واخيرا وليس اخرا قررت ثلة من المثقفين السودانيين مغادرة رصيف الثقافة العربية والعروبة والتوجه نحو اسرائيل لاكتشاف سماحة ونبل وشهامة اخلاق الشعب الاسرائيلي ممثلين في جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلي بحسب زعمهم، المثقفين السودانيين اطلقوا على مشروعهم التطبيعي (جميعة الصداقة الاسرائيلية السودانية)، هدفها التعرف عن قرب على الشعب الاسرائيلي مستفيدين من جوازت سفرهم الكندية والامريكية و البريطانية، بناءا على ثقافة السودان الجديد.
في معرض دفوعاتهم نحو هذه الخطوة المهمة ليس في المشهد الثقافي السوداني فحسب بل المشهد الثقافي العربي بمجمله صاغوا العديد من الحجج والبراهين مبررين بها توجهم الجديد لعل ابرزها تطنيش الاعلام العربي المسموع المقريء والمرئي لقضايا السودان السياسية و الاقتصادية والثقافية والسياسية، بطبيعة الحال قضية دارفور حائط مبكاهم تعد ام العلل في شد الرحال نحو تل ابيب.
ايضا من ضمن ما ورد في حججهم التي تجعهلم يتخذون قرار الهجرة الثقافية التطبيعية نحو اسرائيل مقتلة السودانيين اللائجيين بميدان مصطفى محمود بالقاهرة، ومذبحة السودانيين بالزواية الليبية، والاوضاع البائسة للجالية السودانية بلبنان، والتنميط الاعلامي لمجمل قضايا السودان السياسية وانتهاءا بالبيئية، بقعة الزيت تزداد خطورة لو ان الامر كان حصرا على المثقفيين السودانيين حملة الوثائق الكندية والامريكية والبريطانية كما اسلفنا، بل الامر تعدى ذلك الى شرائح واسعة في مدن الصفيح التي تحيط بالعاصمة المثلثة الخرطوم، تلك الشرائح التي تنتظر بفارغ الصبر قدوم قوات الامم المتحدة لاقامة حفل وداع مهيب للثقافة العربية وانبياء الثقافة العربية وكل من ينطق العربية على طريقة سيوبويه، مستفيدين من اتفاقية نيفاشا التي اسست للسودان الجديد سودان الناطقين با السن اخرى غير العربية، وهؤلاء سكان مدن التنك والصفيح، يرون ان المثقفين العرب فنانين، موسقيين، ممثلين، الخ، لم يتضامنوا مع الضحية في دارفور او الجنوب، ولا مستثمريهم استثمروا في السودان، بينما المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، تضامنت مع دار فور ومجمل قضايا السودان.
البرفسور والقانوني السوداني عبد الله النعيم المقيم في الولايات بكندا يبرر خطوة التطبيع مع اسرائيل كما اوردت تراجي مصطفي ب(هم قتله بقدر ما نحن قتله وهم مجرمين-اي الشعب الاسرائيلي- بقدر ما نحن مجرمين وهم منتهكين لحقوق الانسان بقدر انتهاكاتنا لحقوق الانسان. لذا لا ارى اي قضاضه في انشاء علاقات مع الشعب الاسرائيلي مثله مثل غيره من شعوب الدنيا).
