في قصة صابرين الجنابي وسيدة من تلعفر، ما إذا تم اغتصابهما أم لا، ضجت أجهزة الاعلام العربية والغربية من صحف ومجلات ورقية والكترونية وفضائيات وإذاعات وحتى غرف الدردشة منها غرف البالتوك، فوصل هذا الموضوع لأكثر من مداه، بحيث غطى على الاخبار اليومية من قتل وتهجير ومفخخات تحصد أرواح المئات يوميا، فأصبح حديث الناس اليومي في الشارع وحتى بعض البرلمانات، منها البرلمان الكسيح في العراق برئيسه الذي يمثل القليل من صورة الهمجية التي نراها اليوم في البلاد.

هاجت وماجت الحناجر، نسوية أو رجالية، لتصرخ وتنوح على ثلم الشرف الرفيع وعدم سلامته، ولن تغمض العين حتى يراق على جوانبه الدم!!، كل حسب هواه يخطط ويهدد ويتوعد ويستصرخ الضمائر الشريفة وغيرها بكل الاساليب المعتادة منها والمستنبطة لانقاذ الشرف العربي والاسلامي والعالمي المهان وبكارة النساء حتى انه تم الاعتراف من قبل البعض بوجود لجان حقوق الانسان وتمت مناشدتها فأدلت بعضها بدلوها في هذا المجال!!.

أما بخصوص رد فعل الحكومة العراقية في المرة الاولى و الثانية فلا اريد الدخول في مناقشته، فهي لها آلياتها التي يفترض أن تكون قانونية وأداة تنفيذ ومسؤولة في الحكم وفي إقرار الحق، بأعتبارها ممثلة لكل أفراد الشعب العراقي نساء ورجالا واطفالا وكهولا الخ، بغض النظر عن انتماءات وزرائها وموظفيها سواء كانت الطائفية منها والقومية والدينية، ليس في هذه القضية فحسب وإنما في كل مايدور في العراق، وإلاّ فعلى هؤلاء الذين لايحكّمون كلمات القسم الذي اقسموه، بأسم الله العلي العظيم، يوم تسلم مهماتهم كممثلين للشعب كله، عليهم أن يخلوا مناصبهم لمن هم أهلٌ لتنفيذ القسم بحذافيره، لأن مؤسسات الدولة العراقية يجب أن تكون اهلا بمهماتها وتطرد هؤلاء من مواقعهم وتحيلهم الى القضاء.

الحادثتان تلك وخالقي الضجة ومروجيها والذين يردون عليها، وأيضاً الذين يلوكون بها كعلكة اليوم على نمط (طبخة اليوم) وكذلك من يصبون الزيت عليها ـ و كل له مراده في مايسعى ـ ولكن مايثير قرفي لحد الغثيان ان كلتا الحادثتين تتمحوران على مركز واحد هو غشاء البكارة، فيما اذا كانت المغتصبة باكراً، أو ماحول غشاء البكارة من الجهاز التناسلي للمرأة، ودوره في الشرف، وأيضا الوحشية التي تستخدم هذا الجزء من جسم المرأة للحط أو لرفع قيمة الاخر وهو العدو!! بغض النظر عمن يكون هذا العدو، إن كان فرداً أو مجموعة عرقية أو طائفية.

أما الخاسر في كلا الحالتين فهي المرأة المغتصبة التي ما زالت تشكل رقماً ووسيلة يستخدمها الجاني والمدافع عن المجني عليها، وهي ليست أكثر في نظر الجميع سوى ماكنة تفريخ لوقود مدافع هؤلاء واولئك، حتى وصل الأمر برجال دين لهم بطاناتهم التي صارت تعمل بمقولاتهم وترددها وهي ( ان نسائنا ولاّدات)، وما زالت صورة النساء البرلمانيات في العراق لم يطمرها سيل الفضائع اليومية ماثلة في الذاكرة، صورة تلك البرلمانيات اللواتي طالبن بالغاء قانون متطور بعض الشئ لحقوق المرأة، إلاّ صورة بشعة لاستخدام حتى تلك النساء البرلمانيات، علما ان هذه الحالة ليست حالة خاصة بالعراق الحالي بعد التحرير فقط وانما تجري ببرمجة ذكية يوميا ومنذ سنوات في العالمين العربي والاسلامي من قبل تلك الاحزاب الاسلاموية ووقودها النساء في كل الاحوال.

