في تعقيبه الثاني على كامل النجار والذي يحمل عنوان quot;القرآن الكريم ليس حمال أوجهquot; يزعم الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور أن كامل النجار تلميذٌ للمدرسة السلفية التي يناصبها العداء، ويقول ((ونبدأ بالرد على اسطورة ان القرآن الكريم (حمّال أوجه). وقد أعرضت عن الرد عن كل (معلقات) د. كامل النجار، مع أنه عنون بعض مقالاته باسمى يرد على ما أقول. ولكنه تعقب بنفس الطريقة الدكتور عمرو اسماعيل فكتب يرد عليه بنفس الطريقة السلفية فى المنهج والمقصد، فاضطررت ان أرد عليه.)) انتهى
احمد صبحي منصور وافة الغرور1 |
ويبدو أن الدافع لكتابات الشيخ الدكتور ليس محاولة إقناع غير المسلمين بالإسلام، وإنما هو محاولة إقناع المسلمين أنفسهم بأن الإسلام دين السلام ودينٌ يعترف بحقوق الإنسان، فهو يقول (الدافع الأكبر ل د. النجار هو كراهيته الشديدة لاستشهادنا بالقرآن الكريم فى معرض الدفاع عن حرية الرأى والفكر وحقوق الانسان من داخل الاسلام، وهو جهادنا السلمى الذى نتوجه به ـ ليس لأمثاله الرافضين للاسلام الكارهين له ـ ولكن للمسلمين المؤمنين بالاسلام و القرآن و الذين نتمنى أن يكون إنتماؤهم للقرآن أكبر من غيره.) انتهى
و يحق لنا أن نسأل أنفسنا هنا: إذا كان الإنسان مسلماً بالميلاد، وهو حال جميع المسلمين الذين ولدوا في الإسلام ورضعوه مع حليب أمهاتهم، ومع ذلك يحتاج مثل هؤلاء الناس إلى مقالات مطولة من الشيخ أحمد صبحي منصور وإلى جهاد سلمي منه لكي يقتنعوا أن الإسلام يعترف بحقوق الإنسان، هل هناك من أمل للشيخ في محاولة إقناع غير المسلمين، مثل كامل النجار؟ طبعاً ليس هناك ذرة أمل للشيخ. فإذا كان الشيخ، بعد أربعة عشر قرناً من ظهور الإسلام، يحاول الآن أن يُقنع المسلمين أن دينهم يحترم حقوق الإنسان، فقد أضاع وقته وجهده، وكان حرياً به أن يوجه كتاباته إلى الرافضين للإسلام، مثل كامل النجار، ليحاول إدخالهم مع غيرهم.
ثم انبرى الشيخ الدكتور للدفاع عن الخليفة علي بن أبي طالب الذي قال إن القرآن حمّال أوجه، ونفي أن تكون هذه المقولة قد خرجت من عند ابن أبي طالب الذي لازم النبي ولذا لا يمكن أن يصدر عنه ما يسيء للقرآن. ولكن صدور مثل هذه المقولة من علي بن أبي طالب لا يعني أنه أراد أن يسيء للإسلام بقدر ما أنه أقر بحقيقة معروفة للجميع. فليأتِ الشيخ الدكتور بأي آية قرآنية غير قصصية وسوف آتيه بآية تعارضها في المعنى أو تغيّر في المعنى شيئاً. ولذا فإن مقولة quot;القرآن جمال أوجهquot; مقوله صادقة وقد قالها الخليفة علي بن أبي طالب، كما تقول جميع المصادر الإسلامية مثل نهج البلاغة وتاريخ الطبري وغيرهما. وإنكار هذه المقولة يعني أن الشيخ يتنكر للتراث الإسلامي. ومقولة إن القرآن حمال أوجه لا تختلف عما قاله حديثاً الدكتور المصري حسن حنفي من أن القرآن quot;سوبرماركتquot; تجد فيه أي شيء تريده.
