علينا ان نعترف كعراقيين ان مشكلتنا الكبرى بانها تكمن فينا وفي فهمنا لتاريخنا الطائفي الذي كان اجدادنا ضحيته على الدوام وانتقل الينا عبر ثقافتنا الموروثه، وان لا نعلق جل ما يحدث على شماعة الاخرين لاننا نساهم جميعا وبلا استثناء بما يحصل رغما عن اردتنا، سواء كنا شيوعيين اوماركسيين اوقوميين وطننين اولبراليين دمقراطيين او مستبدين دينيين او لا دينيين يسارين او يمينين لان ازدواجية الشخصية المركبة التي نتقمصها دون ان نعي هي الدافع،كما ان القدر الزائد من الحرية ساهم بصنع هذه الفوضى التي تلف بلادنا بغالبيتها...

ان ثقافتنا هي كل المركب الحاضن لمعرفتنا وعقائدنا وفنوننا واخلاقنا وقانوننا اكتسبناها كافراد من مجتمعنا الكبير..وحتى امثالنا الشعبية كثفت الحكمة الشعبية ونقلتها لنا كتعبير عن ظاهره معينه حدثت ضمن ظرف عام مر به السابقون..

وللاسف الشديد ان عراقنا كان على الدوام وما زال المجال الحيوي لكل اختلاف وصراع ديني او اقتصادي او جغرافي ولم يكن لاهله دور سوى دورالضحية و المتلقي السلبي في معظم الصراعات التي حصلت بين الحضارات على ارضنا العراقية، فمنذ بداية الصراع بين على ومعاوية والحسين الشهيد ويزيد والاموين والعباسيين والبويهين والعثمانيين والسلاجقة والصفويين والاسماعيليين وائمة المذاهب الاربع والوهابيين والاتراك والانكليز، كل هذا الكم من التاريخ الدموي ومخلفاته ترسب ضمن ثقافتنا، وظل يتنقل وينقل لنا ارثا طائفيا عبر الزمن وهو ارث غير مقبول مطلقنا، وخصوصا بعد ان ولجنا عصر العولمة والاتصالات التي قلصت المسافات بين الشعوب وخلخلت نظم الحكم المستبده وقلصت سيادات الدول والتي هي في طريقها للاضمحلال والافول...

ان محاولات واد الطائفية تجابه من قبل الكثيرمن المعنيين بالموضوع بالرفض او التاجيل او الخوف من اللاحق مما بعد المصالحة؟؟ وبناء عراق ديمقراطي ينعم فيه الانسان بالمساواة والعداله..ان الشرخ الحقيقي هو شرخ فقهي باساسه كان من اللازم حصره ضمن المدرسة الدينيه لانه جدال فلسفي بجوهره لا يغني او يسمن في وقتنا الحاضر ابدا..

ان الخلاف السياسي الصفوي العثماني كان الدافع لاستفحال هذا الخلاف الاستتراتيجي وتحول العراق بفعله الى ينبوع من الدم مازال ينضح ولم يجف..يقول علماء الانثروبولوجيا ان لكل حضارة او ثقافة اثارها الخاصة على سلوك افراد المجتمع، مما يصبغهم بطابع خاص يختلف من مجتمع لاخر،وهذا ما انعكس على ثقافة مجتمعنا طائفيا، والتي اصبحت تراثنا العام الذي انحدر الينا من اجيال سابقة، بشكل سلوك ومشاعربين الافراد والجماعات،وعلاقتهم ببعضهم واننا كمجتمع بشري صارت لنا ثقافتنا خاصة تميزت عن غيرنا من المجتمعات المجاوره،وساهم بصنع هذه الثقافة عدد من الشخصيات والاحداث، وفي كثير من الاحيان لعبت العوامل السياسية والدينية والاقتصادية والجغرافية الدور الاكبرفي عملية الخلق الثقافي هذه،وكان للعثمانيين والصفويين النصيب الاكبربتشريعهم ثقافة القتل على الهوية الطائفية التي استفحلت بشكل متعاظم وخلقت كما كبيرا من الماسي، وكان كربلائات العراق لم تكن كافية وكان الانظمة السابقة لم تكن قد حصدت ارواح ما يقارب المليون عراقي بشتى المناسبات؟؟؟


وبكل صراحة ودون خوف وخجل ساهمت الاحزاب الدينية الان بالنصيب الاكبرلانها تعمل ضمن ايديولوجيتها على اساس مذهبي شيعي وسني،كما انها تفردت تقريبا من خلال استيلائها على السلطةعبر انتخابات قيل عنها الكثير!!!،وان قادة ومنظري هذه الاحزاب يدركون جيدا بان الخلاف الفقهي المذهبي الذي يعتنقونه لم ترتئب تصدعاته ولم تلتئم شروخه المخباة تحت رماد السنين، بفعل ملاين الضحايا الذين قتلهم الصفويين والعثمانيين الذين كان لهم الاثر الكبير على الثقافة الدينية والمذهبية في العراق وايران.ان الامام جعفر الصادق(702-765) والذي كان يراس المدرسة الدينية في المدينه كان في حقيقة الامر زاهدا في الدنيا ولم يطلب لنفسه شيء.

