جاءت الزيارة الرابعة لبشار أسد إلى طهران في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والتعقيد والفوضى، ،تناولت المحادثات الأوضاع في المنطقة وفي المقدمة منها لبنان بعد طرح السعودية وإيران quot; أفكاراًquot; لحل الأزمة اللبنانية ً بعد لقاء مكة بين الفلسطينين والوصول إلى اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وتأكيد دمشق لفظيا ًعلى دعمها quot;التوافق الفلسطيني quot;.
ولاشك أن كلا الطرفين أعطيا الإنطباع بأهمية العلاقات الإستراتيجية بين البلدين والنظامين الحليفين
والتي بات شكل العلاقة بينهما ووتيرتها بالنسبة إلى دمشق على الأقل يمثل حاجة أكثر من أي وقت مضى،وليس خافيا ً أن زيارة بشار أسد إلى إيران تهدف الى تنسيق المواقف والسياسات المهزوزة وتطويق الهواجس المتبادلة بعدما برزت تباينات متحركة حول قضاياعديدة تحت سقف التحالف الثابت بينهما، إذ يبدو واضحا ً التمايز بشأن لبنان وفلسطين والعراق والمنطقة، وهذا التمايز أشبه بفراق المصالح بين الطرفين نتيجة العديد من العوامل الجديدة التي طرأت على العلاقة بينهما، أولها وجديدها: هو انفراج العلاقات السعودية الايرانية وتحصيل حاصل العربية، يرافقه تدهور وصل حد العزلة في علاقات النظام السوري العربية،خصوصا مع السعودية، إذ أن عداد قياس علاقات الرياض مع دمشق يشير إلى تراجع مستمر منذ أن تهجم الرئيس السوري الصيف الماضي على القادة العرب واصفاً إياهم بquot; أنصاف الرجالquot;، وثانيها : متعلق بطبيعة آلية عمل النظام الإيراني وحرصه على مصالحه التي باتت مرهونة بنسبة ما بالإنفتاح على الدول العربية وفي مقدمتها السعودية أملا ً في تحييد الموقف العربي تجاهها كحد أدنى في مواجهة ضغط المجتمع الدولي على خلفية مشروعها النووي،وهي تهدف من هذا الانفتاح إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إلى مراهنتها على أن تشكل العلاقة مع السعودية جسرا ً للحوار مستقبلا ً مع المجتمع الدولي حول ملفها النووي، خصوصا ً أن السعودية ودول الخليج يهمها تجنب مواجهة عسكرية بين طهران والغرب نظرا إلى انعكاساتها الخطيرة على منطقة تغوص في التوتر والفوضى والصراعات، ويهم السعودية ودول الخليج أيضا ً الوصول إلى حل سياسي بين واشنطن وطهران التي ترى في هذا الموقف سببا لانفتاحها على الرياض، إضافة إلى سبب آخر مهم هو رغبتها في تجنب تنامي التعبئة السنية- الشيعية في المنطقة، تعبئة بدأت تتحول إلى فتنة مذهبية كانت إيران هي المبادرة إلى النفخ في نارها من خلال نظرية تصدير الثورة الإسلامية أي الشيعية، بدءاً من العراق مرورا ًبدول الخليج وصولا ً إلى لبنان وسورية التي بدأت صادرات إيران المذهبية تلمحها في كل مكان في سورية، ويعود موقف إيران الجديد إلى إدراكها أن استمرارالفتنة بين المذهبين تضعف أوراقها التفاوضية وتغرقها في أتون صراع يضاعف خصومها في ظروف دولية ضاغطة على إيران وعليه يجب تخفيف وتيرتها ولو مؤقتا ً الآن، وثالثها : إن إيران توصلت مع السعودية إلى شبه اتفاق حول تسوية للأزمة اللبنانية قريبة من مضمون مبادرة جامعة الدول العربية، وتعبير آخر تحاول إيران الإيحاء للدول العربية بالاهتمام وبالاستعداد للمساعدة في حل الأزمة اللبنانية لكن ليس عبر البوابة السورية، في وقت يعلن النظام السوري استمرارعصيانه ورفضه التوصل الى أية تسوية في لبنان في إطار المحكمة الدولية أو على خلفيتها ومشتقاتها.
هنا يطرح السؤال نفسه : هل حاولت إيران التوسط للنظام السوري لتدفئة علاقاته العربية، أم تركته وشأنه يرتجف من برودتها؟ أم أن ثمة توزيعا ً للأدوار بين طهران و دمشق ليونة ً وشدة ً حسب مقتضيات اللعبة المشتركة وتقاطع المصالح بينهما؟ أم أن إيران في الأمور المتعلقة بمصالحها لاتحسب حسابا ً لأحد وهي تريد تمرير الوقت في انتظار أين سترسي عليه مراكب الأزمة quot; الايرانية ndash; الاميركيةquot;، خصوصاً أن مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي أعلن quot; أن لبنان سيكون أرض الهزيمة الكبرى لأميركاquot;، تبعه ترداد السيد حسن نصرالله بوتيرة استفزازية بأن حزب الله سينتصر في لبنان ! أردفه رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد بقوله quot; أن إيران ولبنان جسم واحد quot;، مذكراً بمقولة الرئيس الأسد الأب quot; سورية ولبنان شعب واحد في قطرين quot;؟ مسكين هذا لبنان،هل يعيد التاريخ نفسه إلى الوراء؟،وهل أصبح لبنان رهين المحبسين السوري الإيراني الآن؟!.وساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية على الدوام لكل من هب ودب؟!.