والشيخ الدكتور يعرف أنه يجادل شخصاً لا يعترف بأن القرآن من عند الله، ومع ذلك يغيب عنه المنطق ويضطر للاستشهاد على صواب رأيه بالقرآن. وقد ذكر أحد القراء في تعليقه على مقال الشيخ أن من حق كامل النجار أن يرد على الشيخ بآيات من القرآن لأن الشيخ يؤمن به، ولكن ليس من حق الشيخ أن يرد على كامل النجار بالقرآن لأن الأخير لا يؤمن به. ولكن الشيخ يفعل ذلك على كل حال، فهو مثلاً يقول (لقد جاءت نصوص القرآن الكريم quot;محكمة quot; أى دقيقة الدلالة (هود 1).وهو كتاب لا مجال فيه للعوج بل جاء مستقيما مباشرا (الزمر 28).(الكهف 1)(الأنعام 126، 153).وهو كتاب لا مجال فيه للاختلاف (النساء 82). انتهى
أي منطق هذا؟ لأن القرآن قال إنه يخلو من العوج وأن آياته دقيقة الدلالة، فلا بد لكامل النجار وغيره من الموافقة على هذا القول؟ فالقرآن، كما يعرف عدد كبير من الناس، يتحدث عن العموميات، مثل الآية 33 في سورة المائدة (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض). أي دقة في هذه الآية؟ ماهو تعريف يحاربون الله؟ هل الله جندي في المارينز؟ كيف يحارب المخلوق الضعيف رباً خلق العالم الواسع العريض، وإذا أراد شيئاً أن يقول له كن، فيكون؟ أليس بإمكان هذا الإله القادر أن يزيل مثل هذا الشخص من الوجود؟ فكيف يكون هذا الشخص الضعيف عدواً لله ويحاربه؟ وما معنى يسعون في الأرض فسادا؟ ما هو تحديد الفساد؟ عندما قال المعتزلة إن القرآن مخلوق، اعتبر السلفيون هذا القول فساداً. والذي يثور ضد الحكام الفاسدين، يعتبره وعاظ السلاطين من الذين يسعون في الأرض فساداً. فهل يستطيع الشيخ تعريف الفساد الذي ورد في الآية أعلاه؟ وأين الدقة في العقاب؟ فالفرق بين أن يقتل الشخص أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف وبين أن يُنفى من بلد إلى آخر كالفرق بين الثريا والثرى. وحتى في الآيات القليلة التي كان من الممكن له أن يختار الكلمات التي تفيد الدقة، نجد القرآن يأتي بكلمات تشجع على فضفضة المعنى، مثل الآية التي تقول (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنّى شئتم)، فبدل quot;أنّىquot; التي تعني ظرف الزمان كما تعني ظرف المكان، كان يمكنه أن يقول (متى شئتم) ويتفادى كل اللغط الذي حدث فيما بعد في شرح هذه الآية.
ويسأل الشيخ الدكتور: (ولكن إذا كان القرآن لا تتناقض آياته ولا تتصادم حقائقه وليس كما يقولون quot;حمَّال أوجهquot; فلماذا يتبارزون فى اختلافاتهم بالآيات؟ ولماذا ينتقى كل فريق ما يؤيد وجهة نظره فى مواجهة الفريق الآخر؟). ثم يجيب: (والإجابة تكمن فى المنهج الذى يعتمدونه، وهو فهم القرآن حسب مصطلحات المذهب الذى ينتمى اليه الباحث ووفق تراث مذهبه ورواياته وفتاويه. والمذاهب الأخرى لها مصطلحاتها التراثية ورواياتها وفتاويها، وبالتالى يختار من الآيات ما يراه يتمشى مع مذهبهم، ويغطون عورة هذا الاختلاف بمقولة أن القرآن حمَّال أوجه.) انتهى
والشيخ هنا يحاول أن يوهم القاريء بأن الاختلاف في تفسير آيات القرآن وفي تضارب معانيه يرجع إلى أن التفاسير كلها مذهبية، وهو قول يجافي الحقيقة. فالمذاهب لم تظهر إلا في منتصف القرن الثاني الهجري، أي حوالي مائة وخمسين سنة بعد وفاة النبي، بينما التفسيرات المختلفة التي جعلت الخليفة علي بن أبي طالب يقول quot;القرآن حمال أوجهquot; ظهرت عند الصحابة الذين عاصروا النبي، مثل ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم. فالإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هجرية، ومالك بن أنس توفي عام 179 هجرية، والشافعي توفي عام 204 هجرية. فليس من المعقول أن يعزي الشيخ الدكتور اختلاف التفاسير إلى اختلاف المذاهب، وإنما السبب الحقيقي هو أن القرآن حمال أوجه لأن آياته تقبل أكثر من تفسير.
