إنسجام في الملف الأفغاني... والتهاب على صعيد الحالة العراقية

العلاقات الايرانية الامريكية ملف لازال ملتهبا برغم جميع جولات التقارب في خطوة هنا وخطوة هناك من قبل الجانبين، ومنذ مجيء الخميني الراحل وفي حقيبته لافتات تشير الى امريكا بـ ( الشيطان الاكبر ) بقيت ساحة العلاقات الايرانية الامريكية متذبذبة الى حد كبير، وبين قرارات الحكومة الامريكية ( وعلى راس الهرم فيها قانون داماتو ) وبين تبادل الطرفين اللقاءات على هامش هذا المؤتمر او ذاك يبدو ان الطرفين لا يفارق كل منهما الوعد والوعيد وصيحات التهديد، فيما تبدو بين فترة واخرى اغصان الزيتون تلوح في الافق على استحياء.

لكن سياسة المصالح وما تفرضه استحقاقاتها الكبيرة لها منطقها الخاص، فهي كفيلة في تقريب الاطراف الى الحلول الوسطى وتبادل المصالح كما كانت كفيلة في تضارب الرؤى والاستراتيجيات رغم ما يطفو على السطح من التناطح الاعلامي والرسائل المفخخة.

فالملف الامريكي في السفارة السويسرية بطهران لم يكن كافيا لمصالح الطرفين بعيد احداث ايلول ( 2001 ) بل كان ولابد ان يكون هناك وسيط اكثر ثقلا وثقة بالنسبة للبيت الابيض وكان الترشيح من نصيب جاكستروا وزير الخارجية البريطانية آنذاك، فانه زار ايران ولاول مرة بعد اكثر من عشرين عام مرتين في مدة لم تتخط الشهرين فتقاربت المواقف وصفت الاجواء بين الثلاثة والهدف هو الاطاحة بطالبان وجماعات القاعدة حين جاءت اللحظة المناسبة التي ساهمت في توحيد الاهداف والانقضاض على فريسة سهلة طالما ارقت الاطراف الثلاثة، وكان ما ارادوا فسارت الرياح بما تشتهيه ايران وبما تشتهيه من قبلها واشنطن ولندن، وما ساهم في ذلك التقارب هو ان ايران كانت تدعم اطرافا هي الاكثر اعتدالا في افغانستان والشيعة الافغان معتدلين الى حد كبير فلا قطع للرؤوس ولارجم للنساء وهذا بالذات ما جعل الاوراق الامريكية الايرانية تشترك الى حد كبير كما شاءت المصالح في وديان افغانستان وجبالها الوعرة، فلا شيطان اصغر ولا شياطين كبار طالما التقت مصالح الطرفين.

وبقيت النوايا كما هي حتى بعد تشكيل الحكومة، فالاطراف الثلاثة يتجهون في مسار واحد كما شاءت الصدف في التقاء الاهداف في نقطة الملف الافغاني، ولعل زيارة السيد خاتمي لافغانستان ( فبراير 2002 ) كانت تأكيدا واضح جدا على ذلك الانسجام اذ ان خاتمي كان من اوائل الرؤساء في العالم الذين بادروا لزيارة افغانستان بعد سقوط طالبان.

لكن السياسة كما كانت كفيلة في تقريب الاهداف في الملف الافغاني فهي ذاتها كانت كفيلة في تباعد الرؤى والاستراتيجيات على اصعدة اخرى من اهمها الملف العراقي، حيث ان تلك المنطقة اصبحت خطوطا حمراء تستدعي استنفار كلا الطرفين، ومع ان الجانب الايراني يدعم بعض الاطراف العراقية التي تفضل الخيارات السلمية واتخذت خيار الدخول في اللعبة السياسية والانخراط في الحكم الا ان ايران ايضا لا تفضل ان تضع اوراقها في سلة واحدة، بل تفضل ان تدعم الاطراف الداعية الى الخيار السلمي مع الطرف الامريكي وتبحث عن دعم اطراف اخرى تعزف على وتر السلاح، والاسباب التي تدفع ايران الى انتخاب ذلك الخيار كثيرة جدا لعل اهمها لافتات محور الشر التي تؤرق الحكومة الايرانية والتي بين فترة واخرى تلوح فيها الادارة الامريكية... فايران تحاول اللعب على تناقضات الوضع السياسي في العراق ولعلها تماطل الادارة الامريكية على الاراضي العراقية من اجل كسب الوقت حتى يكتمل مفاعل بوشهر الذي يعول عليه الايرانيون كثيرا في توازن القوى على الصعيد العسكري اقليميا ودوليا، وفي نفس الوقت فايران تحاول ان تبدي للكثيرين بأنها بلد يدافع عن القضايا العادلة ولم يتخلى عن شعاراته التليدة التي طالما استهوت افئدة الكثيرين.

تلك الاستراتيجية الايرانية اثارت حفيظة البيت الابيض، وهذا ما بعثر الخطوة المهمة التي قاربت بين البلدين في الملف الافغاني، لكن الايرانيين دائما يفضلون اللعب بطيف كبير من الاوراق وهذا ما يوفر فرصة كبيرة لنجاح المراوغة السياسية مع الاطراف الدولية حتى لو كان الخصم امريكيا، فهي تحاول وبكل ما اوتيت من قوة، ان تبعث رسالة الى الطرف الامريكي مفادها بان العراق لن يكون مختلفا كثيرا عن الحالة الافغانية وكما احتفظت ايران في مصالحها في افغانستان يراودها الامل ايضا في حصة ليست قليلة في الكعكة العراقية الشهية جدا، ورهان الاطراف في ذلك باهض الثمن والنزالات لازالت مستمرة في حلبة عنوانها العراق.

اما المواطن العراقي فلازال تائها في وسط الاستراتيجيات المتضادة وكبش فداء في لعبة الامم!

جمال الخرسان

كاتب عراقي

[email protected]