امريكا وايران ودول الخليج.. ملامح حرب ثالثة..(1من3 )

لا تكاد تخلو وسيلة إعلام في العالم من التطرق للتوتر القائم بين الولايات المتحدة وإيران والتهديدات التركية باجتياح العراق, ولاسيما التهديدات المتبادلة بين كبار مسؤولي أمريكا وإيران, وظهور الخلافات داخل المؤسسة الإيرانية المتماسكة قوميا ومذهبيا وعسكريا حول الملف النووي التي تكللت باستقالة السيد علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مسؤول الملف النووي الإيراني والمفاوض الأكثر براعة في إيران, الأمر الذي تتفاوت بشأنه التوقعات حول مستقبل المواجهة القادمة في الخليج, وقد شهدت إيران خلال اقل من شهرين سلسلة من الاستقالات أهمها استقالة قائد الحرس الثوري ومحافظ البنك المركزي ووزيري الصناعة والنفط حيث لم يحل مكانيهما حتى ألان احد..وهي مؤشرات لزلزال قادم سيعصف بمنطقتنا.


فعقب زيارة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لعدد من دول المنطقة في ايار الماضي بهدف تعزيز الجبهة ضد إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي والهيمنة على المنطقة, وتهديده إيران من على متن أحدى حاملات الطائرات الأمريكية في مياه الخليج العربي, قابلتها تصريحات متزامنة لمسؤولين إيرانيين تلوح بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج وأهداف ستراتيجية لدول الخليج العربية وحتى قواعد وركائز أمريكية في أوربا خاصة بعد إعلان إيران عن امتلاكها لصواريخ تصل مداها الفي كيلومتر في حال قامت الولايات المتحدة بأي هجوم على المنشات النووية الإيرانية.


ونقلت تقارير عن الادميرال علي شمخاني وزير الدفاع الإيراني الأسبق وكبير المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى علي خامنئي, تهديداته بضرب المنشات النفطية لدول الخليج اذا ما هاجمت الولايات المتحدة بلاده بحسب ما ذكرته صحيفة صنداي تايمز البريطانية في 10 حزيران الماضي.


ورغم ان شمخاني أنكر ذلك التصريح في لقاء مع قناة العربية الفضائية في اليوم التالي, فان كثير من المحللين والمراقبين لا ينفون احتمال لجوء إيران الى هذا الخيار, وأكده الرئيس الإيراني احمدي نجات خلال زيارته الى نيويورك لحضور الدورة 62 لاجتماعات الأمم المتحدة.


بتاريخ 4/10/2007 صعد السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة زلماي خليل زاد من لهجة تهديداته ولوح برفع درجة العقوبات المختلفة على إيران, أعقبه تصريح خطير للجنرال باتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق باتهام سفير إيران في بغداد السيد كاظمي قمي كونه عضوا في (فيلق القدس) التابع للحرس الثوري الإيراني المتشدد وانه المشرف على نقل الأموال والأسلحة الى الإرهابيين في العراق أعقب ذلك التصريح الملتهب صدور قرارات أمريكية بوضع فيلق القدس ضمن لائحة اعتى الإرهابيين في العالم, وفرضت حظر على أهم البنوك الإيرانية (ميللي وسبه) واعتبرتهما بنوك تغطي المشاريع النووية والإرهابية.


وتصريحات أخرى صدرت عن مسؤولين إيرانيين تدعم هذا التوجه, فرئيس مجلس الشورى الإيراني، غلام حداد عادل كان قد أشار خلال زيارة لدولة الكويت، إلى أنه quot; في حال استخدام أمريكا قواعد دول المنطقة لضرب إيران، من الطبيعي ان نقوم بالدفاع عن أنفسنا والرد على مصدر الهجوم quot;, واخطر تصريح صدر من مسؤول عسكري ايراني يوم 18/10/2007 قال بان في مقدرة إيران اطلاق احد عشر ألف صاروخ على القواعد والمنشات الحيوية الأمريكية في المنطقة خلال الدقيقة الأولى من تعرضها لأي هجوم أمريكي.

في المقابل، حرص كثير من القادة والمسؤولين الخليجيين على تأكيد موقف بلادهم المعارض للحل العسكري لازمة الملف النووي الإيراني، والرافض لاستخدام أراضيها لقيام بأي عمل عسكري ضد إيران.
فالنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي، وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك الصباح، صرح في الحادي عشر من يونيو، رداً على سؤال الصحفيين عما إذا كانت الولايات المتحدة طلبت من الكويت استخدام أراضيها لضرب إيران، قائلا quot; إن امريكا لم تطلب مثل هذا الطلب... وحتى لو طلبت فإننا لن نسمح به أبدا quot;.
بدوره وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبد العزيز، صرح في السابع عشر من الشهر نفسه quot; إن دول الخليج العربية لن تكون منصة لأي هجوم عسكري على ايران quot;.