وبالمقابل إن الخلاف والاختلاف بين ايران وسورية هو أساسا ً في الموقف من القرار ١٧٠١ الذي أوقف الحرب بينquot; إسرائيل وحزب اللهquot; في حرب تموز 2006، فإيران تنظر إلى الأمر استراتيجيا ً وتريد الاحتفاظ بالقوة العسكرية الضاربة لحزب الله التابع لها في لبنان ولاتريد أن تضحي به مرحليا ً وليست في وارد أن تستهلكه في أزمة النظام السوري المستعصية في لبنان، لأن quot;حزب الله quot; هو ورقة لعب أساسية واستراتيجية تلعب بها إيران ضد اسرائيل وأمريكا اللتين تهددان بتوجيه ضربة عسكرية إليها بذريعة منعها من امتلاك السلاح النووي، أما دمشق فحالها يختلف وقوتها الداخلية والإقليمية في ضموروتراجع مستمرين فرضت عليها تنشيط القيام باتصالات سرية مكوكية مع إسرائيل سندها الوحيد الثابت، تبدي رغبتها لمحادثات سلام أو استسلام أو مساومة أو تفريط بما تبقى من الثوابت الوطنية على مقصلة البقاء في الحكم، قد تكون في حال نجاحها البحصة التي تسند النظام السوري المنهار من جديد لأن إسرائيل تريد الحفاظ عليه ثابتا ً من ثوابتها في ظروف المنطقة المتحركة عشوائيا ً بشكل كبير !.
هنا عند هذه النقطة تحديدا ً يبرز اختلاف أساسي بين الحلفاء في الأهداف والمصالح والأدوار، فإيران توظف ارتباط quot;حزب اللهquot; بها لتعزيز موقفها التفاوضي مع الغرب حول ملفها النووي ومن أجل استمرار تمدد نفوذها الاقليمي في العالم العربي لتحقيق استراتيجيتها المذهبية البعيدة المدى، فيما تستخدم دمشق النفوذ الايراني وquot;حزب الله quot; لحماية نظامها من الإنهيار والذي يعرضه للإهتزاز الفعلي تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة منفذي جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وأيضا ً تريد دمشق استعادة وصايتها المفقودة على الساحة السياسية اللبنانية لأكثر من سبب.
هنا أيضا ً تتمايز المواقف وتفترق المصالح ولا ريب أن همّ القيادة الإيرانية الأول في الوقت الحاضر هو إعطاء quot;حزب اللهquot; الفرصة الكافية لإلتقاط أنفاسه وإعادة تأهيل نفسه سياسيا ً وعسكريأ ً من جديد على الساحة اللبنانية الداخلية، إذ ترى أن الحزب يحتاج إلى فترة تهدئة لإعادة هيكلة نفسه وفق المعطيات الجديدة لبنانيا ً وإقليميا ً، وعليه تدرك إيران أن تصعيد وتيرة الفوضى يمكن أن يفرز تعقيدات في الأزمة السياسية اللبنانية لا تخدم مصالح هذا الحزب ولا مصلحة إيران،لأن التصعيد من quot;حزب اللهquot; مجددا ً يجعله هدفا ً مباشرا ً للخارج،
وعليه ومن خلال جولات التحمية والتبريد في مظاهرات حزب الله الماضية والمستمرة في شوارع بيروت يتضح أن المفتاح الرئيسي للأزمة السياسية في لبنان موجود في جيب السيد علي خامنئي، لكن رغم ذلك إن النظام السوري ما زال قادرا ً على المشاغبة وتعطيل بعض الحلول المطروحة، وبالتالي تحاول إيران البحث عن آلية quot;تحييدquot; مرنة ومؤقتة لدور النظام السوري في لبنان، والنظام الإيراني الذي خبر جيدا ً نظام دمشق وأجاد التعامل معه يعرف أن أساس الموقف السوري يكمن في تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، والنظام السوري وفق المعطيات الحالية يفعل ويقول بأنه لن يتساهل أبداً في موضوع هذه المحكمة، إلى درجة أنه غير مستعد وغير قادر على الحوار في شأنها ولا حتى بسماع أسمها لامن صديق ولا من عدو، في حين لا ترى إيران ضيراً من قيام المحكمة مع مراعاة احترام طلبات quot; حزب الله quot; المتعلقة بالمشاركة السياسية والحفاظ على الصواريخ، رغم أن حزب الله يرفض الربط لسبب ما أو لغاية ما في نفس يعقوب بين اغتيال الشهيد رفيق الحريري وكل الإغتيالات التي نفذت في لبنان،ويصر على اتباع سياسة السياقات المنفردة للإغتيالات !.
وأخيرا ً إن أهمية الزيارة يوضحها دور النظام السوري الضعيف إن لم يكن المعدوم داخليا ً وخارجيا ً والذي يلخصه حالته التي يظهر بها وسلوكه المتميز بالمناورات اللفظية والمساومات، مترافقا ً مع إظهار إيران عضلاتها عبر المناورات العسكرية الحية ويظهر الكثير من أبعادها المؤتمر الصحفي بين الرئيسين المتناقضين في الأهداف والأداء والمصالح،وأيضا ً يوضح نجاحها أو فشلها البيان الختامي الذي أرادته إيران متواضعا ً وإشارة خريفية مركبة لكل من يعنيه الأمر، خلاصتها...أن إيران أولا ً وثانيا ً...وعاشرا ً : حريصة ًعلى مصالحها دون أي اعتبار آخر، وأن علاقتها مع النظام السوري هي أساسا ً لخدمة ذلك وعند اضطرار المقارنة وضرورة الخيار لايعني لها النظام السوري سوى ورقة وعلاقة أصبحت مربكة لها وعالة عليها،بعض مؤشراتها هو توقع البيان بالتاريخ الميلادي والفارسي وغياب الهجري العربي الإسلامي...، هل هو مجرد سهو،أم أبعد من ذلك؟!.
د. نصر حسن
التعليقات