جُنّت وتيرة التشنجات والاتهامات المتبادلة على خلفية انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق وبشكل درامي، أعاد إلى الذاكرة الصراخ والعويل الذي سبق اعتقالات ربيع دمشق أيلول 2001فقد أقدمت الأجهزة على وقف المنتديات، وأرسلت عسسها وجلاوزتها ليعيثوا في الأرض !! ثم أرغت وأزبدت وزجّت الجميع في السجون، واستدارت خلال عودتها المظفرة من مواجهة الحولة وطبريا وجسر بنات يعقوب ومسعدة، والقنيطرة،. فاكتسحت فلول المعارضة، وقامت بخصيهم واحداً واحداً !
النظام العائد من أنابوليس، بعد أن عاد من مدريد وميريلاند، كان قد اجتر وديعة رابين لسنين طويلة! وبعد أن نجح في تسوية علاقاته الأردنية السورية التركية،فنجح في تكريس شرعيته الإسلامية في الداخل والخارج،وقام برسم المسار الأخر للمعادلة الإسلامية عبر إيران!! ونجح في لي ذراع الأوروبيين والأميركيين في لبنان! ونجح نجاحاً مشهوداً في استخدام الفزاعة الإيرانية وفزاعة حزب الله ! وفزاعة إمساكه بالقاعده الأصولية السورية عن طريق استثمار رموز الإعتدال الإسلامي وجهابزته ومريديه!
الأمريكيون الذين أسعدهم أن تستمر الأوضاع quot;العاقلةquot; في الجولان، والفوضى الضاربة في لبنان، فاستولدوا مكونات المجتمع العراقي لتحقيق الديمقراطية في العراق! فأطلقوا قبائل الأنبار بعد أن انتحر من أتوا بهم على دبابات ! وبعد أن أوصلت مبادراتها الخلاقة، بعد أن أصابها الجنون والعمى بعد 11 أيلول،،إلى إقامة إمبراطورية خمينية تهيمن اليوم على الخليج والإقليم برمته! وذلك من خلال التخلي عن سياسة الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران وبعد أن أزيح العراق من دائرة الصراع العربي الاسرائيلي (لا من دائرة الاستبداد والطغيان) سقط هذا العراق في يد ميليشيات شيعية لاتدين إلا لولاية الفقيه، ولاتؤمن بالوطنية العراقية، وتعتبر الديمقراطية نهجاً علمانياً ملحداً، حتى وإن quot;وصلتquot;في نهاية المطاف إلى اعتماد الآليات الديمقراطية في بناء هيكلية الحكم في العراق! فالحكم هناك في النهاية حاصل في يد طائفة مهيمنة، ترتبط بإيران بكل وشائج الدين والثقافة والعداء المشترك لكل ماهو ديمقراطي، وعروبي..وغربي وأوروبي وأميركي!
آخر تقليعة ديمقراطية اخترعها الأمريكيون هي: المجيئ بقبائل وعشائر الأنبار والعراق لتشكل رافعة للوجود الأميركي في العراقhellip;ويمكنكم ان تتصوروا أين ينتهي كل شيئ تنجزه القبائل، وكل تحولات تنتصر فيها العشائر في موازاة قوى مذهبية أخرى لاترى في العراق إلا إمارة لولاية الفقيه، وموئلاً لمراقد آل البيت في مواجهة خليجية تعمل هي الأخرى بمرجعيات دينية تستخدم فيها مصاحف quot;الأرض التي باركنا حولهاquot;! والأمريكيون يضعون قدماً هنا وقدماً هناك..قرب كل المراقد المقدسة!!!
