حين سافر الرئيس الطاجيكي امام علي رحمانوف الى مصر في زيارته الرسمية ثم الى سوريا كنت في العاصمة دوشمبية بمحض الصدفة ولا اخفي ان هذا الخبر قد منحني شعورا ما اثناء زيارتي هذه وان الزيارة نقسها قد اختلفت عن سابقاتها فعلى الاقل اضافت بعض الدفء الى احاديثنا الجانبية وص ا رحين يسالوني الناس الذين التقي بهم للمرة الاولى من اين انت؟ وهو سؤال يتردد طرحه عليك وانت في دوشمبية عشرات المرات. واجيب : من سوريا يندفعون بدفء الى قول شيء ما عن سوريا شاهدوه في التلفزيون اثناء زيارة رئيسهم بدلا من المرات السابقة حيث كانوا يسالون ثانية واين تقع سوريا؟.

واصبحت الناس في الجلسات التي احضرها على الاقل تسال عن سوريا وعن طبيعتها وحدودها وناسها ومعيشتهم وكان سوريا مكتشفة للتو في علم الجغرافيا وخرائطها لم تطبع بعد. كانت اسئلة الناس عن كل شيء في سوريا واجوبتي يجب ان تكون على كل سؤال وكانني ممثل رسمي في لقاء رسمي او مؤتمر صحافي...

الدائرة الضيقة من الاصدقاء والناس الذين يربطني بهم علاقات العمل ابوا هذه المرة الا ان يدعوني الى العشاء في مطعم فاخر وسط المدينة سرعان ما انضم الينا اخرون لتتسع المائدة ونلفت بها انظار الموجودين سيما وان احد الحاضرين وبعد ان دارت الفودكا دورتها في جسده ودون علمي طلب من الفرقة الموسيقية ان ترحب بي كضيف من سوريا..

حين الحديث عن سوريا بالنسبة لي على الاقل علي ان اتحدث عن مدينة حلب لانني اعرفها اكثر من اية بقعة اخرى في البلاد و ليست الغاية الاقلال من شان المدن الاخرى والعاصمة فمدينة حلب كانت مقصدي الاول ومدرستي وجامعتي والحضن الذي ترعرعت بدفئه. عندما حدثتهم عن حلب كنموذج لسوريا وثاني اكبر مدنها احسست ولاول مرة بشعور ما بالمسؤولية يراودني وكانني في امتحان لا يجب ان ارتكب الاخطاء فيها فاسترسلت في الحديث عن مدينتي بناء على رغبتهم وكذلك برغبة ذاتية مني. حلب ايها السادة لوحة جميلة في عقارها وعمارها وفي جديدها وقديمها وفي بساطة ناسها وطيبة قلوبهم والكرم وفي المجاملات الحلبية وفي النكات والقدود والمزاج العصبي والعجالة التي يتصف بها ابن حلب وفي عرض البضائع والارزاق والخانات والابواب وتنوع الاعراق والاديان وعلو الماذن والنواقيس... في حلب يعيش المسلمون والمسيحييون واليزيديون وكان كذلك اليهود ويعيش العرب والاكراد والتركمان والارمن والسريان، الاغنياء والفقراء، السواح والاجانب، الصناعات والورش والاقطان والنسيج الحلبي.....

كان علي في هذا الموقع على ما يبدو الا احشر في الحديث سياسة السلطة ونظام الحكم واستهتار المسؤولين وتجبرهم على العباد لكي لا اشوه لوحتي الجميلة التي رسمتها لبلادي فلم اتحدث عن معانات نسبة كبيرة من سكان الاحياء الشعبية في اطراف المدينة وشحة الخدمات وقلة الاشجار والخضرة والحدائق والمتنزهات لان في دوشمبية وحدها وهي بحجم حي من احياء حلب من الحدائق والاشجار والجداول والخضرة ما يفوق حلب بمرات... ولم اتحدث عن الاحكام العرفية وقانون الطوارئ في بلادي وسياسة كم الافواه وقمع الراي الاخر والاعتقال السياسي وتهميش المعارضين وفي بلادهم ورغم حداثة عهدهم بالسياسة والادارة تمكن الفريق الحاكم من وقف الاقتتال الذي نشب في البلاد بعيد الاستقلال والتفاوض مع امراء الحرب والمعارضين و اشراكهم في السلطة وتحميلهم مسؤولية ادارة البلاد وهم الان في مواقع القرار، ولم اتحدث عن نفاق الاعلام والتلفزيون وتستره على الفساد و المفسدين في سوريا لانني وقبل يوم واحد كنت اشاهد على شاشة التلفزيون الطاجيكي جلسة مساءلة بعض الوزراء والمدراء وهم مرتبكون امام الرئيس ومجلس الشعب وامام الكاميرات وكان الرئيس رحمانوف نفسه يسال وزير المال عن سبب تدني العملة المحلية ويسال وزير الزراعة عن سبب ارتفاع سعر الخضار وكيف لسعر 1 كغ خيار ان يصل الى سعر 1 كغ لحم عجل...! ولم اتحدث عن نسبة الانتخابات عندنا وبالامس كانت انتحاباتهم الرئاسية وقد فاز الرئيس بنسبة 63 % من بين خمسة مرشحين ولم اتحدث عن تكبر الوزراء و المسئولين و حتى ابنائهم وذويهم والرفاق والمتنفذين وعن ارصدتهم ومصالحهم وصفقاتهم لانني كنت قبل ساعات برفقة ابن وزير في دوشمبية لا بل كنت عنده في المحل الصغير الذي يعمل فيه اكثر من عشر ساعات يوميا... لست هنا ادافع عن نظام الحكم في طاجيكستان فلا يخلو الامر هناك ايضا من وجود الفساد والمفسدين والبيروقراطيين ومن الممكن ان يكون للطاجيك ماخذهم وانتقاداتهم لسلطتهم ولكني فقط وفقط اقارن... !

على العموم تصافحنا نحن والطاجيك على الاقل اثناء امسيتنا هناك في دوشمبية و كذلك في مراسيم استقبال وتوديع رئيسهم في دمشق ولكن الاهم ان تسفر هذه المصافحة عن ثمر وتقتنع القيادة السورية من جهتها بضرورة فتح سفارة او حتى قنصلية لها في هذه البقعة الخارجة عن اهتماماتها من الارض اي في احدى العواصم على الاقل لدول اسيا الوسطى وتنهي معاناة المئات من السوريين الذين ينتشرون في هذه البلدان بحثا عن لقمة العيش والذين يعانون من مشكلة الاتصال بالسفارة السورية في موسكولبعد المسافة وتكاليف السفروعدم وجود سفارة اخرى اقرب لمراجعتها عند الحاجة علما ان لاسرائيل سفاراتها في جميع هذه العواصم منذ اعلانها الاستقلال و الانفصال عن الاتحاد السوفيتي السابق.

صلاح علمداري

[email protected]