عندما يأتى ذكر وقائع بطريقة عرضية أثناء رواية واقعة ما فإنها تكتسب مصداقية لم تكن لتكون لها لو قصد روايتها بذاتها. أيضا فإن تدقتيق البحث ليس من خاصية مقال لا يزيد عادة عن صفحة واحدة، وإنما من مهمة المقال أن يلقى الضوء ويلمس الموضوع لمسا خفيفا ويبقى على من يريد الإستزادة والبحث والتمحيص أن يبحث بنفسه أو يلجأ للمباحث المعتبرة والتى تكون كتبت خصيصا لتلك المهمة. وتلقى تلك المهمة عادة على البحاثة والتى يعتبر بعض كتاب إيلاف مثل الأستاذ غالب الشبندر والأستاذ سعد الله خليل من رجالتها بدون منازع. ولذلك نحاول أن نلقى بعض الضوء على الحياة الجنسية فى جزيرة العرب فى وقت معاصر للبعثة المحمدية حسب المتواتر وبدون الإشارة للمصادر الموثقة.

من المؤكد أن الجنس لدى العرب لم يكن له ذات التقييم الذى له فى عصرنا الحاضر. يمكن الإشارة لتوضيح ذلك إلى أن شعائر الحج ذاتها والتى كانت ndash; إلى حد كبير- تتشابه مع ذات الشعائر التى تتبع حاليا، كانت ndash;تلك الشعائر- من طواف وسعى وغيرها تجرى بين الرجال والنساء وهم عرايا كما ولدتهم أماتهم، ثم تطورت وصارت تجرى بملابس الإحرام المعروفة حاليا والتى تتكون من قطعة قماش غير مخاطة.

أيضا من المعروف أن مكة كانت ndash; كأى حاضرة متمدنة- تجمع فيما تجمع قدرا لا بأس به من بائعات الهوى المحترفات، وكانت بنات تلك المهنة لا يستحين كثيرا بل كن يعلقن على منازلهن رايات خاصة تعلن عن مهنتهن وقد أطلق عليهن أصحاب الرايات! ومن أصحاب الرايات المشهورات والدة عمرو بن العاص وقد وطأها عدد كبير من الرجال إبان القترة التى يفترض خلالها حملها بعمرو بن العاص، وعندما ولد تنازعه عدد من الرجال صفصف على إثنين هما العاص وأبا سفيان وفاز به الأول عندما ألحقته به أم عمرو لأنه ndash;كما أوضحت- كان أكرم مع باقى بناتها عن أبي سفيان.

وقد كان إلحاق إبن سفاح بأب ما من الأمور الشائعة قبل البعثة وخاصة إذا ما أثبت ذلك الولد أنه مقاتل يتمتع بالشجاعة والقوة. وقد ألحق شداد عنترة العبسى به وأعطاه إسمه لما أثبته عنترة من شجاعة وقوة. ولذا لم يستنكر إلحاق العاص عمرو، وكذلك أيضا ألحق أبو سفيان زيادا والذى كان ولا زال أحيانا يطلق عليه إسم زياد إبن أبيه! وهؤلاء أمثلة مشهورة فقط ولكن التاريخ المتخصص يزودنا بعشرات القصص لأبناء سفاح ألحقوا بآباء كانوا سادة فى قومهم. وقد هذب الإسلام ndash;فيما هذب- تلك العادة إذ لا يسعفنا التاريخ بقصص إلحاق كثيرة منذ البعثة كما كان من قبلها. بل وأيضا إضمحل ذكر بائعات الهوى أو أصحاب الرايات ويبدو أن الإسلام قد حارب البغاء الذى كان منتشرا من قبل حكمه، وقد جاءت آية صريحة فى القرآن تمنع من تشغيل الإماء فى تلك المهنة.

ولقد أمتعنا أحد كتاب إيلاف بمقال قيم عن الزواج المتعدد لنساء فجر الإسلام وذكر لنا عددا لا بأس به من المخمسات والمربعات والمثلثات وغيرهن، أى اللاتى تزوجن خمسة وأربعة وثلاثة رجال ألخ... وكانت أغلب تلك الزيجات تتم لأرامل شهداء. وتبقى ملاحظة أن الرسول حرم على أرامله الزواج من بعده ومنهن السيدة عائشة التى مات عنها وهى فى الثامنة عشرة فقط لا غير. وقد ذكر أن الله ينهى عن أذية الرسول فى نسائه من بعد وفاته بالزواج منهن.
وقد تزوج الرسول بعض الأرامل كما ان زواج الأرامل لا زال يجرى بدون أن يعتبر ذلك أذى للمتوفى، ولم يسرى حكم الحرمة ذاك على من أمتعهن الرسول أو عرضن أنفسهن عليه، فحق لهن الزواج من بعد مواقعة الرسول لهن

عادل حزين
نيويورك