسائل حملتها الملائكة لموظفي المؤسسة الدينية، أذن العملية كلها عبارة عن تفكير خارج للتمني كميول عليا للسلطة تتحكم بشكل قوي في اللاشعور البشري حسب فلسفة ( ألفرد أدلر ).. أغلب المؤسسات الدينية البشرية كانت ضعيفة كما أسلفنا وبالتالي لابد من وجود آلية خاصة لتحقيق أوامر تلك المؤسسة، أحلام اليقظة تلك كانت ركيزة أساسية في اللاشعور الجمعي البشري فيما بعد..


هناك حديث شهير منسوب للنبي محمد ينص على أن الفقيه أذا أصاب له حسنتان وإذا أخطاء فله حسنة واحدة، الحديث لو أدخلناه عملية ترشيح فلسفي ومنطقي معقدة نرى بأنه وقع في تقاطع غريب مع عدالة ربانية كان قد أفترضها في أحاديث سابقة مما يؤكد ضمنا بأن مبدأ الثواب والعقاب ليس مؤكدا بشكل كامل (؟؟؟ )، ورحلته الشهيرة الإسراء والمعراج أترك لكم حرية الحكم عليها بناءا على ما قلت.
من جانب فلسفي روحاني يوصف الله بأنه واحد لا يحتمل التركيب وغاية في البساطة فلو تعقد أحتمل النقص وكل الأشياء تتعقد حتى تكمل فجوات نقص في داخلها ولحظة الساعة القادمة هي تلك اللحظة التي يظهر فيها الفاطر على حقيقته ومن أهم صفات حقيقته هي البساطة، وسيناريو يوم القيامة المركب والمعقد يتناقض مع جوهر الفاطر الأول (؟؟؟ ) فكيف إذن رب يوصف بالبساطة يتعامل مع سيناريو معقد مثل هذا الذي وصلنا (؟؟ )
وأتذكر مقولة للفيلسوف الفرنسي باشلار ( البساطة هي أقوى القوى جمعيا ) عبارة تستحق أن تكتب بالذهب في كل بيت، فلابد أن يكون سيناريو اللحظة النهاية أو كما توصف في الفيزياء بـ ( الأنتروبيا ) سيناريو بسيط جدا جدا.


هناك نقطة قد تثير جدلا وهي أن وجود يوم حساب نهائي يبطل وجود حساب دنيوي حالي فصاحب السيئات يبقى مؤجلا في العقاب حتى ميقات معلوم (!!! ) لماذا لا يعاقب هنا حتى يكون عبرة لغيره (!! ) دارسي القانون يدركون مغزى كلامي بشكل جيد في كون الموعد المؤجل يحمل تناقضات قانونية لا يقبلها عاقل.. نقطة أخرى عن تفاصيل الجنة والنار هي تفاصيل تصلح للمعاد الجسماني ( وجود لذة وألم تعني وجود جسد بايلوجي ) وإشكالية المعاد الجسماني تكمن في أنها تؤكد بأن العالم الأخروي هو نفسه العالم الأرضي ( كوكب الأرض ) بدليل الأجساد التي ستنهض من قبورها (!! )، والكل يعلم وربما أكثر مني بالتأكيد بأن عالم الآخرة يختلف تماما عن عالمنا بكل تفاصيله فكيف ستعيش فيه أجساد مهيأة فسلجيا لبيئة ذات نمط خاص مثل البيئة الأرضية (؟؟؟؟ )..


نستطيع الجزم هنا بأن المنقذ هو حلم يقظة جمعي للخلاص يوما من جور الولاة والحكام ولكن من نوع أخر.. ولكن أي حلم؟؟؟؟!!!
السيد إبراهيم ذاك النبي المميز والوسيط المحبب لتلك القوى الكونية في قيادة مؤسسته - الرومانسية -ومن جاء بعده من أولاده حتى أخرهم النبي محمد كانوا - بصراحة شخصية ndash; يثيرون الإعجاب فيما لو قارناهم مع كهنة المؤسسة الهندية أو البوذية الدينية التي تؤمن بتفاصيل تختلف تماما كما أشرنا، وكانت تلك المؤسسة التوحيدية بفروعها الثلاث أخر ما تبقى من عشرات المؤسسات الدينية الأخرى طوال ثلاثين ألف سنة من عمر الإنسان الحديث.. فيلم يوم القيامة بصراحة كان يستحق جائزة الأوسكار كأحسن أخراج وأحسن تأليف والدليل عليه هو ظاهرة الإرهاب الديني المتطرف الآن.. الانتحاري يفجر نفسه وهو على يقين بأنه سيتناول وجبة الطعام مع الرسول محمد في الجنة؟؟!!
ما هو البديل؟؟


سنجده هناك بعيدا عن كل أنفاقنا المظلمة.. أنفاقنا التي صنعناها من الأوهام التي شربناها مع الحليب حين كنا صغارا.. تلك الأوهام المغلفة بالقدسية التي لم توضع إلا لشيء واحد وهو عدم رؤية قدرنا الحقيقي في هذا العالم.. قدرنا بأن نكون سادة أنفسنا وسادة هذا العالم بدون وجود وسيط بيننا وبين فاطرنا الأول الذي أليه مرجعنا ومنه أنبثقنا.. وكل ما أومن به بأن الله ( الفاطر الأول والأب الكلي ) خلق الإنسان ليكون أله حقيقي والحياة عبارة عن طريق ألم وطريق أحزان حتى نتعلم فيه كيف نكون مثل الله، مثله تماما في الكمال والجمال.. نوه لتك الحقيقة الكثير من المفكرين المطموسين في مقابر التاريخ القديمة وكان بعضهم معاصرا للنبي محمدا نفسه ( سلمان الفارسي الصوفي الكبير والإمام الناسك علي بن أبي طالب ).. العقدة البشرية مازالت تنمو وتكبر حتى صارت الآن مثقلة علينا نحن أولاد الحقيقة المقدسة التي أليها وحدها أعبد وأسجد وأقترب حقيقة بأن الله والإنسان شيء واحد.

عماد البابلي