وبعد أن أسهب الشيخ الدكتور في شرح المنهج العلمي لفهم القرآن، قال ( هذا هو المنهج القرآنى، وهو أيضا المنهج العلمى العادل و الموضوعى . وعليه، فإن لم يتبع الباحث هذا المنهج الموضوعى فالأغلب أن يقع فريسة المنهج التراثى السائد فى فهم القرآن، وبالتالى فسينتقى من الآيات ما يتفق ظاهرها مع المعنى الذى يريد إثباته، ويتجاهل الآيات الأخرى التى تناقض رأيه) انتهى.
أليس هذا ما يفعله الشيخ عندما يستشهد على كل شيء بآية أو آيتين من القرآن ويتجاهل ما يخالف ذلك؟ عندما يقول لنا (لا إكراه في الدين) ويتجاهل (وإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)؟ و (قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، أليس هذا انتقاء بعض الآيات التي تسند رأيه؟ هل يستشهد الشيخ بسورة كاملة من القرآن في كل مرة؟
ثم يستمر الشيخ الدكتور في اسلوب خطابي إنشائي ليقول لنا (أما إذا اتبع المنهج العلمى القرآنى وقام بفهم مصطلحات القرآن من خلال القرآن نفسه، واتجه لكتاب الله تعالى طالباً الحق والهداية دون رأى مسبق وبتصميم على أن يعرف الحقيقة مهما خالفت الشائع بين الناس، فإن من اليسير عليه أن يعرف رأى القرآن، وسيفاجأ بأن مفاهيم القرآن ومصطلحاته تخالف بل وتتناقض أحياناً مع مفاهيم التراث ومصطلحاته، وأنه من الظلم للقرآن والمنهج العلمى أيضاً أن تقرأ القرآن وتفهمه بمفاهيم ومصطلحات تخالف وتناقض مفاهيم القرآن ومصطلحاته.) انتهى
ونسأل الشيخ: ما هي مصطلحات القرآن، وكيف نتعرف عليها؟ في أي بحث علمي حديث أول شيء تقع عليه عين القاريء هو تعريف معاني الكلمات المهمة التي يستعملها الباحث في مقاله، ولكن عندما نقرأ القرآن نجد كلمات فضفاضة لا تحديد لمعناها وكلمات غير عربية لا يعرف معناها حتى الذين عاصروا النبي وسمعوا منه شرح القرآن. والقرآن نفسه يقول لنا (لا يعلم تأويله إلا الله). فمن أين لنا معرفة مصطلحاته؟ هل نعتمد على ما يزعمه الشيخ أحمد صبحي منصور من مصطلحات تختلف عن كل تفسير أتى به المفسرون قبله؟
يحاول الشيخ أن يعطينا أمثلة للمصطلحات القرآنية فيقول (الدين فى مفهوم القرآن يعنى الطريق، والسبيل، والصراط، والطريق قد يكون مستقيماً وقد يكون معوجاً. وقد يكون الدين أو الطريق معنوياً، أى العلاقة بالله تعالى. وقد يكون الدين أو الطريق حسياً مادياً كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال ?وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ? (التوبة 122) فالآية تتحدث عن النفرة للقتال، وضرورة إرسال فرقة استطلاع تتعرف على الدين أو الطريق ثم تنذر الناس وتحذرهم. ومن الخبل أن نفهمها على أن يترك المؤمنون رسول الله عليه السلام فى المدينة ثم يذهبوا للتعليم خارج المدينة، وهى موطن العلم بالإسلام، وغيرها مواطن الشرك فى ذلك الوقت.) انتهى
