كمواطن، يحق لي اليوم ان اقيم عمل الحكومة العراقية، واحكم عليها ما اذا كانت قد نجحت أم فشلت في مهامها، وذلك بعد مرور أكثر من ستة اشهر على ولادتها، وهي المدة الزمنية التي كنت قد حددتها في مقال سابق، قبل ان احكم لها او عليها.
وقبل ان اصدر حكمي الشخصي على الحكومة العراقية، اود ان ابين ملاحظة في غاية الاهمية، وهي ان المقصود بالحكومة العراقية، كل الزعماء والقادة الذين يشتركون في العملية السياسية بشكل مباشر، وهم، كما نعرف مجموع اعضاء المؤسسات الرئاسية الثلاث، رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، ولذلك فسوف لن ارحم او اغفل اي واحد منهم في مقالتي هذه، من اجل مصلحة العراق والعراقيين.
اقول ذلك لان كل الزعماء والقادة يصرون على تسمية الحكومة الحالية بحكومة الوحدة الوطنية، وان المسؤوليات في الرئاسات الثلاث، متساوية بين جميع الفرقاء وانها مسؤولية تضامنية بين مختلف الاطراف المشاركة، ولذلك لا يحق لاي احد منهم ان يتهرب من المسؤولية او يتحجج باية اعذار.
اما غير المشتركين او الرافضين للعملية السياسية، فهؤلاء في الحقيقة يتحملون القسط الاكبر من مسؤولية الفشل لانهم تورطوا في الارهاب من قمة رؤوسهم الى اخمص اقدامهم، ولذلك فسوف لن اتحدث كثيرا عن هلؤلاء، فدورهم معروف ومسؤوليتهم مفروزة مسبقا.
كما انني لن اتحدث عن دور دول الجوار، خاصة الانظمة العربية الطائفية التي ترتعد فرائصها كلما طرق سمعها مصطلحات مثل التغيير والاصلاح والديمقراطية وصندوق الاقتراع وغر ذلك، في الفشل، كما لن اتحدث عن دور الاخطاء الاميركية والدولية القاتلة في ذلك، وانما احاول ان احصر الحديث في مسؤولية الزعماء والقادة الذين تصدوا للعملية السياسية والذين طالما ظل العراقيون يبررون لهم ويمنحونهم الفرصة تلو الاخرى من اجل تمكينهم لتحقيق نجاح ما.
فما هو الحكم الذي يمكن ان اصدره على الحكومة، بعد مرور اكثر من ستة اشهر على تصديها لمهامها الدستورية؟.
انها، وبكل بساطة ووضوح واسف، حكومة فاشلة بكل المعايير.
فلقد فشلت في تحقيق اي شئ يذكر، كما انها فشلت في تحقيق اي انجاز سوى الشعارات والكلام الفارغ والوعود المعسولة والاماني البائسة، والخطط الميدانية النظرية التي لم تحقق شيئا للناس.
وبذلك تكون هذه الحكومة قد فقدت شرعيتها، لان شرعية الحكم في اي بلد في العالم لا تعتمد على كيفية اختيار الحكومات، بل على قدرة الحكومة لتلبية احتياجات شعبها اليومية.
وللتدليل على فشل (حكومة الوحدة الوطنية) التي تفتقر الى ابسط مقومات النجاح والمتمثل في الانسجام بين اعضائها، اسوق الامثلة البسيطة التالية:
خذ مثلا على ذلك، الملف الامني الذي طالما ظلت الحكومة تعلن يوميا عن خطط جديدة لمواجهة العنف والارهاب، الا ان المحصلة ليست صفرا وانما دون الصفر، فلقد شهدت الاشهر الثلاثة الاخيرة اعنف موجة ارهاب سالت فيها الدماء انهارا، لدرجة ان الكثير من العراقيين، حتى من ضحايا النظام البائد، راحوا يترحمون على ايام (النباش الاول) ولعلكم سمعتم بقصته الظريفة التي ذهبت مثلا بين العراقيين.
اما على صعيد التنمية واعادة البناء، فلم يشهد العراق شيئا من ذلك طوال فترة تصدي هذه الحكومة لمسؤولياتها الدستورية.
وهكذا بالنسبة الى محاربتها للفساء المالي والاداري الذي انتشر كالسرطان في مختلف اجهزة الدولة.
