لأسباب مختلفة ولكن لا يُعتد بها، يستغرب البعض من وجود رئيس جمهورية ووزير خارجية ووزراء سياسيين آخرين من الأكراد في بلد غالبية سكانه من العرب. وإذا كان هذا الإعتقاد مرده إما لمشاعر شوفينية أدمن عليها ذلك البعض أو لضعف الثقافة الحقوقية عند بعض آخر، فإن مبدأ المواطنة وتكافؤ الفرص في دولة القانون والنظام الديمقراطي، لا تسمح بإعتراضات من هذا النوع، طالما توفرت الكفاءة والنزاهة بالمسؤول المعني. وعندما يقصّر أو يخل هذا المسؤول أو ذاك بالقوانين والأعراف المتبعة في تحمل المسؤوليات، فهو يُحاسَب على أساس الخلل والتقصير وليس على أساس إنتمائه القومي أو الديني أو المذهبي.
أن التأكيد على هذه النقطة يصبح ضرورياً وخلاف ذلك فإننا سنسقط في أحابيل الأكذوبة التي روجتها أحزاب الحكومة الحالية مدعيةً بأنها تمثل (المكونات الثلاثة) للمجتمع العراقي، أي السنة والشيعة والأكراد، بحيث إذا أخطأ الوزير السني يدان السنة، أو الشيعي يدان الشيعة، أو الكردي يدان الأكراد!! وهذه أغرب طريقة تُدار بها الأمور في جميع دول العالم، حيث تتحمل تشكيلات المجتمع عواقب أخطاء المسؤولين فتزداد الفرقة ويتكرس التناحر بينها!! هذه واحدة من نتائج مبدأ المحاصصة طبعاً، في حين أثبتت وقائع السنوات الأربع الماضية بأن هذه الأحزاب لا تمثل سوى مصالحها الحزبية بل مصالح قيادتها الأنانية الضيقة، حيث كرست (مبدأ المحاصصة) أي تقاسم السلطة وامتيازاتها فيما بينها!! مقدمةً المزيد من التنازلات للاحتلال وكذلك للقوى الإقليمية التي اخترقت مؤسسات النظام الجديد لإثارة وتكريس النزعات الطائفة والقومية الشوفينية التي تقف وراء عمليات القتل الجماعي للعراقيين الأبرياء، ناهيك عن الفساد المالي والإداري واعتماد مبدأ الموالاة بدل الكفاءة والنزاهة، ما أدى إلى إستبعاد الكفاءات النزيهة في جميع المجالات والمناطق العربية والكردية وسواها، إذ تم الإعتماد على أنصاف المتعلمين وحملة الشهادات المزورة أو حملة شهادات رسمية لكنهم لا يمتلكون الخبرة والكفاءة الإدارية أو العلمية، وهذا هو سبب التراجع في أداء الوزارات عموماً.
والخارجية هي أحدى الوزارات التي يُمارَس فيها الفساد دون حسيب أو رقيب، وهذا ما جعل هوشيار زيباري يكرر إدعاءاته غير الواقعية دون أن يرف له جفن!! ففي طول العالم وعرضه، يعرف المتابعون للشأن العراقي أن مبدأ المحاصصة سيء الصيت، هو أحد أخطر معوقات التطور السياسي والاقتصادي والدبلوماسي في العراق الذي أصبح يتصدر دول العالم في درجات التخلف والفساد والإفساد، لكن السيد زيباري وزير الخارجية بابتسامته العريضة الدائمة!! ما زال مصرّاً على قول الحقائق مقلوبةً على رأسها، وخاصة أكذوبة الإعتماد على ( المؤهل والكفاءة ) في اختيار وزارته لشغل المناصب الدبلوماسية والإدارية الشاغرة!!
