لسنوات طويلة لم يألف العراقيون القتل بـ ( نيران صديقة)، فهذا النوع من القتل أصبح موضة مع قدوم الأمريكان الى العراق لإطاحة نظام صدام حسين. فلا أدري من جعبة أي عطار في مدينة شيكاغو أخرج الأمريكان هذه العبارة، لأن النار ليست صديقة للإنسان، بل وقودها الناس والحجارة سيصلى الكافرون بها يوم الحساب، أعاذنا الله من شرورها في مشهد اليوم العظيم.
ومنذ أن إستولى الأمريكان على العراق لقي الكثيرون حتفهم بنيران صديقة، آخرهم كانوا تسعة من حراس مقر حزب كردي في مدينة الموصل لقوا حتفهم بنيران هليكوبترات صديقة، وظهر فيما بعد أن المعلومات الإستخبارية التي وصلت الأمريكان كانت من نفس جودة المعلومات التي تلقوها من قادة عراقيين بوجود أسلحة الدمار الشامل في المشمش العراقي..
المهم زهقت أرواح تسعة أفراد بينهم شقيقان بسبب مصادر المعلومات الإستخبارية الرفيعة المستوى للقوات الأمريكية في العراق؟؟!!.
وقبلها بحوالي شهر تسببت نفس المعلومات الرفيعة المستوى التي وصلت الى الأمريكان في بغداد بمقتل شيخ مسن معروف في حي الدورة..
فقد تلقى الأمريكان المحصنون في خنادق بالبقعة الخضراء معلومات إستخبارية تفيد بوجود إرهابيين في منزل السيد علي مراد البالغ من العمر 75 سنة وهو موظف متقاعد يسكن منطقة الدورة جنوب بغداد مع زوجته العجوز، وهو بالمناسبة عم السفير العراقي في رومانيا السيد عادل مراد!!.فتشكلت قوة أمريكية مؤلفة من آليات عسكرية متنوعة وداهمت كمفارز زوار الليل في المخابرات العربية منزل هذا المواطن في ليلة عيد الميلاد 24/12/2006 و بصحبتها مترجم عراقي. وبعد كسر الباب الرئيسي للحديقة والباب الداخلي للبيت دخلوا غرفة النوم ووجدوا السيد علي مراد وزوجته فضيلة كرم البالغة 68 عاما لوحدهما في الغرفة، لكن أحد أبطال القوة العسكرية الأولى في العالم أطلق نيرانه الصديقة على السيد مراد فاصابه بفمه ففقد على أثره الوعي..ثم إنتشر الجنود في أرجاء البيت وبدؤا بالبحث عن الإرهابيين المزعومين في دولاب الملابس، وتحول بعضهم الآخر الى مطبخ المنزل بحثا عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي أفادت تقارير إستخباراتهم أنها مخفية بين أواني المطبخ، فيما صعد آخرون الى سطح المنزل بحثا عن قواعد صواريخ هوك و سام المضادة لطائرات الشبح والبي 150 القاذفة!!!. ولكن الإصدقاء الأمريكان لم يجدوا شيئا بعد حصارهم البطولي لمنزل السيد مراد سوى بعض الملاعق في المطبخ وشوية بوية حمرة على بنطلون تركه أحد أولاده قبل ثلاث سنوات في دولاب المنزل!!.
في خضم هذه الحملة البطولية للقوات الأمريكية في حي الدورة كان السيد مراد يتزف دما وهو الرجل الكبير في السن الذي يعاني من عدة أمراض الشيخوخة، فتكرمت القوة المهاجمة بنقله الى مستشفى إبن سيناء في المنطقة الخضراء لعلاجه خوفا من الفضحية المجلجلة بعد أن تاكد لهم بان المعلومات التي وصلتهم كانت خاطئة وأن البيت يسكنه أناس مسالمون من الكرد الذين لم يوجهوا يوما بنادقهم الى الإصدقاء الأمريكان،بل أن ابن أخ المغدور السفير عادل مراد ينتمي الى حزب كردي هو حليف للأمريكان في حربهم على الإرهاب، وشارك في عملية تحرير العراق وقدم ضحايا كثيرة، وبالطبع لا علاقة للعائلة لا بالارهاب ولا بالمسلحين.