كما ان السيادة ظلت عالقة خلال الاشهر الستة الماضية، على الرغم من كثرة الحديث عنها، خاصة بعد كل اجتماع قمة بين العراقيين والاميركيين على وجه التحديد.
فلماذا فشلت الحكومة العراقية في تحمل مسؤولياتها؟ وهل يحق لها الاستمرار في عملها، بعد كل هذا الفشل المريع؟. وما هو مصير العملية السياسية والديمقراطية الموعودة؟ وما هو الحل المقترح للخروج من الازمة الخانقة التي لا يرى احد فيها اي بصيص امل؟.
لقد حاصرت الحكومة نفسها عندما قبلت بان تنقلب على نتائج صندوق الاقتراع، وتنصاع للمشروع الاميركي الرامي الى تشكيلها على اساس التوافق والمحاصصة، والذي ساوى بين الجميع في الحقوق بغض النظر عما يمتلكه كل طرف من مقاعد في البرلمان، فتم تقسيم السلطة الى ثلاثة اقسام، وبالتساوي، من خلال منح الجميع حق النقض (الفيتو) في كل مرافق ومؤسسات الدولة الجديدة، ما عطل فاعليتها وافرغ محتواها من الحقيقة المقصودة من الانتخابات.
اما اسباب الفشل، فبرأيي، تعود الى ما يلي:
اولا: لم يكن هدف الذين تصدوا للمشهد السياسي العراقي منذ سقوط الصنم ولحد الان، الانسان، بل كان هدفهم الموقع، ولذلك فان كل الذي بذلوه كان من اجل السلطة وللسلطة، وليس من اجل الانسان، وفرق كبير بين من يرمق الموقع بعينه لخدمة الانسان، وبين من يرمق الانسان بعينه للوصول الى الموقع.
فالاول يركل السلطة بقدميه اذا لم تكن وسيلة لاقامة الحق والانصاف بين الناس، اما الثاني، فيركل الناس للوصول الى السلطة.
الاول يقول، والله ما امرتكم هذه الا كعفطة عنز الا ان اقيم حقا او ادحض باطلا، والثاني يقبل بكل الشروط المذلة للوصول الى السلطة.
لذلك ورد على لسان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قوله {ان رسول الله (ص) امرنا ان لا نعطي السلطة لمن يطلبها} اي الذي يبدي تهالكا عليها، لان مثله لا يرعى الا ولا ذمة في الناس، لان هدفه السلطة وليس الناس.
ثانيا: لقد غابت نظرية التمكين من الساحة السياسية العراقية، وحلت محلها نظرية التربص، فكل متربص بالآخر، يعرقل عمله خشية ان يحقق انجازا فيكتب باسمه فياتي على حساب رصيد الاخر.
لم يتمن احد منهم للاخر النجاح، ولم يمكن احدهم الاخر على انجاز مهامه الموكولة اليه، فكانت محصلة عمل الجميع (صفرا) لان التربص يمنع الجميع من تحقيق انجاز ما، كما انه السبب المباشر في فشل الجميع، وان كانوا يضنون بان فشل احدهم نجاح للآخر.
ثالثا: لم يتعامل اي احد منهم كرجل دولة، مسؤول عن بلاد وعن شعب، وانما تعاملوا كشيوخ قبائل او زعماء احزاب او قادة طوائف او مدراء شركات.
لقد غاب مفهوم الزعامة الوطنية بصورة مرعبة، وللاسف الشديد، فلم يعد في العراق زعماء وطنيون، يقدمون مصلحة البلاد على مصالح الفئة، ومصالح الناس على مصالح الاسرة او القبيلة، ومصالح العراق على مصالح هذه المدينة او تلك.
لقد تخندق الجميع كل في بئره، الاسرة، الحزب، الطائفة، القومية، المدينة، فكل شئ كان حاضرا الا الوطن، وكل الاعضاء والمنتسبين والاقرباء كانوا في وعي الزعيم الا الشعب.
رابعا: لقد بدا الجميع، بلا رؤية استراتيجية، فضاعوا واضاعوا العراق بين كومة من التكتيكات المتناثرة التي ان جمعتها الى بعض لم تشكل حتى استراتيجية واحدة، وكما هو معلوم، فان الدول لا تبنى بالتكتيكات مهما كثر عددها، وانما بالاستراتيجيات، مهما قل عددها.
