نعم quot; أليس quot; الفلسطينية في العيزرية وليس quot; أليس quot; في بلاد العجائب للويس كارول، ولكن أليس الفلسطينية تعمل العجائب في العيزرية، نعم إنها السيدة الفاضلة أليس سحار أرملة باسيل سحار، كلاهما شارك في تأسيس دار الأولاد في القدس بعد نكبة العام 1948 لرعاية الأطفال الأيتام خاصة أبناء الشهداء.


وفي العام 1972 أسسا مدرسة جيل الأمل في العيزرية، لتكون مدرسة داخلية للأطفال الأيتام والمشردين الذين جارت عليهم الظروف وتعتبرهم الشؤون الإجتماعية حالات خاصة بحاجة إلى رعاية.
ظهرت الفكرة إلى حيز التنفيذ في بيت مستأجر في العيزرية على بعد ثلاثة كيلو مترات إلى الشرق من القدس الشريف، وعمل الزوجان بصمت وأجريا الاتصالات الشخصية مع فاعلي الخير من المجتمع المحلي، ومع مؤسسات أجنبية خيرية، فاشتريا أرضا وأقاما بنائين كبيرين، واحد مكاتب للإدارة وصفوف دراسية والثاني مطابخ وغرف نوم مؤثثة، ومغسلة، وعيادة طبية وحدائق وملاعب، وواصلا مشروعهما.


وفي العام 1986 شعر المرحوم باسيل سحار أن أجله قد دنا، فكتب وصيته وهو بكامل صحته ووعيه وإدراكه، وكانت موجهة لزوجته يقول فيها: quot; إياك أن تتركي رعاية الأطفال الأيتام، أنا راحل quot;
تتذكر أليس ذلك فيأخذها الحزن مع أنها لم تكن مصدقة أنه سينتقل إلى جوار ربه، لكنه مات، فحفظت الوصية وعملت بها.


تجلس معها، تأسرك بلطفها، وجمال تعبيرها، وشوقها إلى مواصلة المهمة التي ارتضتها لنفسها، تدخل المدرسة فيلتف حولها العاملون، إثنان منهما ممن رعتهم وعلمتهم أنهم مجدي السلوادي وجبارة محمودحتى أنهوا المرحلة الجامعية الأولى، ثم أعطتهم عملا في المدرسة، كلهم الكبار والصغار يخاطبونها بـ quot; ماما quot; وهي ترد عليهم بنفس الكلمة وبعاطفة أمومية جارفة، ترى الجميع أبناءها، وتحرص عليهم وترعاهم وكأنها الوالدة التي أنجبتهم من أحشائها، وأبناؤها الأطفال يلتفون حول ابنيها العاملين في المدرسة، فيداعبان هذا ويمسدان شعر ذاك، أسرة متحابة، والأبنان الكبيران يفخران أنهما تربيا في هذا الصرح الكبير، وفي أحضان هذه السيدة العظيمة.


أمها أبنها الثالث محمد موسى سويلم، فقد سلمته إدارة المؤسسة، ولسوء حظنا وجدناه أنا والأخ عبد الله صيام نائب محافظ القدس في مهمة خارجية عندما زرنا المدرسة.


أليس سحار هذه السيدة العظيمة، والتي قامت هي وزوجها الراحل باسيل سحار بهذا العمل الذي لم تقم به حكومات، امرأة لا تحب الشهرة. ولا تحب وسائل الاعلام، فهي تعمل بصمت ولا تريد حمداً ولا شكورا إلاّ من ربّ العالمين، وكلما قامت بعمل انساني يخدم هذه المؤسسة، فإنها تمد اصبعيها السبابة والوسطى وتقبلهما ظاهراً وباطناً وتضعهما على جبينها، وهي تحمد الله تعالى وتثني عليه، فيالها من امرأة رائعة، تنظر باستحياء الى صورة لها وللمرحوم زوجها يجمعهما اطار واحد، ومعلقة على جدار غرفة المدير وتقول: quot; هذه الصورة قام الأبناء وتقصد أبناء المؤسسة بتعليقها في الفترة الأخيرة دون علمي ودون رغبتي quot;.