مكث مراد الجريح يومين في مستشفى إبن سيناء وحان وقت التخلص منه، فنقلوه الى مستشفى مدينة الطب في باب المعظم عنوة وهو في حالة اللاوعي تخلصا من الفضحية!.وإعترف ضابط أمريكي جاء الى المنزل في اليوم التالي بأنهم وقعوا في خطأ بمداهمتهم للمنزل وإطلاق النار.. لكن نتيجة ذلك الخطأ كانت وفاة السيد علي مراد فجر يوم 1/1 من العام الجاري، وهذا تاريخ مؤلم بالنسبة لعائلة الفقيد لأن شقيقا آخر للمرحوم قتل مصادفة على يد البعثيين بنفس التاريخ!.
وقدمت عائلة المرحوم عبر السفير عادل مراد رسالة الى الرئيس الأمريكي جورج بوش للإستيضاح عن أسباب قتل هذا الشيخ العجوز، ولكن الرئيس بوش المشهور بزلاته اللغوية لم يستجب لحد الآن لنداء العائلة في كشف أسباب الزلة العسكرية لقواته المناضلة في العراق.
هذا الحادث الأليم بالنسبة لعائلة المتوفي هو واحد من بين مئات الحوادث الأخرى التي قد تكون مخبأة في زوايا منازل العراقيين الذين يلصعب إيصال أصواتهم الى العالم، ويؤكد الحادث وجود إختراق خطير لأجهزة الإستخبارات الأمريكية العاملة في العراق قد تكون من جهات أو مجموعات إرهابية. فكيف يمكن أن تداهم قوة عسكرية بتلك الضخامة منزلا في منطقة سكنية كبيرة من دون الإعتماد على مصادر إستخبارية موثوقة خصوصا وأن حي الدورة في بغداد معروف بزيادة النشاطات الإرهابية فيه. فالحادث إذن يؤكد وجود إختراق خطير لتلك الأجهزة من خلال إعطاء معلومات كاذبة ومضللة لقتل الأبرياء بهدف إحراج الأمريكان، ومادام الأمر كلذك فإقرأ على خطة بغداد التي تقودها القوات الأمريكية منا ألف سلام!.
سبق أن كتبت مقالا في ( إيلاف ) عن عنجهية ووقاحة القوات الأمريكية في العراق، وتصرفاتهم الحمقاء مع المواطنين كقوة إحتلال غاشمة، وأكرر اليوم أن أول ما يحتاجه الأمريكان الذين يبدو أنهم لا يخرجون من العراق مبكرا، هو كسب قلوب الناس وليس قتلهم، لأن القتل قتل سواء كان بنيران صديقة أو عدوة، والعراقييون شبعوا من القتل،أو بالأحرى شبع الموت منهم، وهم ليسوا بحاجة الى أصدقاء يقتلونهم بسبب معلومات مضللة.
وبهذه المناسبة أود أن أشير الى أن هذا الحادث كشف زيف إدعاءات الأمريكان بتسليم السيادة للعراقيين وحكومتهم، فلو كان الأمر كذلك لما ساقوا قواتهم العسكرية لمداهمة حي سكني بحثا عن إرهابيين مزعومين من دون إعلام القوات المحلية، فلو كان الملف الأمني بيد العراقيين وخصوصا بيد أبناء المنطقة ذاتها لكان من الممكن تفادي الحادث الذي سيتكرر دائما في مناطق أخرى من العراق، وهذا ما يجعل الأمريكان أعداء وليسوا أصدقاء كما يزعمون..
شيرزاد شيخاني
التعليقات