لدى ( ايغور ) مُشكلة صغيرة هى انه حذائه ممزق وحينما كان رفاقه الأشتراكيون ( وهو منهم ) يتحدثون عن ضرورة التسلح لمواجهة النظام البرجوازى الدراكيولى الذى يمتص دماء العمال الغلابة المطحونين كان يقول quot; اسمعوا ايها الرفاق لكى نحقق اهدافنا فى تغيير النظام الراهن وهذا شىء عظيم طبعاً على ان اشترى حذاء جديد ليتم هذا بسرعة.... quot;وعرض وقتها عليهم حذاءه الممزق المهترىء وهو يستطرد quot; وأنا أعلن ان حذائي قد أصيب بداء عضال لن يُشفى منه وبما ان قدمى معرضتا للبلل يومياً وبما انى لا اود الرحيل المبكر إلى دنيا الأخرة فانى امانع بشدة اقتراح الرفاق بضرورة التسلح لمواجهة النظام واقترح ضرورة تسليحى شخصياً بحذاء متين لأنى على يقين من ان هذا سيكون اكثر جدوى لنصر الاشتراكية....quot;

هكذا اوضح لنا ( مكسيم جوركى ) فى تحفته متعددة الصفحات ( الأم )، مشكلة الفتى ( ايغور ) كواحد من الأشتراكيين الذين رزحوا طويلاً تحت وطأه قدم الطبقة المالكة المستأثرة البراجوازية
لقد صور مكسيم جوركى بعبقرية ما يدور فى اروقة المسكينة حبيبتنا السمرة ( مصر ) صحيح انه كان يتحدث من روسيا وعن روسيا ولأجل روسيا لكننى لا اجد فارقاً كبيراً ما بين هذا وذاك
هناك وفى تلك العصور الغابرة كانت هناك طبقة مستأثرة بكل شىء وطبقة اخرى فقيرة ومطحونة تكد وتتعب من اجل بقاء الطبقة الحاكمة فى حالة الأستأثار ndash; إن جاز اللفظ ndash; واكرر انى لا اجد فارقاً كبيراُ ما بين هذا وذاك.. لا اتحدث عن برجوازية واشتراكية ومصطلحات سياسية تلقى بصاحبها فى سين وجيم ويا ولاود كذا ويا ولاود كذا انما اتحدث هنا عن شعور حقيقى... اننى اشعر ان كلنا ايغور... كُلنا حقاً هذا الرجل.. نحيا بأحذية ممزقة وجوارب ممزقة وملابس داخلية ممزقة لا.. لا تنظر إلى حذائك الذى اشتريته مُنذ بضعة ايام فمازال على ما يبدو لامعاً وبراقأً.. ولا تتأمل فى جواربك التى تعطرت بفعل الميكروبات اللاهوائية فغدت كعطر باريسى يُفقد الوعى من جاذبيته.. ولا تبحث عن اى اهتراء فى ملابس سيادتك الداخلية فمازال الأستيكر اللاصق الذى يشير إلى جودة القطن المصرى بمثابه العلم خفاقاً عليها
إن الأحذية والجوارب والملابس الداخلى منها والخارجى فى طرحى هذا انما ترمز وتُشير ضمنياً إلى العقول والأنفس والأرواح عقولنا التى غُيبت ونفوسنا التى دُمرت وارواحنا التى تئن وتتأوه دون ان يصدر عنها صوت.