ولانهم بدأوا من دون رؤية استراتيجية لبناء الدولة، فلذلك استعجلوا، ففشلوا.
الشيعة استعجلوا في اقتطاف ثمار المظلومية التي تراكمت في تاريخهم على يد الاقلية الطائفية، فاخافوا شركاءهم في الوطن.
والكرد استعجلوا في جني ثمار المظلومية كذلك والتي تراكمت هي الاخرى على يد الاقلية العنصرية، فلم يبالوا كثيرا بما يجري خارج حدود الاقليم.
والسنة، تمسكوا بالماضي فرفضوا الاعتراف بالخطا، وتاليا الاعتراف بالواقع الجديد، الذي يجب ان يقوم على اساس الشراكة الحقيقية بين كل مكونات المجتمع العراقي من دون استثناء، لدرجة انهم بدوا فيها وكانهم يربطون مصيرهم بمصير الطاغية الذليل صدام حسين، كما يبدو للمتابع انهم يربطون مصير العراق بالماضي.
ولان هذه الاطراف الثلاثة، استعجلت، ولذلك ضاعت حقوق بقية شرائح المجتمع، خاصة من الاقليات القومية والدينية الاخرى.
ولانهم استعجلوا، لذلك قراوا الاستحقاقات بالمقلوب او بشكل ناقص او خاطئ.
السنة، استحقاقات الماضي، وكان ذلك خطأهم القاتل، اذ ظنوا ان الحاضر والمستقبل كالماضي.
الشيعة، استحقاقات الانتخابات، فكان ذلك خطأهم القاتل، اذ ظنوا ان الحاضر الجديد تبنيه استحقاقات صندوق الانتخابات فقط، فنسوا استحقاقات الماضي والاحتلال وتراكم الجهل ومخلفات الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي.
الكرد، استحقاقات الفوضى، وكان ذلك خطأهم القاتل، ظنا منهم بان استقرار الجزء سيدوم في ظل فوضى المجموع، وما دروا بان العراق وحدة واحدة لا يمكن ان يتجزا، فاما ان يستقر كله، او تعم الفوضى جميعه.
خامسا:لقد اسميت مرة {التوافق والمحاصصة وحق النقض، الفيتو} بالثالوث المشؤوم، ويبدو اليوم انني كنت محقا في ذلك، فعندما اعتمد الساسة هذا الثالوث في توزيع الادوار، دمروا الديمقراطية بالغاء نتائج الانتخابات، وشلوا البرلمان والحكومة، وافرغوا العملية السياسية من محتواها الحقيقي.
وما زاد الطين بلة، ان هذا الثالوث اطر العملية السياسية باسوء حالات الاستئثار، الامر الذي ادى الى ابعاد الطاقات العراقية الخلاقة والكفاءات النزيهة والخبرات المتراكمة، لا لسبب الا لانها ليست من ضمن المحاصصات، ايا كان نوعها، لدرجة ان الحكومة تشكلت على اسس غريبة للغاية، فمثلا، بدلا من ان تدور وزارة من الوزارات على الوزراء المرشحين لتولي مهامها، بحثا عن الانسب، راينا ان الوزير المرشح يدار به على الوزارات ليتم له تفصيل وزارة على مقاساته، ولذلك استوزر اشخاص على اساس القاعدة المشهورة ولكن بالمقلوب، فكان {الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب}.
سادسا: العملية السياسية الحالية تمر بازمة ولاء خطيرة، وذلك بسبب التاثير اللامتناهي الذي خلفته سياسات النظام الشمولي البائد، هذه الازمة التي شب عليها الطفل الصغير، وشاب عليها الكبير، عندما لخص الطاغية الذليل صدام حسين العراق بشخصه، فرفع شعار {اذا قال صدام قال العراق} وعندما حرم المواطن من كل حقوقه فلم يعد يتحسس بما يمكن ان يربطه بالعراق والولاء اليه.
لقد كان الولاء في الزمن البائد للطاغية وليس للوطن، واذا اتسع فللعشيرة التي تتمتع بحضوة عنده، او للقرية او المدينة التي ينحدر منها الطاغية، اما الولاء للوطن، فهو آخر ما كان يفكر به المواطن، هذا في حال انه تذكر الوطن، ولم يشغله شغف العيش عن التفكير به.