هذه هي المكونات التي أيقظها الأمريكيون لتتصارع وتتنافس، ثم تتواجه في إطار المبادرة الأميركية في العراق وما حوله! وأغرب ما في الخيال أن الأميركيين لايرون مايجري أو يمارس الآن في العراق صالحاً في سورية، أو في غيرها،حتى في إيران! ولذلك فقد كرروا مدريد وميريلاند ودعوا إلى أنابوليس، وصمتوا شهوراً أخيرة عن أزمة انتخابات الرئاسة في لبنان لينتهوا بعد ذلك إلى صيغة ذات بعد quot;إقليميquot; تطلق يد جيران لبنان تحت شعار التوافق والمشاركة! في المقابل، وفي إطار العلاقات العامة استقبل بوش وفداً معارضاً سورياً في البيت الأبيض، والمصادر تؤكد أنه كان لقاءاً بروتوكولياً صغيراً اجتمع فيه بوش بالوفد! وبالمقابل كان بوش قد اجتمع بالموالاة السورية في أنابوليس، ليأتي الإجتماعان وكأنهما خططا لإحداث التوازن البروتوكولي بين المعارضة والموالاة السورية! فيمسك الأميركيون بكل الخيوط كما درجوا دوما!
14آذار في لبنان تخلى عنها الأميركيون في منتصف الطريق إلى أنابوليس! وأصبح مشروع الرئاسة في لبنان وقرارات الأمم المتحدة محطات تم التفاوض والتوافق عليها، بما فيها المحكمة الدولية!!
هكذا هم الأميركيون يعطلون الشرعية الدولية أو يُفعّلونها، ويصادرون كل حراك في المنطقة! ويتآمرون عليه، ويطرحون كل شيئ للمساومة والمباذرة السياسية، ويدفعون الأثمان الباهظة لإيران ويطلقون قواها في تدمير العراق ويحققون لها الهيمنة على المنطقة ويُنشِأوا المعادلات أو ينسخوها كما يلي:
قبائل الأنبار مقابل الوفاق على الرئيس القادم في لبنان!!
قبائل 14 آذار تُقدم ضحية على مذابح قبائل8 آذارhellip;
حزب العمال الكردستاني يُقدم هدية لأردوغانhellip;مادام حليفاً في مواجهة القضية الكردية!!
quot;القوميون العربquot; حزب أنور السادات بزعامة حسني عبد العظيم في مواجهة إعلان دمشق،والإجهاز على التجمع الوطني الديمقراطي!!
المذهبيون مماً ركبوا مركب المعارضة لازالوا يركبّون لكل واحد فينا قميصاً مذهبيا أو مخابراتيا يكفنونه به hellip;ويسدلون علينا الستار!
إذا كما النظام وتيار أنور السادات، وتيار الممذهبين على صيغة quot;ولاية الفقيهquot;لايرون مذهباً إلا مذهبهم وحزبا إلا حزبهم وناشطين ومناضلين إلا من استولدوهم وصنعوهم وأخرجوا لهم الأدوار!
جماعة مايسمى بالتيار الليبرالي انقسموا إلى صنفين: واحد جاء من رحم الأحزاب الشمولية والعقائديةhellip;ولاغروَ ! فأهلاً بهم ماداموا يملكون تلك التجارب الطويلة وجاءوا من مخابئ النضال وغياهب السجون.. فأهلاً بهم لولا عقدهم التي لم يجدو من خلالها دورا لأنفسهم وتجاربهم الرائدة، فاستحضروا أسماءً بائدة ودفعوا إلى المقدمة بخريجي مجالس النظام وأحضان رموزه وشراكاتهم المالية، الذين جاؤوا إلى المعارضة، فقط، عندما أعيتهم مسيرة المال والبقاء في برلمانات النظام!!!!
وفصيل آخر ولد ولادة طارئة، جاء بعضهم من صفوف رموز الانفتاح الاقتصادي، والزواج متعدد الجنسيات،وأحضان الأجهزة، وعضوية مجالس الشعب ومجموعات التشبيح والمحاكم الاقتصادية!
وبعضهم جاء من صفوف الكومبارس الخلفية التي أنتجتها المنتديات والحراك المدني، وما كانوا في تاريخ سورية المناضل في زمان أو مكان!!