وسبق الوزيرين السعودي والكويتي كان رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، الذي أوضح في حديث لصحيفة ( الحياة ) اللندنية في 26 ابريل quot; إن بلاده ليست طرفاً في النزاع بين إيران والولايات المتحدة، وإننا لن نسمح باستخدام أراضينا لشن أعمال عسكرية أو أمنية أو تجسسية ضد إيران quot;.
فهل حقاً لن تدعم دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي أي ضربة عسكرية ضد إيران، لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد العسكرية والتسهيلات الممنوحة لها على أراضيها وفي أجوائها من أجل توجيه مثل هذه الضربة ؟.
قبل الإجابة على هذا السؤال واستشراف السيناريو الأمريكي في حال اللجوء الى الخيار العسكري ينبغي التعرف على طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في دول الخليج العربية الست, وإلقاء الضوء على أخر التطورات في المنطقة وأبرزها الحشود التركية على الحدود العراقية التي بلغت أكثر من مائة الف جندي مدعومين بالطائرات العسكرية الحديثة والهيلكوبترات والمدرعات وناقلات الجنود والمدفعية الجبلية إضافة الى التوتر الحاصل بين سوريا وإسرائيل.

الروابط الدفاعية الأمريكية ـ الخليجية

يعود التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية إلى القرن الماضي، والسعودية هي التي دشنت الروابط الدفاعية المشتركة. ففي عام 1945 أبرمت السعودية اتفاقية تسمح للولايات المتحدة ببناء قاعدة جوية في الظهران واستخدامها وتشغيلها، واستهلت بذلك عصراً بارزاً من التعاون العسكري الأمريكي ـ السعودي.

بعد الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج عام 1971 وقعت البحرين اتفاقية مع الولايات المتحدة تقوم بموجبها بتوفير تسهيلات للبحرية الأمريكية. وفي العام 1991 وقع البلدان اتفاقية أشمل للتعاون الدفاعي لمدة عشر سنوات، تنص على تقديم تسهيلات للقوات الأمريكية، وبرزت أهمية التحالفات العسكرية والأمنية بين واشنطن ودول الخليج في اعقاب الحرب العراقية الإيرانية وغزو صدام حسين الكويت في 2/8/1990. ومنحها الحق في التموضع المسبق لمعداتها وعتادها، فضلاً عن أجراء تدريبات ومناورات مشتركة بين قوات البلدين, وهذا دليل أخر على ان نظام صدام حسين كان عامل قوي ومبرر للإبقاء على القوات الأجنبية في منطقة الخليج العربي بحجة المحافظة على السلم في المنطقة.


وتعد البحرين مقرأ للأسطول البحري الخامس الأمريكي، الذي تشمل منطقة الخليج وخليج عمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي.

أما سلطنة عمان فقدمت للقوات الأمريكية تسهيلات عسكرية باستخدام المرافئ والمطارات العمانية حسب الاتفاقية التي أبرمتها مع الولايات المتحدة عام 1980، كذلك أتاحت الاتفاقية إقامة منشآت في جزيرة مصيرة والثمريات والسبب لاستخدام سلاح الجو الأمريكي، فضلاً عن منشآت أخرى لقوات البحرية الأمريكية.
وعقدت الكويت بدورها إتفاقاً مع الولايات المتحدة في العام 1987 تقوم بموجبه الثانية بحماية إحدى عشرة ناقلة نفط كويتية تعرضت للتهديد من طرف قوات البحرية الإيرانية التي أشعلها صدام حسين أبان ما سمي بـ ( حرب الناقلات ) خلال الحرب العراقية ndash; الإيرانية في الفترة 1986 ndash; 1988 وحتى السفن العراقية وحاملات النفط العراقي كانت ترفع الأعلام الأمريكية او الغربية للتملص من القصف الجوي والبحري الإيراني. وفي العام 1991 وقع البلدان اتفاقية للتعاون الدفاعي، تقدم الكويت بمقتضاها تسهيلات واسعة للقوات الأمريكية، كما توفر لها قواعد جوية وبرية، ومستودعات تخزين للمعدات والعتاد، فضلاً عن استضافة الالاف من القوات ( الأمريكية ) بغرض حماية الأراضي الكويتية من أي تهديدات عراقية.


وأبرمت قطر من جانبها اتفاقية في العام 1992 وفرت تسهيلات للقوات الجوية والبحرية الأمريكية، وتخزين المعدات والعتاد للجيش والقوات الجوية على أراضيها. وفي نهاية العام 1996 بدأت الولايات المتحدة تشييد معسكر السيلية وفي 2001 منحت قطر الولايات المتحدة الأمريكية حق استغلال ( قاعدة العيديد الجوية ) التي تعد من القواعد العسكرية الكبيرة في الخارج، حيث يذكر تقرير مجلة (جينز ديفينس) لعام 2006 أن تكلفة بناء هذه القاعدة بلغت نحو 1.4 بليون دولار.


ووقعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة عام 1994، تسمح لها باستخدام منشآتها الجوية، وكذلك موانئها لرسو القطع البحرية الأمريكية، وتزويدها بالخدمات اللوجستية, وتبرر الأمارات تلك العلاقات بان امنها مهدد من قبل ايران بشكل مستمر وان ايران قد احتلت جزرها الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى منذ خروج البريطانيين من المنطقة عام 1971 ابان عهد الشاه.
من هنا يبدو أن الروابط العسكرية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الست، كانت تركز على توفير التسهيلات العسكرية المحدودة والمؤقتة، عدا أن الغزو ألصدامي للكويت، واندلاع حرب الخليج الثانية 1990 ndash; 1991 شكل تحولا نوعياً في هذه الروابط، فتخلى الطرفان عن مفهوم الوجود العسكري ( المستتر ) وتم نشر القوات الأمريكية على أراضي دول الخليج على نطاق واسع وإقامة قواعد عسكرية وتجهيزات شبه دائمة, فبدئت دول الخليج تشعر بان الخطر المرعب جاء من العراق لا من إيران, فصدام حسين صاحب شعارات الوحدة العربية والأمن العربي المشترك قد قضم الكويت بحجة عودة الفرع الى الأصل وتقدم نحو منابع النفط السعودية للهيمنة عليها تحت شعار (نفط العرب للعرب).


ثم حدث تحول آخر في الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي نفذه عدد من الشباب السعوديين المتطرفين، إذ غدا ذلك الوجود أكثر عدداً وأوسع انتشارا, وهذه المرة تحت شعار مكافحة الإرهاب العالمي والحد من النفوذ الإيراني الذي اخذ بالتوسع لا في الخليج بل في المنطقة برمتها مرورا بلبنان وغزة ومصر والعراق.


ولما شرعت الولايات المتحدة في الحرب ضد نظام ( طلبان ) في افغانستان عام 2001، ضمن ما يسمى بـ ( عملية الحرية الدائمة ) قدمت كل دول الخليج التسهيلات اللازمة للعمليات الأمريكية وخصوصاً سلطنة عمان وقطر والبحرين.


كما كان مركز العمليات الجوية المشتركة في ( قاعدة الأمير سلطان الجوية ) في السعودية هو الذي يقوم بتنسيق الحرب الجوية في سماء افغانستان.

وفي سياق الإستعدادت الأمريكية لشن الحرب على نظام صدام حسين عام 2003، ضمن عملية (حرية العراق) لعبت الكويت دوراً رئيسياً في خطة الحرب، (إذ تمركز فيها نحو 150 ألف من جنود التحالف بعد رفض الحكومة التركية السماح للقوات الأمريكية بضرب العراق من قاعدة انجرلك الجوية في جنوب تركيا واجتياح الأراضي العراقية من الحدود العراقية التركية في منطقة كردستان)، وانطلقت من الكويت هذه القوات في الهجوم البري على العراق, في عملية اسقاط نظام صدام حسين وتعد الكويت حالياً المحطة الرئيسية لـ ( تناوب ) القوات الأمريكية في العراق، كما أنها ( إلى جانب قطر ) تعد أهم مستودع للمعدات والأسلحة الأمريكية في المنطقة.


ونظراً إلى أن البحرين مقر ( الإسطول البحري الخامس ) فقد كانت مركز العمليات البحرية الرئيسية، بينما كانت قطر مقر للقيادة الوسطى الأمريكية، التي تولت القيادة المباشرة لحرب ضد العراق، في حين كانت طائرات القصف الأمريكية ( بي ) و ( بي 1 ) تنطلق من القواعد الجوية العمانية، أما دولة الإمارات فسمحت لطائرات الاستطلاع الأمريكية ( يو 2 ) وطائرات تزويد الوقود من طراز ( كي سي 10 ) بالعمل انطلاقا من ( قاعدة الظفرة الجوية ).


ومع أن السعودية رفضت باستخدام أراضيها أو أجوائها لضرب العراق، إلا أن مركز العمليات الجوية المشتركة في ( قاعدة الأمير سلطان الجوية ) هو الذي كان يدير الحرب الجوية ضد العراق كما كانت الحال في الحرب على افغانستان.

* عـادل مـراد
* سفير العراق في رومانيا

[email protected]

المقال مجرد معلومات وتصورات وليس بالضرورة موقف وزارة الخارجية العراقية او أي جهة سياسية