سابعا: انهم يتعاملون بلامسؤولية غريبة، واحيانا بلا أبالية قاتلة.
خذ مثلا على ذلك، اجتماع مجلس النواب، فان اكثر اجتماعاته تلغى لعدم اكتمال النصاب القانوني، واذا ما اكتمل النصاب ففي حده الادنى، لماذا؟ اولم ينتخب العراقيون نوابهم في هذا المجلس ليجتمعوا ويقرروا؟ ام انهم انتخبوهم من اجل الموقع والراتب والابهة؟.
اعتقد ان ذلك يعود الى احد سببين، فاما بسبب انعدام الشعور بالمسؤولية، او بسبب الاحساس بعم جدوائية الحضور، فتساوى عنده الحضور والغياب، لانه يعلم مسبقا بان القرار لا يتخذ تحت قبة البرلمان وبالتصويت الحقيقي الحر، وانما يتخذ القرار وراء الكواليس وباجتماع قادة الكتل، وهو، في هذه الحالة، ليس اكثر من يد ترفع متى ما اراد الزعيم، وتنزل متى ما اراد كبيرهم، على طريقة (موافق) التاريخية المعروفة.
انه يعلم علم اليقين، بان القرار بيد الكبار، وليس بيد جيش الصغار، فلماذا يحضر ويعرض نفسه للخطر؟ ما يعني ان الصوت في هذه الحالة لا قيمة له في اتخاذ القرارات، خاصة المصيرية منها.
كذلك، فانهم يريدون ان يبنوا العراق ويديروا البلد من سجن المنطقة الخضراء، او من مكان بعيد، باجهزة التحكم عن بعد، لدرجة ان بعض الوزراء لم يزر حتى الان بناية وزارته، وقد مر على تعيينه وزيرا أكثر من ستة اشهر، كما ان بعضهم يدير وزارته من عواصم عربية مجاورة، وكل ذلك بحجة انعدام الامن، وكأن العراقيين لا يكتوون بناره، أو كأن دمه اغلى من دمائهم، او كأنه لم يكن يعرف بذلك عندما قبل الموقع والمسؤولية؟.
ثامنا: وفوق كل هذا وذاك، خدع الزعماء انفسهم بمشروع ما يسمى بالمصالحة الوطنية، الذي وفر لجماعات العنف والارهاب، وللجماعات التي لا تؤمن اساسا بالعملية السياسية ولا بالديمقراطية وادواتها، غطاءا قانونيا يزحفون به على العملية السياسية لتدميرها وذبحها، ليس بالسيف ولكن بـ (القطنة) كما يقول المثل.
هؤلاء الذين يشبه حالهم حال اولائك الذين اسلموا عند رسول الله (ص) ليس ايمانا منهم بالدين الجديد، وانما درءا للخطر وليتسللوا الصفوف من اجل ان يتآمروا على الاسلام ونبيه، اولئك الذين يتحدث عنهم القرآن الكريم بقوله {الذين اتخذوا ايمانهم جنة ليصدوا عن سبيل الله} فاعتناقهم الدين الجديد كان بالنسبة لهم وقاية من الشبهة لتنفيذ مكائدهم ومآربهم ومؤامراتهم ضد الدين الجديد.
وتتكرر الحالة اليوم في العراق، فلقد تسللت مجموعة من امثال هؤلاء الى العملية السياسية، وفي اجهزة الدولة، للكيد بالديمقراطية الناشئة، والتآمر عليها، بعد ان ضمنوا لانفسهم غطاءا قانونيا وشرعيا يحول بينهم وبين الاعتقال مثلا او ما اشبه، وما قصة الكشف عن منزل احدهم والذي تحول الى مصنع لتفخيخ السيارات، لنشر الموت والدمار بين العراقيين، الا نموذج من هذا.
لقد تسلل امثال هؤلاء الى العملية السياسية الجديدة الناشئة وقد ساعدهم في ذلك اكثر من عنصر؛
الاول، بساطة وسذاجة المؤمنين بالعملية السياسية، فما دروا بان هؤلاء ما دخل الايمان بالديمقراطية في قلوبهم لحظة واحدة، وان هدفهم ينحصر في بذل كل الجهود من اجل العودة بالعراق الى سابق عهده، تحكمة الاقلية فتهمش الاغلبية.