والمعروف أن القرآن نزل بلسان النبي، أي لسان قريش، وبالتالي الكلمات التي يستعملها القرآن تحمل نفس المعنى الذي تفهمه قريش من الكلمات المستعملة. والمعجم العربي يقول إن كلمة quot;دينquot; تعني اسم لجميع ما يعبد به الله، الملة والمذهب. وهناك أربعون آية أو أكثر بالقرآن بها كلمة quot;الدينquot; وجميعها تعني العبادة، ولا تعني الطريق. فمثلاً (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم احيط بهم ودعوا الله مخلصين له الدين). فواضح أنه قصد أنهم مخلصون له في العبادة، وليس في الطريق، حتى وإن كانت الطريق معنوية، إذ ليس في البحر طريق. وكان معروفاً عن غزوات النبي أنه كان يصطحب معه عدة فرق، لكل فرقة رايتها الخاصة بها، وليس من المعقول أن تبعث كل فرقة طائفةً منهم ليتعرفوا على الطريق، وهم كلهم متبعون النبي في غزواته التي كان يقودها بنفسه ويرسل عيونه لكشف الطريق. فكلمة quot;الدينquot; في هذه الآية لا تعني الطريق كما يقول الشيخ. والمشكلة في القرآن أنه كُتب بغير نقاط وبغير علامات الوقوف. فالآية التي ذكرها الشيخ يسهل فهمها لو استعملنا الفاصلة لنقف في عدة أماكن في الآية، فتصير الآية كالآتي quot; وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً، فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ، لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَquot; ويكون المعنى هنا (لا ينفر المؤمنون كافة، فلينفر من كل فرقة طائفة، والسبب في أنهم لا ينفرون كافة هو أن يبقى منهم جزء بالمدينة ليتفقهوا في الدين، وينذروا أصحابهم الذين نفروا عندما يرجعون إليهمquot;. وبهذا الشرح لا نحتاج أن نؤول كلمة quot;الدينquot; ونقول إنها تعني الطريق. ولفت نظري قول الشيخ الدكتور (كقوله تعالى عن أهل المدينة فى عصر النبى يعلمهم فن القتال). فالشيخ عندما يحاول الاتيان بمصطلحات جديدة لآي القرآن يكون كالذي أراد أن يكحلها فعماها.
ومن هذه المصطلحات الجديدة التي يريد الشيخ الدكتور فرضها علينا، هو قوله (5- والنسخ فى القرآن يعنى الإثبات والكتابة والتدوين، ويعنى فى التراث العكس تماماً، أى الإلغاء، ولنا بحث منشور فى هذا) انتهى. فإذا كان النسخ يعني التثبيت، نرجو أن يشرح لنا الشيخ الدكتور معنى هذه الآية (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يُحكم الله آياته والله عليم حكيم) (الحج 52). فهل يعني هذا أن الله يُثبت أي يكتب، ما يلقي الشيطان على الأنبياء مثل الآيات الشيطانية التي نطق بها محمد؟ وكذلك الآية التي تقول quot;وما ننسخ من آية أو نُنسها نأتِ بخيرٍ منها أو مثلهاquot;، فهل يعني هذا أن الله يكتب ويثبت الآية ثم يأتي بأحسن منها أو مثلها، أي بمعنى آخر، كلما ثبت آية أتى بمثلها حتى يصير القرآن كله تكراراً؟
وبعد أن شرح لنا الشيخ مصطلحاته الجديدة عن الحكم في القرآن وquot;أولو الأمرquot; والمكروه والمستحب، قال لنا ((إن الله جل وعلا قد أنبأ مسبقا ان الذين فى قلوبهم زيغ سيتبعون المتشابه من الايات ليتلاعبوا بها وفق اهوائهم (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)) انتهى.