والواضح أن الغيوم السوداء ومرتديات الجبة والقفاز والحجاب عموماً بكل مسمياته وأشكاله، التي تكتسح الشارع العربي والاسلامي وحتى شوارع باريس ولندن ومدن العالم الحضارية الراقية والفتاوي التي تدعوا الى الحجاب، ماهي إلاّ تنفيذ لأشكال قمع المرأة فكراً وجسداً ومن ثمّ جعلها وسيلة للاستخدام الفعال في كل ماتسعى إليه الارادات البشعة للسيطرة والنفوذ. فنسائنا ولادات، وتلك هي مهمتهن فقط عندما تقتضي الحاجة لشن الحروب والهيمنة، والنساء شرف العشيرة عندما تغتصب، وتنتهك نفس العشيرة شرف نساء الخصم حتى وإن كن يتبعن نفس الدين، لمجرد الحط من الرجولة الشكيمة لرجال عشيرة الخصم، وتوء د البنات لنفس السبب، وتكال الشتائم على الخصم ملايين المرات يومياً، وأكثرها رواجاً وقذعاً هي التي تتعلق بالأم وبالأخت وبالإبنة وأعضائها التناسلية، ويفتي عالم دين مؤخراً النساء بلبس حزام العفة ! لكي لايغتصبن من قبل الاعداء وهو يحملهن المسؤولية بدل أن ينصح مريديه بعدم اغتصاب النساء، ولو لمجرد كونها ليست من الاخلاق الانسانية والدينية النبيلة التي يدعوا لها كل دين وقانون افتراضا. فيما يتؤوه بشبق مجنون خطيب جامع سمعته في إحدى غرف البالتوك، عند أداء مهمته لغسل أدمغة مستمعيه الارهابيين، حتى يصبحون جاهزين لتفجير انفسهم في العراق وغيرها من البلدان في الاسواق والمؤسسات العامة، عندما يتحدث هذا الامام عن حوريات الجنة يستعرض كل قطعة من اجساد هذه الاتراب الكعابا وطول وبياض وغضة سيقانهن وتكور أردافهن الذي لامثيل لها على هذه الارض الفانية بطولها وعرضها!!، وعبارات سمجة لا استطيع كتابتها خوفاً من مقص الرقيب الاخلاقي.
وكتجربة شخصية يتجرأ احدهم ان يصرخ بوجهي بأن اعدل حجابي واغطي شعيرات ظهرت على جبيني قبل ان اتكلم، لمجرد ممارسة اسلوب ارهابي لاسكاتي هنا في برلين، لكونهم شخصوا ليبراليتي وجهدي من اجل عراق ديمقراطي حر، وتم ذلك بحضور اثنين من ايات الله العظمى، واحد النواب السابقين الذين شاركوا في كتابة الدستور العراقي الحالي البائس. مورس معي الارهاب الفكري ذاك بحضور جمع من علماء الدين الذين يحركون الحكومة الحالية من خلف الكواليس وبحضور ممثلين لاحزاب المحاصصة الطائفية والقومية في ندوة كان يفترض ان تكون سياسية في احدى الحسينيات التي وصلتني دعوة لحضورها للقاء النائب البرلماني وهي المرة الاولى التي ادعى فيها ( لسماع من اوصلتهم جهودنا نحن المعارضة العراقية الى مراكزهم الحالية عبر اكثر من ثلاثين سنة من مقارعة الدكتاتورية) ولادلو برأيي! ولم يحرك اكثرية الحضور ساكنا لهذا الارهاب الفكري معي، وانا التي استطيع ان ادافع عن نفسي، فكيف هو حال المرأة العراقية التي عانت مرارات اهانة انسانيتها طوال العهود في العراق وفي المدن البعيدة عن بغداد المتخلفة اصلا.

الاغتصاب هو احد اشكال الارهاب النفسي والجسدي كما الارهاب الفكري والديني الذي تعانيه المرأة اولا، وعلى مر التاريخ استخدمت المرأة واعضائها التناسلية وسيلة بشعة لاضطهاد المرأة نفسها، وأيضا لاضطهاد وقمع الآخر، سواء كان شعباً أو مجموعة بشرية أو فرداً واحداً، ولا اجد المكان في هذا المقال وافياً لسرد شواهد تاريخية، عن اشكال الاستخدام هذه سياسياً ودينياً، حتى في اوروبا العجوز وفي التاريخ العربي، والصين وكل الحضارات التي مرت على البشرية، ولكن المؤلم أن تجري في بداية القرن الواحد والعشرين، هكذا حادثتين وتسلط عليها الاضواء بهذه القوة، فيما حدثت مئات الاف من حالات الاغتصاب اثناء حكم الطاغية صدام حسين، وقتلت واغتصبت الاف النساء الكرديات في حملات الانفال، وحتى ان العشرات منهن تم بيعهن الى دور الدعارة في مصر وشمال افريقيا وجرى بيعهن بسوق النخاسة في الخليج، ولم يقف هؤلاء الذين يندبون الآن على الشرف العربي المهان ولم يقولوا ولو كلمة، وايضا حدثت مئات حالات الاغتصاب لنساء من اتباع الديانات غير الاسلامية منذ التحرير واضطرت الاف العوائل للهجرة قبولا بالجوع والغربة خوفا من اغتصاب النساء، ولم تلق كل تلك الفواجع اذانا صاغية. فضلاً عن جرائم الاغتصاب التي تحدث دائما في المجتمع في حالات السلم والحرب وحتى اغتصاب الاطفال.

الواقع أن هذه الضجة وحيثياتها يتم استغلالها لأهداف سياسية بغية زيادة اشتعال الفتنة الطائفية، وصب الزيت على النار، كونها ايضا من اضعف الايمان لاستمرار فتيل الحرب الاهلية القائمة منذ فترة طويلة في العراق وتمزيق الشعب العراقي اكثر فأكثر وهنا يساهم كل هؤلاء بهذه الجريمة، واظهار بعض القوى التي كسرت شوكتها الارهابية بمظهر الضعيف الذي يحتاج للنصرة، ولا اسهل من تهييج الشارع العربي والاسلامي عبر صور امرأة ضعيفة عربية تم اغتصابها وبوجود محتل لايروق للبعض منهم.

ومن الناحية الاخرى يستغل العسكر المغتصبون الهمج موقع القوة وحملهم للسلاح وحقدهم الطائفي وورقة الانتخاب التي زورت من قبل البعض في غفلة من اللاوعي الانتخابي في العراق والارهاب الذي مورس بأشكال عديدة للقفز على السلطة، وليس أخيراً انتهازهم فرصة الحرب لاشباع رغباتهم الجنسية المكبوتة ضد امرأة من الخصم ضعيفة بائسة كل ذنبها انها امرأة ولها جهاز تناسلي هو مركز العالم على ما يبدو عند الرجال في كل الحروب والاضطهادات ومحاولة الهيمنة وفرض السطوة سياسياً او دينياً او اقتصادياً.