حل الشتاء وإبتدأ مشوارنا مع المعاناة اليومية.. لا وقود ولا كهرباء.. فمع حلول فصل الشتاء بلياليه الطويلة التي يحلو فيها السهر يسامرنا الظلام والسواد من بداية الليل حتى بزوغ الشمس طيلة هذا الفصل من كل عام..


في منتصف الثمانينات كنا أنا وصديقي الإستاذ عادل مراد العضو المؤسس للإتحاد الوطني الكردستاني والسفير العراقي الحالي في رومانيا نكتب مقالاتنا اليومية لإذاعة الثورة على ضوء الفوانيس الصدئة داخل غرف صغيرة مبنية من الطين ومسقفة بجذوع الأشجار في قرى جبلية نائية على الحدود، وكانت أحوالنا على رغم قساوة العيش هناك في الشتاء القارص الذي كانت الأرض والجبال تكسوها الثلوج، أفضل مما نعيشه اليوم في مدن الإقليم العامر الذي يستلم حصة معتبرة من ميزانية الدولة العراقية،لأننا في ذلك الوقت كنا نتطلع بأمل الى يوم التحرير وزوال الدكتاتورية الصدامية رغم أنها كانت في أوج قوتها وعنفوانها في تلك السنوات، واليوم ليس لنا أمل بتحسن أوضاعنا في الإقليم الذي تحرر وصداما قد قبر..


أطلب المعذرة من القاريء الكريم لأنني أحمله ما لا شأن له به بقراءة هذا المقال، والذي يعبر عن جزء من همومي، ولكن ليتصور القاريء العربي سواء كان في مشارق الأرض أو مغاربها، كيف يمكن لإنسان أن يعيش في هذا العصر من دون كهرباء والحياة كلها ( تكهربت)؟!. حتى إنتزاع الشعيرات خلف الأذان أصبحت له آلة كهربائية بدل المقلاعة اليدوية..


فمعاناة شعبي مع الكهرباء والتي هي جزء من المعاناة الأساسية، وهي الفساد الضارب بالإقليم لا تنتهي وليس في الأفق ما يشير الى إنتهاءها في ظرف العشرين سنة القادمة، وليتصور القاريء الكريم مرة أخرى، شعبا تعداده 25 مليون نسمة يتحرر من أبشع دكتاتوريات الأرض، ويعجز الحكم الجديد أن يوفر له الكهرباء ولو لنصف يوم؟!.


لقد أنهيت كتابة هذا المقال بعد ست مرات إنقطاع التيار الكهربائي عن منزلي وكأني من كتاب كهوف تورا بورا الأفغانية، رغم أن حكومتي الرشيدة قد تعهدت قبل أيام أن تزودني بأربع ساعات كهرباء يوميا.
فآخر مكتسبات حكومتنا الإقليمية الرشيدة لمواطنيها في إقليم كردستان، أن زفت بشرى تقليل ساعات التجهيز بالطاقة الكهربائية لمنازل المواطنين الى الحد الأدنى وهي أربع ساعات يوميا.. أي عشرين ساعة ظلام في اليوم مقابل 4 ساعات من النور؟!. ويا ليت الأمر توقف عند هذا الحد، فحتى الساعات الأربع من التجهيز تتخللها إنقاطات بمعدل 5-6 مرات وتدوم في معظم الحالات لنصف ساعة أو أكثر، بمعنى أن التجهيز الأقصى للتيار الكهربائي في مدن إقليم كردستان ومنها العاصمة الحبيبة لا يتجاوز في مطلق الأحوال عن ثلاثة أرباع الساعة؟؟!!.. وبهذا فإن حكومتنا الرشيدة تستحق أن تلقب بكل جدارة وإمتياز بـ( حكومة الثلاث أرباع الساعة)؟!.


ليس الهدف من كتابة هذا المقال هو فضح الحكومة الإقليمية بحد ذاتها، بل لبيان بعض الأساليب التي تنتهجها الحكومات في خلق الأزمات لشعوبها على قاعدة ( جوع كلبك يتبعك )؟!. فهناك الكثيرون ممن يتحدثون عن أزماتنا الداخلية مع الخدمات الحكومية على أساس هذه القاعدة المعروفة، فهم يتساءلون، هل من المعقول أن تدوم مشكلة الكهرباء في إقليم كردستان لأكثر من 16 سنة من دون حل جذري، خصوصا وأن مليارات الدولارات تنهال عليه كل سنة خاصة منذ سقوط النظام الدكتاتوري السابق؟؟!!..، وهذا طبعا سؤال مشروع.