اتحدث هنا عن المواطن المصرى المغلوب على امره والمأسوف لحاله.. اتحدث عن الجماهير الخامدة المُغيبة فى دياجير التجهيل... عن الشعب السالك فى ظلمات التعتيم
سل اى مواطن مصرى مطحون عن رأيه فيما يحدث على الساحة السياسية.. سيقول لك فى دهشة ما معنى كلمة رأى ( فقد ضمُرت بالطبع من فرط اهمالها وعدم استخدامها ) وسوف يتحفك بقوله ان لا شأن له بما يحدث.. وانه رجل على ( اد ) حاله يسير بجوار الحائط ويكدح ليلاً ونهاراً من اجل قوت زوجته واطفاله ولا يعنيه فى الدنيا سوى تربية العيال والأعداد لتربة قوامها متر فى متر كى يموت فى سلام واهو محدش واخد منها حاجة وعيش جبان تموت مستور... وحدووووووووه
سل اى شاب عن صعود التيار الأخوانى والغزو الوهابي المُؤسلم الذى اتى وسيأتي على اليابس والأخضر.. ستجده وقد نظر إليك كالمعتوه وطفق يغنى مقلداً هيفاء ( بوس الواو.. هيك الواو.. خللى الواو يصح ) او نظر لك فى مجون وهو يرقص على ايقاع اغنية ( بحبك يا حمار.. وبعزك ياحمار ).. لقد فقد كل امل فى حياه افضل فلا عمل مناسب ومحترم ولا شقة يستقر فى ارجائها ولا زوجة يغفو سالماً مطمئن البال والخاطر ما بين احضانها... لماذا لا يترك نفسه اذن لأغنية
( العنب.. العنب.. العنب ) فهى حل مثالى لأى اشكالية ولكل معضلة
سل شاب اخر ممن يكدون ويحاولون تحطيم صخور واقعهم المرير بالعمل المتواصل لما يقرب من 16 ndash; 18 ساعة يومياً دون انقطاع لنوم هانىء او حتى لحظات ترفيه واسترخاء.. لن يجيبك وسيتركك بالتأكيد فلديه عمل ولديه صاحب عمل لن يرحمه لو تأخر قليلاً عن مواعيد الحضور الليلية
سل اى فتاه عن حقوق المرأه المُهدرة وعن تمثيل المراة فى البرلمان وما يتهددها حال وصول الأخوان إلى السلطة ستنظر لك فى رقة مزعومة ودلع ( مرأ ) ndash; كما يقول اعزاءنا الصعايدة ndash; وهى تسألك عن رأيك فى النيولوك الجديد الذى دفعت فيه دم قلب الوالد كى ما تجذب إليها شباب الحته فهى لا تبغى من دنياها سوى ( العَدَل ) والستر وضل رجل ولا ضل حيطه ولا تريد حقوق ولا دياوله ( لا ادرى معنى هذه الكلمة ) وكل ما تريده هو الا يفوتها قطار العنوسة حتى لو اضطرت ان تفترش سطحه واهى جوازة والسلام


لا تسل اخرون يكفيك حقاً هذه النماذج الممزقة

وياله من مأزق - ( مزنق ) حسب تعبير اللمبى ndash; وإن جاز لنا ان نحلل الأسباب دعونا نرجأكم إلى ما قاله ميكافيللى - دون ان يدرى عن النظام الراهن - فى كتابه ( الأمير ). ذلك الكتاب الذى يُعد فى عُرف كثيرين دستور اسود يبرر الجور والظلم والتجرد من الأنسانية والضمير فى حكم الشعوب والدول
يقول quot; يجب ان نلاحظ ان الناس اما ان يعاملوا بالحسنى واما ان يعاملوا بالبطش والأبادة ذلك لأنهم قد يثأرون لأنفسهم إذا ما اصيبوا بأضرار بسيطة.. ولكنهم يعجزون عن الأنتقام إذ كانت الأضرار بالغة ومن ثم لابد ان يكون الضرر الذى نُلحقه بالأنسان بالغاً حتى لا نحتاج إلى الخوف من انتقامه...quot;
ولقد نجح النظام الراهن فى تغييب شعبة وتجهيلة
الحق به ضرراً بالغاً بحيث فقد قدرته على الأنتقام او حتى إحداث اقل رد فعل.. صار مفعولاً به منصوباً على طول الخط وعرض الخط ايضاً

انها اذن المعادلة الصعبة التى لابد وان نسعى جاهدين لفك طلاسمها
كيف ندفع شعبنا هذا للنهوض من رقاد الكسل..؟!
كيف نخرجه من شرنقة الصمت..؟!
كيف نقنعه ان لا فائدة ترجى من حالة البيات الدائم التى عشق العيش فيها..؟!
تلكم هى المسألة ونكون او لا نكون..
لكن طلاسم المعادلة واشكاليتها الحقيقية سوف تتجلى لنا حين ندرك مدى صعوبة الحديث عن امور مثل إلغاء خانة الديانه فى البطاقة والتعديلات الدستورية والصعود الأخوانى وتغيير النظام الراهن و.. و..
مع اناس ممزقى الأحذية لا هم لهم سوى لقمة العيش والسير بجوار الحائط فى امان وتحطيم صخور الواقع المرير بواقع اكثر مراراً
كيف يتحدث من لا يجد خبزاً ليأوى اطفاله الصغار عن إلغاء خانة الديانة من البطاقة..؟!
كيف يتأتى لشاب (يطفح الكوتة ) من اجل مستقيل مُظلم ان يخوض فى الحوار عن التعديلات الدستورية..؟!
وكيف يتنسى لشعب ان يغير النظام الراهن بأحذية ممزقة..؟!


لا انا بل نعمة الله التى معى

جورج شكرى
[email protected]
[email protected]