فإذا كان هذا الإله قد عرف مسبقاً أن الذين في قلوبهم زيغ سوف يستغلون آيات القرآن المتشابهة للتقليل من قيمته وإنكاره، هل عجز هذا الإله القادر عن تغيير هذه الآيات المتشابهات والتي تتكرر بدون إضافة أي معنى جديد؟ هل كان ضروريا أن يكرر على مسامعنا قصة موسى في سبع سور مختلفة وفي كل مرة يأتي لنا بصيغة مختلفة مما قاله الله لموسى وما قاله موسى لله، أو ما فعلته عصا موسى التي تغيرت إلى ثعبان في بعض الآيات بينما صارت مارداً من جان في آيات أخرى؟ وهل كان من الضرورة أن يذكر موسى بالاسم حوالي مائة وثلاثين مرةً ويذكر محمد أربع مرات فقط؟
ويتحفنا الشيخ بنوع جديد من البحث العلمي، فيقول (وعليه فان رب العزة جل وعلا فى الاية الكريمة يخبرنا بنوعين من المنهج فى فهم القرآن: الفهم الموضوعى الذى يتبعه الراسخون فى العلم والذى يقوم على الايمان بالكتاب كله والنظر العقلى الى جميع آياته ما كان منها محكم الدلالة وماكان منها متشابها مكررا مفصلا.ثم الفهم الزائغ الذى ينتقى و يختار ما يؤكد وجهة نظره.) انتهى
فالبحث العلمي الذي يتبعه الراسخون في العلم، مثل الدكتور أحمد صبحي منصور، هو أن يؤمن بالكتاب كله، محكمه ومتشابهه، ثم يحاول التدبر في آياته التي آمن بها مسبقاً، ويُستحب أن يدخل في دبر الآية، كما يقول الشيخ في شرح كلمة quot;يتدبرونquot;. فالشخص الراسخ في العلم المؤمن بالكتاب كله، لا بد أنه يؤمن بكل ما جاء في القرآن أولاً ثم يبدأ بحثه بعد أن اقتنع أن القرآن معجزة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبعد أن اقتنع بأحكام مسبقة يريد أن يثبتها لنا، مثل الإعجاز العلمي في القرآن. مثل هذا الشخص لا يبحث في القرآن وما هو بباحث، إنما هو منقّب مقتنع أن كتابه يحتوي على درر ثمينة وهو يبحث عنها حتى يظهرها لنا، لأنه لا يمكن أن يخطر بباله أن تكون هناك آية أخطاء بالقرآن. ولكن الشيخ كان قد قال لنا في نفس المقال (عموما فأن المنهج العلمى يفرض على الباحث:1 ـألا يبدأ بحثه بأحكام مسبقة يريد إثباتها ) انتهى. فهل هناك تناقض أكثر من هذا؟
وبعد كل هذا الشرح الطويل تذكر الشيخ الدكتور أنه يحاول أن يرد على كامل النجار، فتنبه لذلك وقال (وأخيرا: ونعود الى الدكتور كامل النجار . فالذى قلته آنفا تكرر من قبل ضمن مقالات و بحوث منشورة. وهو كالعادة لا يقرأ، وهذا حر فى ان يقرأ أو لا يقرأ، وفى أن يقتنع أو يرفض، ولكن من حقنا أن ننبه على وقوعه فى هذا الخطأ، فمن يتصدى للبحث فى الأصوليات والتراث والاسلام لا بد أن يكون مؤهلا لهذا الميدان بفهم مناهجه ومصادره، كى يكون على مستوى ما يكتبه المتخصصون كى يرد عليهم بنفس مستواهم، وإلا استحق ما يقال عنه.) انتهى