الثاني، دعم الانظمة العربية الطائفية التي لا يمكن ان تقتنع بدور للاغلبية العراقية في العملية السياسية، ولذلك ظلوا يدعمونهم بكل الاسباب والوسائل من اجل زرعهم في العملية السياسية لتدميرها في وقت لاحق وعندما تحين الفرصة المناسبة.
الثالث، دور ومواقف السفير الاميركي السابق الطائفي زاد، المعروف عنه حقده الدفين ضد الاغلبية من العراقيين، بسبب اصوله الاثنية وثقافته الطائفية التي شب عليها في مسقط راسه.
وبصراحة اقول؛لقد ابتلي العراق اليوم بزعامات خائفة وقلقة ومترددة، ولا اقول اكثر من ذلك، فاذا بقيت على راس الامور، فعلى العراق وديمقراطيته الوليدة الناشئة السلام.
اما الحل المقترح للازمة، فاعتقد انه ممكن بالخطوات التالية، بعد ان بات من غير الممكن تعديل الحكومة الحالية بما يؤهلها لاستعادة عافيتها من اجل ان تكون بنفسها حكومة انقاذ وطنية قادرة على الابتعاد عن تاثيرات المحاصصة والحزبية الضيقة، كفوءة ونظيفة وغير متورطة بفساد من اي نوع كان:
اولا؛ الاعلان عن استقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة انقاذ وطني مصغرة من عدد محدود من الوزراء، على ان لا يشترك فيها اي من الزعماء الذين اشتركوا لحد الان في مؤسسات الدولة، من الذين اثبتوا فشلهم، فكيف يمكن ان نرتجي الحل في الفاشلين؟.
يجب ان تكون الحكومة المقترحة مستقلة، لتقف على مسافة واحدة من الجميع، فتتعامل معهم من دون تمييز، على ان تكون حكومة متخصصين، غير طائفية او حزبية او حتى سياسية، ولا باس بعد ذلك ان كانت باغلبية من اي شريحة من شرائح المجتمع العراقي.
لقد كشفت تجربة السنين الاربعة الماضية التي اعقبت سقوط الصنم، عن معادن الرجال، ولذلك فان من السهولة بمكان العثور على زعامات وطنية تؤمن بالديمقراطية ولا تتخندق بطوائفها او اثنياتها او احزابها، زعامات لم تتورط بفساد، وصاحبة تجربة وخبرة ودراية، لتقود المرحلة الانتقالية المفترضة.
ثانيا؛ اعلان حالة الطوارئ لمدة لا تقل عن ستة اشهر لحين اجراء الانتخابات التشريعية الجديدة، والضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول العبث بامن العراق خاصة مجموعات العنف والارهاب، والجماعات التي وفدت الى العراق من الخارج.
ثالثا؛ تحديد جدول زمني لاجراء الانتخابات التشريعية الجديدة بالتزامن مع جدول زمني لاخلاء العراق من القوات متعددة الجنسيات، الى جانب خطة فورية لاعادة بناء القوات المسلحة واجهزة الشرطة، ما يؤهلها للامساك بزمام الامور فور اخلاء العراق من القوات متعددة الجنسيات.
رابعا؛ تغيير قانون الانتخابات، والغاء طريقة القوائم، بما يمكن كل مواطن عراقي من الترشيح للانتخابات، لكسر احتكار (الحيتان الكبيرة) للقوائم الانتخابية، على ان تجري الانتخابات تحت رعاية واشراف الامم المتحدة حصرا، ومن دون تدخل العراقيين ابدا، للحؤول دون التزوير والتلاعب والغش.
خامسا؛ تنفيذ الاحكام القضائية العادلة التي صدرت بحق الارهابيين، فورا، والاسراع في اصدار الاحكام القضائية العادلة بحق المتبقين منهم، خاصة من ازلام النظام البائد.
ان الطاغية الذليل وزبانيته وزعماء زقادة الارهاب، كجسد بني اسرائيل لهم خوار يحرض على العنف والارهاب، ولذلك يجب ان يتم نسفهم نسفا فلا نبق لهم اثرا، كما فعل نبي الله موسى عليه السلام، حتى لا يبقى من اثرهم ما قد يحرض ايتامهم على حمل رمزيتهم في يوم من الايام، والتنادي باسمهم وبشعاراتهم الجاهلية المزيفة.