أنا لا أخرج شيئا من جيبي ولكني سأتحدث بوثائق حول أساليب الخداع والتخدير التي تمارسها الحكومة معنا والوعود الفارغة التي تطلقها تجاه معالجة مشاكلنا الحياتية.


في الشهر الخامس من هذا العام أجريت مقابلة صحفية مع وزير الكهرباء في الإقليم لجريدة كردية، فأكد لي أن محطة كهربائية عائدة للقطاع الخاص ( لاحظ القطاع الخاص وليس القطاع الحكومي) سيتم تشغيلها في 15 تموز تنتج 250 ميغاواط من الطاقة الكهربائية، تليها محطة أخرى تنتهي في 15/9 تغذي بدورها 250 ميغاواط، بمعنى أن مشكلة الكهرباء ستعالج بنسبة 70% بحلول الربع الأخير من هذا العام؟. وأكد لي السيد الوزير أيضا، أنه بحدود نهاية العام الجاري سيتم تزويد الكهرباء لبيوت المواطنين بمعدل 15 ساعة يوميا؟!.


ولكن الذي حدث هو أن المحطة التي كان من المؤمل أن يتم تشغيلها في منتصف تموز، رحلت الى منتصف أيلول، فلم نر من هذه المحطة أي ضوء كهرباء؟!. والمحطة الأخرى التي كان من المؤمل أن تغذي الشبكة بحلول منتصف أيلول أصبح لا خبر منها ولاجفية ولا حامض حلو ولا شربت؟!.
ونحن نقترب من نهاية العام ظلت المشكلة كما هي بل وأتعس من ذي قبل، فما زلنا نعتمد على رحمة الله الواسعة في إمطار الغيث حتى نتمكن من تشغيل محطتي دوكان ودربنديخان الكهرومائيتين بمعدل ساعتين فقط..


ولو بحثنا في الصحف المحلية التي تصدر باللغة الكردية في الإقليم، لوجدنا ما مجموعه أطنانا من التصريحات الصحفية حول إنشاء المحطات الكهربائية والوعود بتحسين الشبكة وتوقيع العقود مع دول الجوار لإستيراد الكهرباء.. تصوروا بلدا يعوم على بحر من النفط والغاز والثروات الطبيعية تستورد ساعات من الكهرباء من الدول المجاورة؟؟!!.


لا أدري بماذا تقاس مصداقية الحكومات إن لم تكن بمستوى الخدمات التي تقدمها للمواطنين!!..فنحن في الإقليم البلد الوحيد في العالم الذي يعمل وفق برنامج شهري للكهرباء، فكلما إقتربنا من البرودة القاسية قلت ساعات التجهيز شهرا بعد شهر؟!!..


عندما أتحدث بمرارة عن هذه الأوضاع المزرية مع الكهرباء وهي مشكلة مزمنة لسكان الإقليم، لا بد وأن أشير الى أن هذه المشكلة تخص المواطن العادي وحده، فعلية القوم لا يعانون أصلا من أي مشكلة مع الكهرباء لأنهم مجهزون بتيار مستمر على مدار 24 ساعة. فبيوت القادة والمسؤولين الحزبيين والحكوميين وهم بالآلاف مجهزة بالتيار المستمر؟!.. والمقرات الحزبية للحزبين الحاكمين مجهزة بالتيار المستمر وهي بالآلاف؟!!. ودوائر الحكومة مجهزة بالتيار المستمر وهي بالمئات؟!.. والسوبرماركيتات والفنادق من الدرجات العليا وهي مملوكة لعلية القوم، مجهزة بالكهرباء المستمر وعلى عينك يا تاجر؟!.. فلم يبق سوى بيت حمدان المنكوب الذي عليه أن يشرب من ماء البحر؟!..
ويا ليت كان لنا منفذ على البحر، عندها كنا سنشكل دولتنا الكردية المستقلة؟؟؟؟!!!!!....
قال دولة مستقلة قال؟؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]