فالشيخ الدكتور القرآني الذي لا يتّبع ما يقوله القرآن، يقول إن كامل النجار، كعادته، لا يقرأ. فهو هنا إما أنه تحدى القرآن وعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، كما يقول القرآن، أو أنه اتبع الظن، والقرآن ينهى عن ذلك ويقول إن اتباع الظن لا يغني عن الحق شيئاً. وأحب هنا أن أؤكد للشيخ أن كامل النجار، رغم وظيفته التي تأخذ من وقته ثمان ساعات يومياً غير المناوبة بعد الدوام، يقرأ كل يوم، وربما أكثر مما يقرأه الشيخ المتفرغ للبحث في القرآن. وللأسف فإن بعض هذه القراءة لا تفيد كثيراً. ورغم أن الشيخ الدكتور يعتقد أنه من المتخصصين والراسخين في العلم، فكامل النجار يؤمن بأن كل من يقرأ القرآن ويكون ملماً بقواعد اللغة العربية يكون فهمه للقرآن بمستوى من يدعي التخصص لأن القرآن مكتوب باللغة العربية وهو كتاب ديني يعنى بمخاطبة عامة الناس. وإذا لم يفهمه الشخص الذي يجيد فهم اللغة العربية، يكون مؤلف القرآن قد فشل في مهمته.
وحتى يؤكد لنا الشيخ الدكتور على أصوله الأزهرية التي ترمي بالجهل كل شخص غيره، نجده يقول (المضحك أن تجد أحدهم يتصدى للرد على ما أقول متقمصا زى العلماء الراسخين وهو لا يستطيع أن يقرأ صفحة كاملة من كتب التراث، بل إنه عندما كان صبيا يلهو فى الحارة كنت ألقى دروسا على طلبة السنة النهائية فى كلية اللغة العربية فى جامعة الأزهر سنة 1979 وأكتب أولى مؤلفانى التى ارتاع منها شيوخ الأزهر ولا يزالون. لا شك أن الجهل مريح لأصحابه.ولكن لا بأس بذلك طالما عاش الجاهل راضيا بجهله مرتاحا له لا quot; يبشرquot; به ولا ينشره بين الناس. أما اذا قام يناقش العلماء والمفكرين بهذا الجهل فقد استحق السخرية مع وصمة عار تلاحقه فى حياته وبعد موته طالما ظل فى الناس من يقرأ ويتعقل ما يقرأ، ويحكم على الكاتب بما خطته يداه،وهذه هى مسئولية من يكتب.) انتهى. ولا يسعنا هنا إلا أن نقول للشيخ، كما يقول القرآن (ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا. كل ذلك كان سيئةً عند ربك مكروها). فإذا كان quot;علماءquot; الأزهر يرتعدون من كتابات quot;عالمquot; منهم تخرّج من نفس مدارسهم، فعلى العلم العفاء.