فجأة، وبعد نداءات حميمة توجهنا بها وغيرنا نحو المعارضة، لتعيد تنظيم صفوفها وتخرج من عنق الزجاجة وتوقف صراعاتها وتناقضاتها وتمأسس حراكها، وتعقد مؤتمراتها الوطنية فتحاور في إطارها حول المستقبل وآفاقه، وحول مااعترى وتعثر من مسيرة المعارضة وما تعرضت له من قمع وتجزئة وتدجين وخصوصا منها ماحصل في صفوف الاعتدال الإسلامي والانقلاب الساداتي في تيار ماتبقى من تجربة الاتحاد الاشتراكي وامتداداتها في سورية، وكوادر ليبرالية خُدّج الولادة،ضبابية الرؤية فردية التكوين، هي الأخرى، وبغباء مفرط، لم تقرأ ماحصل في أنابوليس قراءة سياسية وما تم التوافق فيه من قبل لإطلاق القبائل والعشائر العراقية بما لها من امتدادات وولاءات خارج الحدود لتشكل روافع المشروع الأميركي quot;الديمقراطيquot; بما يبني المخرج المشرف للأميركيين من ورطة العراق !والموقف المشّرف لغيرهم في لبنان والخليج !!ولم تر هذه الليبرالية الديكورية كيف تم التوافق على موضوع أوجلان، وكيف جمدت الأحوال في لبنان، والمحكمة الدولية، حول طاولة سمر أميركية إقليمية!!
هؤلاء المغامرون اختاروا أسوأ زمن وتوقيت لمجلسهم الوطني،وانصبّ جلّ همهم على الفوز بعقد مؤتمرهم دون علم مسبق من المخابرات!
لم يقرأو متغيرات المنطقة ولم يقرأو صفقة الخزلان الأميركي لجماعة 14 آذار في لبنان، وبالتالي خُزلان رديفها في المعارضة السورية، والتخلي عنها لسلطة الأجهزة لتمعن فيها الاعتقال والتنكيل!
هؤلاء الليبراليون حديثوا الولادة، النخبويون، الذين لاتربطهم بالبرجوازية السورية، وقوى الاستقلال الوطني السورية، أية روابطhellip;!وهم الجيل الثاني أوالثالث من أجيال الليبرالية التي أنتجتها اليرجوازية السورية التي لم يفسح لها المجال للمشاركة في إعلان دمشق. وهي لازالت تشكل جزأ من التحالف المؤتلف مع النظام القائم ! وهذا مالم يدركه إعلانيو دمشق، أو يضمنونه قراءاتهم وتحليلاتهم الفذّة !
هؤلاء الذين لايملكون جسرا واحدا مع القاعدة الشعبية السورية، تماما كما ولوأنهم استنسخوا آليات الأحزاب العقائدية أيام نضالها السلبي تحت الأرض! لاشيئ تغير في الذهنية والمقاربة والآليات!!
هؤلاء الذين أقصوا كوادراً عملت عمرها في صلب المعارضة، وسجنت في كل فصول دمشق وكتبت في المعارضة والطوارئ والمخابرات والسجون! فلماذا تستمرالأبوة والبطركية والماسونية والمشيخة في النضال الوطني السوري من جديد!!؟
السادة المعارضون hellip;!!
إن توقيت مؤتمركم الوطني لإعلان دمشق جاء كارثة عليكم وعلينا !hellip;فلقد عقدتم المؤتمر quot;بورك لكمquot; quot;حيث اختزلتم المدعويين بمن تثقون بهم على طريقتكم، وحتى تحدثون المفاجأة في سرية الانعقاد دون اختراق أمني hellip;ولكن النتائج لم تفلح في تقريرها سرية الإنعقاد hellip;إذ عدتم وعدنا إلى أيام النضال السري في زمن الأحزاب العقائدية ! وكانت الشطارة تستدعي أن يبقى خبر الإنعقاد وإنشاء المجلس ونشر أسماء أعضاء الأمانة طي الكتمان،. ولكن يبدو أن كل ما اعتبرتموه في هذا الموضوع كان مجرد سرية الإنعقاد!! فجاء نشر البيان وتتمة المواضيع ليقلب الموازين تماما كما يلي :
1.كان على أطيافكم ألا تنقسم بعد المؤتمر، انتخب من انتخب وفشل من فشل ! وألا تعودوا إلى نشر الغسيل القذر!!!
2.إن الأطراف التي جمدت نفسها إنما استعدت وحرضت الأجهزة للإنقضاض على الجميع!!