سادسا؛ التطبيق الحرفي لقانون الارهاب، وملاحقة كل من صدرت ضده مذكرة اعتقال او استدعاء او توقيف ممن يحرضون على العنف والارهاب باي شكل من الاشكال، بغض النظر عن انتماءاتهم او هوياتهم، ليتحسس المحرضون جدية القضاء في ملاحقة الارهابيين اين ما كانوا.
سابعا؛ انزال اقسى العقوبات القانونية بحق المتورطين بدم العراقيين وامام الملأ، والكشف عن مصادر تمويلهم ومراكز تدريبهم، والجهات الاقليمية والدولية التي تدعمهم بالمال والسلاح والدعم اللوجستي، ليكون الارهابيون ومن يقف وراءهم وجها لوجه مع العراقيين، ليتم استئصالهم وقطع دابرهم، وتشريد من خلفهم، فلا تجوز المجاملة او المقايضة في ذلك، لانه لا ياتي الا على حساب دماء العراقيين الابرياء.
ثامنا؛ ايقاف كل الخطط الاميركية التي اثبتت فشلها الذريع، وليتيقن العراقيون بان الحل بايديهم اولا واخيرا.
وان اخطر هذه الخطط التي يجب ان تتوقف فورا، هو الحوار مع مجموعات العنف والارهاب، سواء تلك التي تحمل السلاح وتقتل الابرياء، او تلك الموجودة تحت قبة البرلمان، وتدير الارهاب من هناك.
ان فشل هذه الخطط وصل الى حد بحيث بات حتى الاميركيون يتحدثون عنها بصوت عال، بعد ان راحوا يلومون السفير زاد عليها، على اعتباره انه صاحب نظرية مقايضة السياسة بالارهاب، والتي بدأها بدعم وتشجيع وحث من قبل الانظمة العربية الطائفية التي لا تريد ان ترى للاغلبية من العراقيين دورا محوريا ومفصليا في الحياة السياسية.
ان هذا الخيار سيحافظ على انجازات العراقيين، فلا يلغي العملية السياسية ولا ينقلب على الديمقراطية الناشئة.
انه خيار يصون منجزات العراقيين، الذين يجب ان لا يقبلوا باي انقلاب على الديمقراطية في كل الظروف، لان البديل عن الديمقراطية هو الديكتاتورية التي راينا جميعا كيف انها دمرت العراق وانتهت به تحت الاحتلال والارهاب.
يخطئ من يتصور بان المشكلة في العراق سببها صندوق الاقتراع، بل انها تنحصر في الانقلاب عليه بالثالوث المشؤوم (المحاصصة والفيتو والتوافق) فلو كان الساسة قد تعاهدوا على الالتزام بنتائج صندوق الاقتراع، وشكلوا مؤسسات الدولة على اساسها، فاخذ كل طرف حقه في المسؤولية، لما حدث كل الذي نراه اليوم، من تراجع مرعب وعلى مختلف الاصعدة.
اما الخيار الاخرالذي يجري الحديث فيه، فهو الانقلاب العسكري، الذي يجب ان يرفضه العراقيون لانه يعد انقلابا على العملية السياسية برمتها، كما انه يعيدنا الى المربع الاول، وهذا ما لا يتمناه العراقيون باي حال من الاحوال.
اعتقد ان الفرصة لا زالت مؤاتية لانقاذ ما بقي من العملية السياسية، بشرط ان يبادر العراقيون للتفكير بصوت عال، فاعادة النظر بالمسيرة والاعتراف بالخطا واحيانا الهزيمة، ليس عيبا، انما العيب كل العيب اذا ما اصر المرء على ممارسة الخطا ورفض ان يعترف بالقصور او التقصير، لا فرق، فالاول طريق الى النجاح والانقاذ، اما الثاني فطريق الى الفشل المحتم والتدمير النهائي.
اخشى ما اخشاه، هو ان الزعماء يظنون بان العراقيين يصدقون كلامهم المعسول عن النجاحات الوهمية، كما اخشى ان يتباطأ الزعماء في اعادة التفكير فيسري الماء من تحت ارجلهم، على حد قول المثل المعروف، اذا بالاخرين يطردونهم بليلة ظلماء من المنطقة الخضراء ويعلنوا عن النهاية.
نــزار حيدر
[email protected]
20 شباط 2007
التعليقات