مرة أخرى يذكرنا الشيخ باختصاصه في القرآن والتراث، ويطلب منها طاعته، فيقول ((أصحاب الاختصاص وأرباب الخبرة فى الاسلام ونظامه الديمقراطى هم أولو الأمر فى مجال تخصصهم، ومطلوب طاعتهم فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله. وهذا هو المعنى القرآنى المراد من قوله تعالى للذين آمنوا (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم ..) فأولو الأمر ليسوا الحكام وإنما هم أهل الذكر المستشارون وأصحاب الاختصاص فى مختلف مجالاتهم العلمية والمعملية و الاقتصادية والفنية..الخ، ومنها مثلا المجال الأمنى الذى أشار اليه رب العزة فى نفس السورة تعليقا على مروجى الاشاعات فى المدينة من الصحابة المنافقين، يقول تعالى عنهم (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه الى الرسول وإلى أولو الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) النساء 59، 83)) انتهى
ونقول للشيخ ... أن المستشارين من رجالات الدين ووعاظ السلاطين هم الذين يفسدون الحكام ويفسدون الدولة لمنافعهم الشخصية، ولو علم لذلك لاحتاط له ولكرس جل آياته لكيفية إدارة دولة المسلمين بدل تكريس أغلب الآيات للقصص والنكاح وقطع الأيدي والجلد والتضييق على النساء. ونسأل الشيخ: كيف يرد المسلمون ما يصعب عليهم إلى الرسول وهو ميت؟ هل يردونه إلى الأحاديث المزعومة عن الرسول أو إلى وعاظ السلاطين مدعي الاختصاص الذين يقوّمون الناس بالعصا؟
وفي حركة بهلوانية جديدة يغيّر الشيخ الدكتور معنى الكلمات العربية المتداولة منذ آلاف السنين، فيقول (اذن ينبغى طاعة أولى الأمر فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله ـ والرسول هو الرسالة أى القرآن الكريم وهو الرسول القائم بيننا ـ وبالتالى لا يصح أن يفتى الأخ فرفور بدون دليل علمى على الانترنت قائلا أنا أرى كذا فى التعليق على مقال علمى كتبه أحد الراسخين فى العلم.) انتهى
فالشيخ يقول quot;الرسولquot; هو الرسالة وليس الشخص المرسل. وعليه يكون إله الإسلام لا يعرف أنه يخاطب الجماد عندما يقول quot;يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناسquot; (المائدة 67). فإله الإسلام يخاطب القرآن كأنه شخص يحتاج العصمة منه ويطلب منه أن يبلغ رسالته أي يبلّغ قرآنه للناس، أي القرآن يبلّغ القرآن. ويقول القرآن كذلك quot;كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونquot; (البقرة 151). وأظن الشيخ الدكتور يتفق معي أن الرسول في هذه الآية هو الرسول البشري وليس الرسالة كما يقول في مصطلحاته لأن عرب ما قبل الإسلام لم يكونوا آيات أو رسالات حتى يقول لهم الله quot;أرسلنا فيكم رسولاً منكمquot;. ولكن ما دام هذا التعريف قد كتبه الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور الذي يشهد لنفسه أنه من الراسخين في العلم، فلا يجوز للسيد فرفور من أمثال كامل النجار أن يفتي في مقال كتبه الشيخ.
وقد اتحفنا الشيخ بأم المتناقضات، كما اتحفنا صدام حسين بأم المعارك، فقال (الأخ كتكوت هذا الذى يهرف بما لا يعرف لا يستحق سوى الرثاء. وهو مرشح لأن يستمر طيلة حياته متمتعا بالجهل سعيدا به راضيا عن جهله وقد رضى عنه جهله. يأتيه العلم سهلا ميسرا ميسورا بعيدا عن تعقيدات التراث و أساطيره و متاهاته، ثم يقال له هذا العلم بتواضع وحكمة وموعظة حسنة، وليس كما يفعل جهلة الشيوخ الذين يصرخون ويتوعدون من يجرؤ على النقاش معهم بالويل والثبور و عظائم الأمور. إلا إن السيد كتكوت يزهد فى العلم و يسخر منه مكتفيا بجهله، فهنيئا له بجهله.) انتهى.
