بعد عودتي من مصر ndash;وكالعادة- تساءل الأصدقاء عن أحوال مصر وأخبارها وما هي المستجدات والتغييرات التي حدثت ورؤية المواطن لها وبالرغم من قصر مدة الزيارة وكونها جاءت لظروف طارئة إلا أن ذلك لم يمنع من تلمس المعلومات ndash;قدر الإمكان- ومعرفة الأخبار واستقصاء آراء المواطنين البسطاء الذين يشكلون النسيج الحقيقي والأكبر في المجتمع المصري
وفي الحقيقة فإن ما يشغل بال المواطنين في مصر هو سؤال فشلوا جميعا في الإجابة عليه فالكل يتساءل ماذا تريد منهم الحكومة؟! (عايزين يعملوا فينا ايه؟) أو بالأدق ماذا يريد الرئيس مبارك من المواطن المصري؟! ما هو المطلوب منه؟؟ (عايزنا ننتحر ونخلص ولا نسيب البلد ونهج ) هكذا يتساءل المواطن المصري في حيرة وعجب ودهشة
وكما ذكرت في مقالي الأسبق quot;فوق البركانquot; منذ شهرين فإن الأحوال في مصر مازالت تتسارع في الانحدار نحو القاع بسرعة كبيرة في جميع المجالات،،،،،،
ففي الجانب الاقتصادي أصبح اعتقاد المواطن الأكيد أن الحكومة تحاول التخلص منه نهائيا أو التخلص من التزاماتها نحوه خاصة ما كان يعرف بفئة محدودي الدخل.... تلك الفئة التي استغلتها الحكومة وعلقت في رقبتها طوال ال25 عاما الأخيرة شماعة الدعم وكان حديث الحكومة وخبرائها الاقتصاديين طوال هذه الأعوام وحججهم الجاهزة والمعلبة هي الإبقاء على الدعم من أجل محدودي الدخل.... ولكن المواطن يرى الآن أن الحكومة قد تخلت تماما عن محدودي الدخل وتتجه للخلاص منهم نهائيا ولم يعد لتلك الفئة وجود في الخريطة الاقتصادية و الاجتماعية المصرية واكتفت الحكومة بطبقتي الأغنياء والفقراء (معدومي الدخل) ولا وجود لفئة بينهما وعلى الفقراء أن يتحملوا في صمت ويعانوا في ذهول......
وعلى الجانب السياسي وبرغم أن التعديلات الدستورية الأخيرة التي تقدم بها الرئيس مبارك تحظر وجود أحزاب على أساس ديني أو بالأدق تحظر خلط الدين بالسياسة إلا أن حزب الحكومة الحاكم نفسه هو أول من يجعل الدين في خدمة السياسة لتحقيق أغراضه وأهدافه ولم تعد هناك فتوى يطلقها فضيلة المفتي أو رأي يدلي به شيخ الأزهر إلا وتحوطه الشبهات السياسية من كل جانب... وكان آخر ما أطلقه فضيلة المفتي عن صيام يوم عاشوراء وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم بصمه ولم يدع إلى صيامه!! ودعا إلى عدم صيامه أو على الأقل عدم الاحتفال به لأنه فعل لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام أو يطلب منا فعله!!! ويتساءل المواطن المصري الآن...واليوم فقط وهذا العام تحديدا تذكر فضيلة المفتي و بحث واجتهد ليخرج علينا بتلك الرؤية... لماذا يا ترى؟؟
وبفطنة المصري الفطرية يدرك أن رأي فضيلة المفتي يرتبط ارتباطا وثيقا بالوضع السياسي فمع ما يحدث في لبنان وزيادة تعاطف الشارع المصري مع حزب الله والخوف ndash;الذي- يسيطر على البعض من التشيع والتكليف الأمريكي للمثلث السني (مصر-الأردن-السعودية) بمحاربة المد الشيعي كما يدعون... من أجل كل ذلك كان من الضروري التصريح بهذا الرأي في هذا الوقت (بالرغم من أن احتفال الشيعة بهذا اليوم هو تخليدا لذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه) فمن الذي يخلط الدين بالسياسة ومن الذي يستغله لأهداف سياسية؟؟ وكذلك التكليف الرسمي لأجهزة الإعلام جميعها باستبدال اسم quot;الإخوان المسلمونquot; بالجماعة المحظورة والذي صارت أشبه بنكتة المطار السري في الستينات من القرن الماضي ومع زيادة الانفلات الأمني وعجز أجهزة الداخلية عن تحقيق الأمان للمواطنين لم تجد سوى إشاعة أن سفاح المعادي هو من المنتمين أو المتعاطفين مع الجماعة المحظورة إياها في محاولة لزرع الفتنة والشقاق بين فئات المجتمع فمن الذي يستغل الدين لأهداف سياسية يا حزبنا الوطني العتيد؟؟ ومن الذي يخلط الدين بالسياسة؟؟!!
أما على الجانب الاجتماعي فالأمر أكثر خطورة وأكثر إحباطا للآمال فلم تعد للروابط الاجتماعية ndash;بوجه عام- أي قيمة تذكر إلى جانب لغة المصالح والمنافع الذاتية وكل ذلك نتيجة الصراع الدائم والمستمر من أجل البقاء على قيد الحياة
فهل هذا ما تريده حكومتنا الرشيدة؟؟ وهل هذا ما يريده الرئيس مبارك؟؟....لا أظن ولا أعتقد.... وإن كان فلماذا يا سيادة الرئيس؟؟؟؟؟

د/محمد لطفي

كاتب وطبيب مصري
[email protected]