من المقرر بموجب الخطة التي نتجت عن التوصل لاتفاق في المحادثات السداسية التي كانت تجري منذ سنوات بين الولايات المتحدة من جهة والكوريين والصينين من جهة أخرى. والتي سيغلق بموجبها النظام الكوري الشمالي في غضون 60 يوماً مفاعله النووي في يونغ بيونغ ومصنع إعادة المعالجة الخاضع لمراقبة المفتشين الدوليين، الذين سيعودون إلى هناك بعد أربع سنوات غياب. وفي مقابل ذلك، ستحصل كوريا الشمالية على 500.000 طن من زيت الوقود، وquot;رفعquot; العقوبات المصرفية الأمريكية عنها والبدء في محادثات ثنائية حول تطبيع العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة. وإذا تم الإغلاق، فسوف يتوقف كذلك انتاج كوريا الشمالية للبلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية- وهي الخطوة المرحب بها رغم أنها خطوة صغيرة جداً. ويرى المراقبون أن الرئيس الكوري الشمالي كيم يونغ لن يقبل التخلي عن الأسلحة النووية ما لم يكن مقتنعاً بأن بقاء نظامه مرهون بذلك، مشيرة إلى أن الضغط الصيني وعقوبات الأمم المتحدة ربما ساعدته في اتخاذ هذا القرار. إن هذه الحصيلة تعتبر مشجعة ولكنها خطوة أولى كما صرحت بذلك كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية.
وهذا الاتفاق كما يجمع المراقبون أيضا ما كان له أن يتم لولا أقتناع الرئيس الكوري من استمراره على رأس السلطة في كوريا الشمالية. إذن بعد ليبيا بات الأمر الأكثر وضوحا هو في أن أية صفقة يعقدها الغرب وخصوصا أمريكا مع أية دولة من دول ( محور الشر ) كما وصفها الرئيس الأمريكي هي في أحد أهم نتائجها استمرار السلطة في هذه الدول تسرح وتمرح في قمع شعوبها. ولهذا النظام السوري مثلا يعرف ماالذي تعنيه صفقة مع أمريكا!؟ والمعارضة السورية أيضا باتت تدرك جيدا هذا الأمر. ولكن الخطير في الموضوع هو في كيفية تعامل قوى المعارضة مع هذا الأمر في مستواه السياسي والبراغماتي؟ وهذا من المفيد أن يكون موضع بحث لوحده. من الخطر الداهم الذي ساعد على أن تضغط الصين وروسيا وحتى الدول الغربية هو الخوف من وحدة الكوريتين في الحقيقة هذا الأمر ما يعيقه عمليا وسياسيا هو الحد الدولي في جنوب شرق آسيا لا يريد لهذه الوحدة الكورية أن ترى النور في هذا الزمن على الأقل. خصوصا أن تغيير النظام الكوري الشمالي يعتبر من الاهمية بمكان لوحدة الكوريتين. فإن تحول كوريا الشمالية إلى دولة تؤمن باقتصاد السوق وبدولة القانون والديمقراطية يجعل أمر الوحدة شبيها بماحدث لألمانيا في التسعينيات من القرن العشرين. ولا عقبة أخرى جدية غير هذه العقبة إذا أضفنا إليها بالطبع ليس من مصلحة الصين ولا حتى اليابان قيام مثل هذه الوحدة. لهذا نحن نعتبر أن هذه القضية هي من القضايا التي جعلت الغرب يساوم النظام الكوري الشمالي. فلا يوجد في الحقيقة معيقات أثنية أو دينية أو طائفية كالتي عندنا تعيق وحدة الكوريتين. ماعدا بالطبع سيطرة حزب العمل الكوري على مقاليد السلطة في كوريا الشمالية بشمولية قل نظيرها في العالم. ومن شأن الدولة التي سوف تنبثق عن هذه الوحدة أن تتحول إلى عملاق اقتصادي وسياسي وعسكري في تلك المنطقة من العالم والتي تعتبر السوق الأوسع والأكثف سكانيا. هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن الصفقة ستجعل من النظام الكوري يواجه أكثر فأكثر استحقاقات التنمية في بلد قوي عسكريا وضعيف اقتصاديا واجتماعيا وعلى الشعب الكوري الشمالي أن يتحمل وزر هذه الصفقة إلى أجل غير مسمى من القمع وأحادية السلطة والتفكير والفقر فلازالت هنالك مناطق في كوريا الشمالية كأنها من مخلفات القرون البائدة. ولا يوجد لدى هذا النظام موردا نفطيا كالذي عند الزعيم الليبي ليغطي به احتياجات التنمية السلطوية من أجل إعادة تجديد سلطته أيضا. ومنذ البدء كانت الأمور واضحة تتعلق بموارد مالية ونفطية أراد كيم جونغ إيل استجرارها من الغرب من أجل تجديد سلطته المطلقة.
ولا نعرف بعد تفاصيل هذه الصفقة لجهة المكاسب الصينية منها، فلم تأتي وسائل الإعلام على ذكر أي خبر يتعلق بهذا الموضوع. أما انعكاس هذه الصفقة على منطقتنا فسنلمسه قريبا. لأن الراحة من كوريا هي العمل من أجل إيران. لم تعد هنالك مشكلة ملفات نووية عالقة بالنسبة للغرب إلا جارتنا العزيزة طهران. وسيتم توظيف مزيد من الجهود من أجل الوصول إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني. هذه الصفقة هي وجه من وجوه الغرب وأمريكا كما هي وجوه الغرب الأخرى!

غسان المفلح