الشيخ أحمد صبحي منصور يدعي كذباً أنه يقدم العلم للسيد كتكتوت بتواضع وحكمة وموعظة حسنة، وليس كما يفعل جهلة الشيوخ الذين يصرخون ويتوعدون من يجرؤ على النقاش معهم بالويل والثبور و عظائم الأمور. لعمري أنها فرية عظمى. فالشيخ الأزهري أحمد صبحي منصور أثبت أنه أكثر شيوخ الأزهر بذاءة باللسان وأكثرهم غروراً بنفسه وعلمه. والحكماء قد قالوا كلما زاد علم الشخص كلما اكتشف مقدار جهله وكلما زاد تواضعه جراء هذا الاكتشاف. فهل يتبع الشيخ قول الحكماء؟
وحتى يثبت لنا الشيخ الدكتور كثافة علمه، يقول ((كتبت مقالا بحثيا عن عمر بن الخطاب عنوانه (المسكوت عنه من تاريخ عمر). لم اكتب عن عمر من خلال ما كتبه الشيعة عنه، وهم يبغضونه، ولم أستشهد بما كتبه المستشرقون، ولست من هواة القراءة لهم. كتبت عن عمر من خلال ما كتبه عنه رواة السنة فى أقدم مصدر فى التأريخ للطبقات وهو (الطبقات الكبرى) لابن سعد)) انتهى
فالشيخ لا يقرأ ما يكتبه المستشرقون الذين هم أساتذة جامعيون غربيون تخصصوا في اللغة العربية والإسلام ونقبوا في التراث بآليات البحث الحديثة، ولا يستشهد بما كتبه الشيعة عن عمر، ويفضل أن ينقل ما كتبه ابن سعد عنه. فهل هناك فرق بين الشيخ الدكتور الراسخ في العلم وبين السلفيين الذين يهاجمهم؟ أما الجهلاء من أمثال كامل النجار فيقرءون للمستشرقين وللشيعة وللراسخين في العلم عندما يكتبون مقالاتهم على مواقع الانترنت.
ولا أدري إذا كان الشيخ قد قصد نفسه وأهل القرآن عندما قال ((وبالمناسبة فان مصطلح (الجهل) يدل على عدم العلم، كما يدل على سوء الخلق، والأغلب ان يدل على الشرك (قل: أفغير الله تأمرونّى أعبد أيها الجاهلون؟) الزمر 64)
أولئك الجاهلون لم يجدوا حجة علمية يردون بها فانهمكوا فى السب والتجريح.)) انتهى
فالشيخ أحمد صبحي منصور بنفسه قد شهد أنه يرد على كامل النجار لأنه لا يشتم إنما يبدي أراءً سطحية. فمن هو ياترى الذي لا يجد حجة علمية يرد بها فيلجأ إلى الشتم والسباب، فيكون من الجاهلين؟
وأخيراً يقول الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور ((بعدها قلت عن د. كامل النجار دون أن أصرح باسمه:
(هناك كاتب آخر يسبق اسمه بحرف (د)، وهو ينجح كثيرا فى اضحاكى على ما صار اليه حال العرب، من مسلمين وملحدين. المفروض أنك حين تكتب معلقا لا بد أن تقرأ لمن تحاوره وأن تفهم ما يقول، ولكن هذا ال (د) لا يقرأ إلا بضع أسطر ثم يسارع فى التعليق. وفى تعليقاته يأتى بالطرائف والظرائف التى تمزج الجهل بالخفة والسطحية. فى إحدى (معلقاته) استنكر قولى بوجود مصطلحات مختلفة فى اللغة العربية. وهذا فى حد ذاته سبب كاف لعدم استحقاقه للدال التى يرصع بها اسمه)) انتهى
وأنا سعيد أنني استطعت إضحاك الشيخ المهموم بتبليغ رسالة ربه، وأحب أن أوضح له أن quot;الدالquot; التي تسبق اسمي لا علاقة لها باللغة العربية ولا بالإسلام، إنما هي quot;الدالquot; التي ترمز إلى دكتور طبيب جراح يعمل مستشاراً للجراحة بمستشفيات المملكة المتحدة البريطانية. ولهذا السبب لا يدعي كامل النجار أنه من الراسخين في العلم الغيبي والأساطير، فليطمئن الشيخ الدكتور فإني لن أزاحمه في quot;الدالquot; التي تسبق اسمه. أما عدم استحقاقي لحرف quot;الدالquot; لأني أنكرت ما قال به الشيخ من مصطاحات جديدة للقرآن، فقول فيه نظر.
وللحديث بقية
كامل النجار
التعليقات