وأليس سحار هذه السيدة صاحبة القلب الكبير، وصاحبة العقل الراجح، والمتفانية في خدمة الانسانية من خلال رعاية أطفال جارت عليهم الظروف لا تنسى quot; أبناءها quot; الذي تربوا في أحضانها وفي مدرستها، ووفرت لهم التعليم الجامعي والاعداد للحياة، وعملوا وتزوجوا وتركوا المدرسة، بل هي دائمة السؤال عنهم، ودائمة المتابعة لهم، وبعضهم يحتل مناصب رفيعة، ويحصل على دخل مرتفع، ويتبرع بسخاء للمؤسسة الأمّ، ومنهم عزام الذي تخرج قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وهاجر الى المكسيك ليكون محامياً ذا شأن، وليرسل لأمه التي ربته quot; أليس سحار quot; علبة فيها هدايا ذهبية، فتتقبلها شاكرة من الابن البار، لكنها لا تحتفظ بها، بل تقوم بتوزيعها على بناتها اللواتي لم تلدهن، لكنها تقوم بتربيتهن على خير وجه، ويرسل لها التبرعات فتنفقها على أبنائها وتطور لهم مدرستهم مفاخرة بهؤلاء الأبناء، شاكرة الله سبحانه وتعالى على ما أعطاها من محبة الناس، فحب الناس من محبة الله،وعزام هذا كان في طفولته الأولى يردد أغنية بأنه سيكون ماسح أحذية.


وأليس سحار التي ولدت في يافا، تتذكر مسقط رأسها، فتعلو وجهها الجميل تكشيرة حزينة، لكنها مليئة بالتفاؤل والأمل، وتبدي حزنها على الذين سقطوا في الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس، وتقول بنبرة حزينة: quot; أنا حزينة للذي جرى وما كان يجب أن يجري بين فتح وحماس quot;، ثم تتساءل عاتبة quot; لماذا هذا quot;؟


وأليس سحار هذه المرأة الرائدة والفريدة، دائمة الحديث عن أبنائها وبناتها الذين لم تلدهم، تتكلم باستحياء وبفخر أيضاً عن أبنائها الذين ولدتهم من أحشائها، فابنتها البكر راهبة، وابنتها الثانية رفضت الزواج، ولا تريد أن تتزوج لأنها لن تستطيع اسعاد الزوج، فهناك ما يشغلها، انهم البنات اليتيمات والمعوزات، فاستأجرت لهن بناية، لتكون على منوال ما فعله والداها، بيت يأوي اليتيمات والمعوزات، ونذرت نفسها لذلك، وفي هذا العمل وجدت سعادتها وراحة نفسها.


أما الابنتان الأخريان فقد تزوجتا من طبيبين يقيمان في غزة، وهما أمام أمرين أحلاهما مرّ، إما الاقامة في بيت الزوجية في غزة والانقطاع عن القدس وعن الأمّ، أو العودة الى القدس وفقدان الحياة الزوجية، فاختارتا الحياة الزوجية، لتتركا الوالدة التي أحبت الجميع وتحتضن الأخريات، دون أن تستطيع احتضان ابنتيها.


وأليس سحار هذه المرأة العظيمة والتي كما قال الاخ عبد الله صيام زرعت هي وزوجها بذرة الخير، فنمت وأصبحت شجرة وارفة الظلال، لم تتوقف رعايتها على الأطفال الأيتام والمعوزين، بل تعدت ذلك الى المجتمع المحلي حيث أن في مدرستها هذا العام الدراسي 364 طفلاً وطفلة من الروضة حتى السادس الابتدائي، يدرس الطلبة الآخرون فيها ويعودون الى بيوتهم.


ولا تنسى السيدة سحار دور المجتمع المحلي الذي يذكر لذوي الفضل أفضالهم، فتقول فلان تبرع بوجبة طعام لهؤلاء الأطفال، وطبخناها وقدمناها لهم بحضور المتبرع وأسرته، وفلان تبرع بالتدفئة وقام بتركيبها، وفلان تبرع بألفي لتر سولار للتدفئة وهكذا، وتقول بأن مجتمعنا مجتمع خير، لكنه بحاجة الى الأيدي الأمينة التي تعلق الجرس.


وفي غرفة الادراة هناك صورة للقائد العظيم صلاح الدين الأيوبي وكأنها تذكر بأن القدس أسيرة. كما أن هناك صورة مكبرة للعهدة العمرية تذكر بالاخوة الاسلامية المسيحية في الديار المقدسة.
فتحية لهذه المرأة العظيمة التي سيكتب التاريخ اسمها بماء الذهب.

جميل السلحوت