3- إن استحضاركم لإسماء بعينها،أثار خلفيات وحساسيات قومية بين أسلاف أكرم الحوراني والورثة الساداتيون لإسم جمال عبد الناصر..مما جعل مؤتمركم يُظهر عجزاً مريعاً في اختيار رموز من داخل الحراك الوطني السوري وممن يطرحون الحداثة والعلمنة، ومن خريجي السجون السورية ممن لم يأتو من مؤسسات النظام وبرلماناته وأحضان بهجت سليمان وعز الدين ناصر ورامي مخلوف والمحاكم الإقتصادية، تماما كما جاء الساداتيون السوريون من رحم الناصرية والأسديون من رحم البعثية والديمقراطيون من رحم الشمولية والأيديولوجيا!!
4- وأغرب مثال يخطر بالبال أن يلتحق مناضل صنع تاريخه في السجون وقرأ التحولات بموضوعية بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وهو رياض الترك ليلتحق بقيادة أبصرت النور في مؤسسات النظام البرلمانية ولم يغادروها بأنفسهم حتى انتهت بهم الأدوار !!
5- إن النظام الذي يبحث ظامئاً عن المعادلات والتسويات وأوراق القوة التفاوضية ومعادلاتها إنما كان عليه بدل اعتقالكم، أن يستثمر أوراقه في مواجهة الجولان والصراع العربي الإسرائيلي واختيارات الإنتقال إلى العصر برؤىً وتشريعات وآليات ديمقراطية تعددية عصرية حداثويةhellip; أما وأنه ارتد على معارضيه فأمعن فيهم سجناً واستدعاءً فإنما وقع فعله هذا خارج استحقاقات الأرض وتحديات التوظيف لعناصر بناء قوة الوطن وحرية أبنائه في إطلاق الأحزاب وتحديث القوانين وإلغاء قوانين الطوارئ والمحاكم الإستثنائية التي تخلق المناخات لإنتاج شارع ورأي عام وطني سوري قادر ومبادر!! إذ لن يُقلع مشروع في ظل بقاء السجون مشرعة للأحرار وأصحاب الرأي والضمير! ولتتسع هذه السجون للجرائم الجنائية وجرائم الفساد والإثراء غير المشروع، وصرف النفوذ وصرف الشرف والكرامة الوطنية !!
7- فليواجه النظام في الجولانhellip;ثم فليواجه بعدها في أي مكانhellip;وأوقات الإنتظار والأوقات المستقطعة، إلى حين ذلك، بجب ألا تكون على حساب أبناء الوطن ومثقفيه وأحراره!!
إن الحرب ضد العدو هي الأولى hellip;.فهيا اقتلوا لنا جنديا اسرائيليا محتلا واحدا ندشن بقتله فرحة العيد والعام الجديد ولو جاء ذلك بعد الإنتظار عقودا ! فليرسلوا طائرات الوطن تحوم فوق تلال العدو السوداء بعد أن قصفوا تلّنا الأبيض! وفوق قصورهم بعد أن حاموا فوق قصورنا!! فكيف يكون كل شيئ هادئ في الجولان ولا يكون ذلك في أُسر السجناء وأطفالهم في أيام الحرم، وهي:
يوم 10/12/اليوم العالمي لحقوق الإنسان !
يوم/ 18/للشهر نفسه أيام الأضحى وأيام الحجيج !
يوم/25/للشهر نفسه أعياد الميلاد للتقويم الغربي!
يوم /31/يوم رأس السنة الميلادية الجديدة !
يوم/7/1/عيد الميلاد للطوائف الشرقية !
فلنعمل جميعا دون إقصاء من أجل سورية بلا سجون أو مخابرات، سورية بلا مذاهب وطوائف، سورية بلا ليبرالية مراهقة عابثة، ويسارية طفولية غبية، وناصرية ساداتية طائفية مهجنةhellip;وسنّية تختزل الإسلام وتلغي الوطنية وتكفر الآخرين ! وعلوية متهتكة تائهة، ومسيحية صليبية غير يسوعية، ومعارضة مشخصنة متطيفة متمذهبة، وبعثية فردية مخابراتية فاسدة!
نعم لسورية البديل الوطني للجميع، نعم لنظام الدولة المدنية والمؤسسات، نعم مرة أخرى لسورية بلا سجون ومخابرات !بلا فساد،بلا هيمنة وبلا منافقين!!
حبيب صالح
كاتب سوري ومعتقل سابق quot;ربيع دمشقquot;
التعليقات