يقول الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام العراقية قبل فترة ( تخرجت الدورة الخامسة والعشرون في معهد الخدمة بعد دورة تدريبية دامت ستة أشهر لعدد من المتدربين، والتي تُعد الأطول من بين الدورات التي أقيمت في هذا المعهد منذ سقوط النظام السابق عام 2003. وقال زيباري الذي حضر حفل التخرج أنه سيسعى لتعيين الخريجين في البعثات الدبلوماسية ال15 التي تم افتتاحها هذا العام. وأكد وزير الخارجية أن الوزارة ستعتمد معيار المؤهل والكفاءة في اختيار طلبة المعهد لشغل المناصب الدبلوماسية الشاغرة)!! لكن الواقع يقول عكس ذلك، ففي ظل شرك المحاصصة الذي نصبته هذه الأحزاب لنفسها، لم يعد بوسع زيباري أو سواه من الوزراء، أن يدعي أنه حر التصرف في اختيار موظفيه، بل أن الوظائف مقسمة مسبقاً حسب الحصص، والمتدربين أنفسهم لا يأتون بالطرق القانونية ووفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، بل بالترشيحات الحزبية وفقاً للحصص الموزعة على الأحزاب، وبالتالي فإن حديث الكفاءة والمؤهل يصبح أكثر أبتذالاً من الكذب نفسه، وإلا كيف يصبح قصاب عراقي (بروفشنل) في المهنة، قنصلاً للعراق في دولة مجاورة وهو الذي كان يتمتع بسمعة طيبة في أوساط الجالية العربية بلندن بصفته أحد القصابين المتخصصين في (الذبح الحلال) حسب الطريقة الإسلامية. وهذا المواطن وغيره العشرات من أنصاف المتعلمين، هم نموذج للمؤهل والكفاءة التي يتحدث عنها زيباري!! علماً بأن سفارتنا في تلك الدولة ظلت شاغرة لأكثر من سنتين بسبب الخلافات في أوساط أحزاب (قائمة الإئتلاف) التي تقع تلك السفارة ضمن حصتها!! إلى أن تمكن حزب الدعوة من فرض هذا القصاب العبقري الذي ظل يبدي أريحية غريبة في مدح الاحتلال الأمريكي خلال أحاديثه للفضائيات وبطريقة يندى لها الجبين حقاً، ويبدو أنه كان يعرف بأن مدته في تلك الدولة على وشك الإنتهاء، لذلك ومكافأة لمدائحه تلك تم ترفيعه ونقله إلى إحدى سفارات زيباري في دولة مجاورة أخرى. إن هذه النماذج من الحزبيين والجهلة والإنتهازيين هي التي تُدير السفارات العراقية الآن، وهي سبب تراجع الدبلوماسية العراقية، وسبب معاناة العراقيين في الخارج مع سفاراتهم.
أن الشكاوى الكثيرة التي نشرها العراقيون من مختلف بلدان العالم، في الصحف ومراقع الأنترنيت خلال الأربع سنوات الماضية، والمستمرة لحد الآن، هي الدليل الواقعي على ما نقول، ناهيك عن بقاء العديد من دبلوماسيي وموظفي النظام السابق الذين ما زالوا يمارسون أساليبهم البعثية مع المراجعين، إلى جانب الممارسات العنصرية الفجة التي دأب عليها بعض الموظفين الحزبيين الأكراد كتأخير أو عرقلة المعاملات بشكل مقصود، أو رفض الحديث باللغة العربية مع المواطنين العراقيين أو التعريض بالعرب بطريقة استفزازية تدل على ضعف الأخلاق وإنعدام اللياقة المفترضة بموظفي الخارجية.
وإذا كان من المعروف أيضاً، أن وزراء (العراق الجديد) لا يتم تعيينهم إلا بعد موافقة السفير الأمريكي في بغداد، فإن زيباري هو الوزير الوحيد الثابت في وزارته خلال الحكومات الأربع التي تعاقبت بعد نيسان 2003 وهذا ربما هو السر الآخر لابتسامته الدائمة، وإلا لا يوجد شيء في العراق الجديد أو بالأحرى الخراب الجديد، يدعو للإبتسام خاصة إذا كان المسؤول يحترم مشاعر مواطنيه الذين تتواصل معاناتهم بين تصاعد الإرهاب واستمرار انقطاع الكهرباء، إلى جانب ممارسة التمييز الحزبي والمحسوبية في اختيار موظفي الدولة!!
لكن مسألة ثبات زيباري في وزارته تحتاج إلى شيء من التوقف، أو التساؤل عن سر أهتمام الأمريكان به؟! لقد لاحظ مراقبون عديدون منذ البداية، أن العديد من سفراء ودبلوماسيي نظام صدام بقوا في مواقعهم بعد سقوط النظام، لأنهم سلموا للأجهزة الأمريكية جميع المعلومات المطلوبة قبيل بدء الحرب، وهذا يعني أن الأمريكان بحاجة إلى وزير يستطيع أن يدير هذه القضية بأقل ما يمكن من الفضائح، وهكذا وقع الأختيار على هوشيار زيباري حسب المؤهل والكفاءة!!
أن المفارقات والتناقضات في السفارات العراقية لها أول وليس لها آخر، وهي أصبحت موضوع تندر لموظفي السفارات أنفسهم، فزيباري هو أحد الوزراء الذين يتصرفون وكأنهم لا يشعرون بالمسؤولية إزاء القوانين والأعراف!! فهو لا يعي بأن مبدأ المحاصصة ذاته يتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص المثبت في الدستور الجديد، وهو لا يدرك بأن كل وزير عرضة للمحاسبة عن كل ما يجري في وزارته، وإن هذه المسؤولية لا تسقط بالتقادم إذا كانت الظروف الآن لا تسمح بمحاسبتهم. لذلك ولكي لا تذهب معاناتنا في هذه الحقبة المظلمة هدراً، يتوجب على كل عراقي في جميع المحافظات وفي الخارج أيضاً، أن يحتفظ بأية وثائق وأدلة ملموسة على تجاوزات هذا الوزير أو ذاك المسؤول، بما في ذلك المحسوبيات الحزبية أو هدر المال العام، فمن حق أي مواطن أن يقاضي الآن أو في أي وقت لاحق، أي وزير أو مسؤول في أية قضية من هذا النوع، خصوصاً الموظفين وعمداء الجامعة المستقلين الذين تمت إقالتهم بسبب نقدهم للأوضاع السائدة، أو أصحاب الكفاءات والشهادات العليا المتضررين مباشرة من المحاصصة الحزبية الذين يتقدمون للعمل وَتُرفض طلباتهم دون وجه حق.