وان استنباطه فقها لمذهب منفصل سمي باسمه كان الزلزال الذي زعزع الدين الاسلامي، ووسع الخلاف السياسي بين المسلمين وتجلى ذلك عند ضعف الدولة العباسية،حيث ظهرت في عهودها المتاخره انشقاقات وانقسامات ضمن المذهب الجعفري،وادى ذلك الى ظهورفرقة الاسماعيليه التي تفضل الامام السادس اسماعيل ابن جعفر على اخيه موسى وهو المقبول من الاكثرية،والاسماعيليه كطائفة يعترفون فقط بسبعة ائمة وعرفهم التاريخ باسم (الحشاشين)..

كما ان التاثير الذي حدث على الدين الاسلامي اثناء سيطرة البويهيين على مقاليد الحكم..وجاء الشاه اسماعيل الصفوي الذي تولى عرش ايران(1502) واجبر غالبية الايرانيين بحد السيف الى التحول للمذهب الشيعي بعد ان كانوا من اهل السنه والجماعه واصبح المذهب الشيعي المذهب هو المذهب الرسمي لايران وفرض على المصلين ادخال لعان الخلفاء الثلاثة الاولين ابو بكر وعمر وعثمان ضمن الصلواة الخمس وخلال الاذان للصلاة الذي اضاف اليه عبارة حي على خير العمل،وكان الشاه اسماعيل شديد البطش والقسوه حيث قام بقتل كل معارض لمذهبه الجديد ويقول(ريتشارد كوك)في كتابه بغداد مدينة السلام ان الشاه اسماعيل عندما قام باحتلال بغداد في العام (1508)ان اول فعل قام به، هو نبش قبر الامام ابي حنيفة صاحب المذهب الحنفي ومن ثم قام بقتل كل اهل السنة في بغداد، ومن الطبيعي ان قام نفر منهم بالجوء الى العشائر المحيطه ببغداد، ولم يسلم من عملية القتل سوى سكان بلدة الكاظمية الصغيره على اعتبار بانها بلدة شيعية.
وبعد اربع سنوات من هذة الواقعة الاليمة التي حلت باهل بغداد صعد نجم السلطان العثماني(سليم ياوز)الذي قال عنه لونكرك في كتابه اربعة قرون من تاريخ العراق انه كان اشرس سلطان عثماني،وكان هذا متطرفا بسنيته حيث استطاع الحصول على فتوى من علماء الدين السنه تجيز له قتل الشيعه وبرد فعل متاخر قام بارسال شرطته السريه لاحصاء السكان الشيعه ضمن سلطنته وبعد ان حدد مواقعهم واماكن تواجدهم امر بقتلهم جميعا في ساعة واحده بخطة رهيبة كانت اكبر مذبحه باغتيال جماعي منظم في العالم حتى ذلك التاريخ تقوم بها الشرطة السرية معلنة تاسيس الدولة البوليسية!!!!

وفي العام [1514]وقعت معركة جالدران الشهيره قرب تبريز انتصر فبها العثمانين على الصفوين وبعد القتال جلس السلطان سليم في وسط ساحة المعركة وهو يتامل جنده وهم يشيدون له هرم من الجماجم البشريه اثناء تاديته صلاة الشكرلله؟؟؟؟؟وبعد سنوات عديده في العام [1534]تمكن السلطان العثماني سليمان القانوني من فتح بغداد حيث جاءها قادما من الشرق بعد اندحار الجيوش الصفويه وهزيمتها من امام مدافعه العملاقة واستسلمت له حامية بغداد دون مقاومة تذكر بعد انسحاب الكثيرين من افرادها،وبعد استقراره قام بزيارة المراقد المقدسة في الكاظمية وكربلاء والنجف ومن ثم مرقد الامام ابي حنيفة في منطقة الاعظمية وامر ببناءه من جديد وشيد خان ودار للضيافة ومجموعة من الدكاكين وبذلك تاسست مدينة الاعظمية من جديد في ذلك العام.


ان مشكلتنا الطائفية ظلت تتفاقم وتتعاظم يوما بعد يوم علما ان الخلاف الذي يقوم على اساس الخصومة بين من يدعي التمسك باصحاب النبي وبين من يدعي التمسك باهل بيته..وهذا الخلاف اوالصراع انتقل الينا بشكله الحالي وصار جزء مهما وحيويا من ثراثنا الثقافي،نحن نعلم الان ان الدوله العثمانية والدوله الصفوية كانتا بعيدتا كل البعد عن القيم الانسانية والاسلامية الحقيقية التي كان يدعو لها اصحاب النبي وال بيته....


ان الخلاف الطائفي ظل يتعاظم بفظل هؤلاء المحتلين ففي عهد الشاه عباس الصفوي الذ احتل بغداد في العام[1623] وبعد حصار دام ثلاثة اشهراطر فيها اهل بغداد الى اكل الجيف والكلاب والحمير لا بل يذكر عباس العزاوي في كتابه العراق بين احتلالين ان البعض من الفقراء اظطروا الى اكل الاطفال!!!!