ولكن من جهة اخرى ترى الاغلبية الغالبة من المثقفين والمبدعين السودانيين بالداخل والخارج، ان خطوة المثقفين التطبعيين تلك مصيرها الفشل الزؤوم، ليس لان الراي والمزاج العام للسودانيين ضد الممارسات الاسرائيلية في فلسطين ولبنان وحسب، بل ان روح التصوف الاسلامية التي صبغت وجدانيات الانسان السوداني باكرا تقف حجر زاوية وحائط صد ضد هذا الهبل المسمى (جمعية الصداقة الاسرائيلية السودانية)، متسائلين في سخرية لاذعة، عمن اعطى الاستاذة تراجي مصطفى - ناشطة حقوق انسان كندية سودانية- صاحبة فكرة التطبيع هذه الحق بان تختطف اسم السودان، وتؤسس لجمعيتها تلك? ويرون ان كل المصوغات التي تمت صياغتها كسبب بنيوي لاقامة علاقة تطبيعة مع اسرائيل ليست مقنعة للشارع السوداني او العربي، فاذا كانت الاجهزة الامنية بالقاهرة تسببت بمقتل عشرات السودانيين بميدان مصطفى محمود، فانها ذاتها القاهرة ومصر الكنانة التي احتضنت ملايين السودانيين طالبي علم، او للجوء سياسي، او اقتصادي، وانها ذاتها مصر الكنانة التي احتضنت المعارضة السودانية منذ اكثر من سبعين عاما، وانها ذاتها القاهرة التي تحتضن الان مكاتب معارضيين سودانيين من اقليم دارفور، ويتساؤلون لماذا صمت اسرائيليو السودان الجدد عن هذه الحقائق ولم يوردوها في دوفوعاتهم.
واذا كان هناك عشرات السودانيين لقوا حتفهم في ميدان الزواية، في ظروف غامضة وان الشرطة الليبية قد اجرت تحرياتها، فانه ايضا هناك عشرات الالاف من السودانين نساءا واطفالا وشبابا يقيمون في ليبيا، بغرض العمل او الدارسة، واذا كانت اوضاع الجالية السودانية بلبنان بالغة السوء فان في الامر مبالغة مجحفة، لان دور الاعلام اللبناني، تحدث عن قضايا دارفور اكثر من حديث مالك في الخمر، وان اول وفد تضامني وصل الى الخرطوم ابان العدوان الثلاثي عام 1997 نقصد به عدوان اثيوبيا-يوغندا-ارتريا، كان وفدا لبنانيا يضم قيادات من مؤسسات المجتمع المدني اللبناني بارزة.
اما بخصوص الشعوب العربية وموقفها من قضايا السودان المختلفة فيرى المثقفين السودانيين المناوئيين للتطبيع ان العديد من الدول الخليجية بها مكاتب معارضة دارفورية ومعارضين سودانين للنظام السابق والاني واللاحق، وان امير دولة قطر اكثر من مرة توسط لحل النزاع السوداني- السوداني، وقبله الرئيس المصري حسني مبارك، والفريق على عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمينة، فلماذا لم يتطرق اسرائيليو السودان الجديد الى هذه الامور بعين المنطقية والامانة العلمية والمضوعية?
لى جميعة الصداقة الاسرائيلية السودانية، لديهم اجندة شخصية خاصة بهم مثل ترقيهم في ؤسسات دولية تابعة للامم المتحدة، وذلك عبر تقربهم من اليمين المسيحي المتطرف الاميريكي واللوبيات اليهودية بامريكا، ودائما التمسح والمتاجرة بدماء الابرياء من دارفور، وغيرهم، مختتمين اطروحاتهم تلك، بان ما ارتكبته اسرائيل في حق الابرياء المدنيين من فلسطيين ولبنانيين، ومصريين، واردنيين، كاف وهو دليل على صحة دوفوعاتهم وختل وتترهات الطرف الاخر.
على كل حال، الحقيقة التي ينبغي التسليم بها علانية، هو ان المشهد الثقافي العربي من المحيط الهادر الى الخليج الثائر قد بدا يخسر الرهان في جغرافيات السودان، فتعاطف عدد من طلاب الجامعات والمعاهد السودانية بالسودان يعتبر خسارة في الجولة الاولى من اللعبة السياسية التي لن تهدد الامن القومي الاستراتيجي فحسب، بل ستصيب الامن القومي الاستراتيجي المصري ربما في مقتل، في حال انفصل السودان شمالا وعاصمته الخرطوم، ودويلة الجنوب وعاصمتها رمبيك، فهل يتداعي المثقفين السودانيين والعرب لتفويت الفرصة على المشهد الثقافي الاسرائيلي في اقليم البحيرات عامة والسودان خاصة، عبر تاسييس ندوات وسنمارات
تبرهن ان السودان قطر يستمد دمه وعروقه تنبط بالثقافة العربية? ام دع الايام تفعل ما تشاء??

قاص من السودان