الآن، أو حين تستتب الأمور، بوسع أي مواطن أن يمارس هذا الحق الذي تكفله القوانين، بشرط أن يمتلك الوثائق والمستمسكات. من حق أي مواطن يعمل في محافظة أو وزارة، وهو يحمل شهادة عليا أو أقدمية ويعرف أن الوزير أو المحافظ أو المدير العام لا يحمل الكفاءة والمؤهل، أن يرفع عليه دعوة لأنه أجدر منه بتحمل المسؤولية، وإلا فإن العراقيين إذا تخلوا عن هذا الحق سيبقون مظلومين إلى الأبد بطوع إرادتهم!!
وفي وزارة الخارجية هناك من لا يملك شهادة ولا مؤهل رسمي يبرر وجوده في مناصب معينة، أي لا يستحق 200$ كمرتب لكنه يقبض آلاف الدولارات شهرياً!! وعليه فإن الملايين التي تنفقها الدولة على وزارة الخارجية لا يقابلها سوى هبوط في إنتاجية الوزارة على الصعيد الدبلوماسي ونوعية الخدمات التي تقدمها للمواطنين. وبالتالي يتحتم على البرلمان الحالي، أو اللاحق إذا لم تسمح ظروف المحاصصة الآن، أن يشكل لجنة متخصصة لدراسة ملفات كل سفارة على حدة خلال الفترة التي استلم فيها زيباري الوزارة، وإلا فإن البرلمان نفسه يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية أيضاً، فهناك مصادر مطلعة تؤكد بأن فضائح الشهادات المزورة تطال موظفين كباراً في الخارجية، ناهيك عن غياب الكفاءة الدبلوماسية التي تطال العديد من السفراء والقناصل بل والوزير نفسه. ففي ظل هوشيار زيباري لم تحقق الخارجية العراقية أي تقدم على الصعيد الدولي أو الأقليمي، فقضية تنازل العديد من الدول عن ديونها على العراق، والتي يعتقد زيباري أنها من إنجازاته، إنما هي ديون شبه ميتة أساساً، وهي في الغالب تنتمي لما يُعرف ب(الديون القذرة) أي التي تخص تمويل حروب النظام السابق، والأمر من جهة أخرى يتعلق بحسابات تلك الدول بتقاسم الكعكة العراقية رغم طول انتظارها، فهي تعطي بيد لتأخذ باليد الأخرى، علماً بأن الأمم المتحدة قد وضعت ثقلها أيضاً في هذه القضية، طالبةً من الدول الدائنة أن تتنازل عن ديونها وذلك ضمن الخطة الدولية لتحسين ظروف العراق. أما مهمة الوساطة بين الإيرانيين والأمريكان فهي أغرب الغرائب على الاطلاق، لأنها تعني بأن العراق ليس طرفاً مباشراً في القضايا التي تدور على أرضه وتخص مستقبله، فقد أصبح الجميع يعرف بأن الإيرانيين والأمريكان حولوا العراق ساحة لتصفية خلافاتهم على حساب مصالح شعبه وسيادة دولته!! وبالتالي فإن المفترض بخارجيتنا أن يكون لها دور آخر مختلف تماماً، حتى يكون صوت العراق مسموعاً ومحترماً في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى.
أن دعوة زيباري الأخيرة الأمريكان والإيرانيين كي يجتمعوا مرة أخرى ليقرروا مصير الأوضاع في العراق!! هي فضيحة دبلوماسية لوزارته وفضيحة سياسية لحكومته.
أن أحد أخطر الأسباب التي تؤدي إلى إطالة عمر المأساة العراقية، هو عدم شعور سياسييه بالمسؤولية الحقيقية، بينما أصبحت الكفاءات والخبراء والشخصيات المؤثرة، تخضع للأمر الواقع الذي تريد الأطراف المتصارعة فرضه على العراقيين!! لقد آن الأوان لتلك الكفاءات والشخصيات وقوى المجتمع المدني، أن تتحرك لرد الحيف عن العراقيين وفضح المتلاعبين بمصيرهم، وأيضاً لكي لا تشعر حكومة الأكاذيب الثلاث بأنها دون حسيب أو رقيب!!
كريم عبد
التعليقات