والكارثةان الشاه عباس قد كان اشد من سلفه اسماعيل لانه اباح قتل كل سكان بغداد المحاصرين ولم يسلم منهم احد من اهل السنه الا من تمكن من تسلق الاسوار اثناء الحصاروهرب،،وقام هذا السفاك بنبش قبري الامام ابي حنيفة والشيخ عبد القادر الكيلاني وغير معالم المكان..وبعدها تقدم نحو بغداد المنكوبه السلطان العثماني مراد الاول وتمكن من فتحها واحتلالهامن جديد وامعن جنوده بقتل حاميتها من الايرانين وسكانها قاطبة دون تفريق وقام على اثر ذلك بزيارة قبر ابي حنيفة وادى صلاة الشكر بكل تضرع وخشوع وكانه لم يبطش ببشر!!!!!

ان هذا الجانب من الثقافة الطائفية السياسية الهمجية ترسخ في تراثنا وانحدر اليناعبر الاجيال وشوه ذهنية الانسان البسيط وكذلك ذهنية رجال الدين الذين كانو السبب بترسيخه ونقله للبسطاء من الناس لابل ان هؤلاء كانوا يعظمون الامور ويهولونها وان هؤلاء هم المروجين الحقيقين للطائفية ونسوا ان اسلافهم المساكين كانوا ضحايا لها ولم يكن لهم يد بتشريعها ان مروجي الطائفية اليوم انحرفوا كثيراعما جاءت به التعاليم الفقهية المستنبطة من الدين وسيروها وفق مصالحهم الذاتية ومصالح حكامهم وسلاطينهم ووضفو الدين بغير مجاله الروحي مستغلين انعدام الوعي الثقافي والفقر بين الفراد الشعب،والان تتكرر التجربه في العراق وبشكل اكبر واعنف واقسى بفعل حداثة الاسلحة وتطور الاساليب.

ان تاسيس احزاب دينية تقوم على اساس المذهب تعيد الى الذهن مباشرة الصراع الصفوي العثماني تقود للصراع الطائفي بشكل حتمي وكان مؤسسيها، لم يقراوا تاريخ الطائفية السياسية، وخلافها العميق ولا واشك ان حكومة الوفاق المستحيل ستتمكن من النجاح رغم الدعم العسكري الهائل والدعم الدولي الكبير الذي لم تحصل عليه اي دوله في العالم بما فيها المانية بعد الحرب العالمية!!!!!

من وجهة النظر ان هذا مستحيل، لان هناك من يعمل على اسقاط الحكومة ومن ضمن الحكومة ومجلس نوابها اكثر مما يفعله الارهابيين،لان الايدولوجيات المذهبية تتقاطع بشده تصل الى العداء السافروالمعلن احيانا وتخرب اية خطوة تخطوها نحو النجاح،والامن واعادة الاعمار،ناهيك عن محركي فرق الموت!!!المطلوب من الاحزاب المذهبية ان تعيد بناء نفسها وبعناوين جديده ووفق اسس وطنية وببرامج تعيد التنمية لبنيتنا التحتية المهدمة وتعيد بناء الانسان العراقي والمجتمع العراقي ووفق اطر مناسبة وتجدد المصالحة مع الذات العراقية المخربة..

ومن الضروري و من اجل النجاح ان تضم هذه الاحزاب على الشيعي والسني معا والكوردي والعربي والمسيحي وباقي القوميات والطوائف الاخرى وان تستمد ثقافتها من واقعنا العراقي بحلوه ومره وان تضع في الحسبان الظروف الرهيبة التي مر بها شعبنا ووطننا طوال سنوات الحكم المستبد ولحد الان.اننا لوتجردنا من انتمائنا الطائفي ونظرنا من زاوية المراقب..وسالنا..هل تسمح تركيا والدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية لحزب شيعي ان يتنفذ في العراق؟؟ سيكون الجواب حتما لا!!! لان الدول ستنعته بانه عميل لايران اولا وامريكا واسرائيل ثانية. ونسال هل ستسمح ايران بما لديها من نفوذ نووي ومركز اقتصادي للسنه ان يقودو العملية السياسية في العراق من جديد؟؟؟ فسيكون الجواب حتما لا؟؟؟ ومن الطبيعي ان ثقافة كل من مجتمع تركيا وايران المذهبية هي مشابهة لثقافة مجتمعنا كون ان اسلافهم العظام!!كانوا هم من شرع للطائفية السياسية!!!!!

لانهم فهموا الاسلام وفق مصالحهم السياسية لا الروحية كما انهم فهموا الاسلام متجردا من انسانيته التي قام وتاسس من اجلهاوخلالها..ومن اجل العراق فقط يجب ان نتجرد بحكمنا وان لانرمي ببيضنا بسلال الغيروحري بنا ان نتامل المثل الشعبي الاصيل الذي تناقل الينا عبر الاجيال المنكوبه من الاجداد والذي يقول ببساطة ووضوح المعنى(بين العجم والروم بلوه ابتلينا)...

ثامر الدليمي
الامين العام للرابطة الوطنية
لزعماء وشيوخ العشائر العراقية