الكرد، بطبيعتهم، يميلون الى الإعتقاد او تصديق ما يسوقه الأخرون من و عود لهم حول قضيتهم. و كانت هذه الطبيعة المتجذرة، المتأصلة في شخصية الإنسان الكردي تنعكس بكل جوانبها و خصوصياتها في ردود أفعال الساسة الكرد حيال جميع المشاريع و السياسات الخاصة و الإستثنائية ضد شعبهم، سواءاً تلك التي طبقت من قبل أنظمة دمشق، طهران، انقرة و بغداد، او تلك التي نتجت ( و هي الأخطر ) عن مساومات دولية، و إتفاقات سرية إرتبطت بمصالح عليا للدول العظمى على المسرح الدولي.
ففي الوقت الذي تتسع فيه أزمة العلاقة بين الشيعة و السنة في العراق، جراء إستمرار عمليات القتل و التقتيل المتبادل على الهوية الطائفية،وافقت القيادات الكردستانية على إرسال بيشمركة كردية الى بغداد للمشاركة في laquo;خطة فرض القانون raquo; في مدينة بغداد. و إذا أخذنا بعين الإعتبار مواقف سابقة للقيادة الكردستانية من الصراع الطائفي الدائر و فرص نجاح المصالحة الوطنية، و التي إرتكزت في معظمها جملة و تفصيلاً على نظرة تشاؤومية من تداعيات و نتائج الأقتتال الجاري على مستقبل الدولة العراقية، لوجدنا أنفسنا في حيرة من أمرنا جراء تغير مواقف القيادات الكردية في أهم قضية تشغل بال العراقيين اليوم و هي الأمن، دون حدوث اية تغييرات أو مستجدات تستوجب التغيير من الأساس.
و ما يزال الكرد يتذكرون جيداً، رغم ضعف ذاكرتهم تأريخياً، النتائج و الإستخلاصات التي توصلت إليها رئاسة إقليم كردستان، عندما أكد رئيس الإقليم السيد مسعود البارزاني في برلمان كردستان العراق بعيد زيارته الأخيرة الى بغداد على أنquot; لا يوجد مستحيل في السياسية، إلا ان المصالحة بين السنة و الشيعة هي من رابع المستحيلاتquot; فما الذي إستدعى حدوث التغيير في موقف قيادة إقليم كردستان بأرسال أبناء الشعب الكردي الى أتون الجحيم الطائفي في بغداد؟ يبدو أن الوضع العراقي العام، امنياً و سياسياً، المتمثل في تدهور الحالة الأمنية و إزدياد رقعة المواجهات و حصيلة الضحايا المرتفعة من العراقيين يومياً، بالتزامن مع فشل الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي في تنفيذ ما إتفقت عليه - الكيانات السياسية العراقية الفائزة في الإنتخابات ndash; في برنامج الحكومة، كل ذلك مترافقاً - و هو الأهم، مع الضغوط التي تمارسها إدارة الرئيس بوش على الحكومة العراقية لتحسين الوضع الأمني و توسيع دائرة إشراك السنة في العملية السياسية و إضعاف التدخل الإيراني في الشأن العراقي، قد أدى الى إجبار القادة الكرد على تغيير موقفهم و تحفظهم من أي تدخل في الصراع الدائر.
و من خلال اللقاءات المتعددة و المتكررة، اللافتة للإنتباه، بين القادة الكردستانيين في العراق و المسؤولين الأمريكيين كالسفير خليل زلماي زاده و وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس و غيرهم، ظهرت مؤشرات واضحة على مطالبات أمريكية للقادة الكرد بضرورة أخذ جانب من المسؤولية الأمنية في العراق على عاتقهم، من منطلق موقعهم المحايد في الخارطة السياسية العراقية من جهة، و قدرة القوة الكردية المدربة و المجربة ( في كردستان ) على تنفيذ بعض الجوانب الخطة الأمنية الجديدة من جهة أخرى.
و إزاء هذا الموقف الجديد من قبل الساسة الكرد العراقيين، لا بد من الـتأكيد على أن هذا الموقف لم يجد أي صدى إيجابي بين ابناء الشعب الكردي و خاصة بين المثقفين الكرد على وجه التحديد، بسبب االقلق البالغ من إمكانية أن يتسبب تداعياته و نتائجه على إستقرار إقليم كردستان، و امنه و سيادته. فالكرد تعرضوا منذ تاسيس الدولة العراقية في 1920 الى مجازر و مظالم، راح ضحيتها الآلاف الأبرياء و تم تدمير قراهم و مدنهم، ومورست في حقهم سياسة عنصرية قائمة على تعريب مناطقهم و تهجيرها من أبناءها الأصليين. و هم من هذا المنطلق يجدون أنفسهم بغنى عن تحمل المزيد من الأحزان و دموع الأمهات الثكلى. و أذا كان من واجب القيادة الكردستانية رد الجميل الى الأمريكان على إسقاطهم نظام صدام و خلق واقع و ظرف يسمح فيه بعودة الحقوق للشعب الكردي، فإن ذلك لا يتم حصراً بتعريض الكرد لمخاطر جمة قد تنجم عن تدخلهم في الصراع الطائفي في العراق، و إنما من خلال المساهمة سياسياً عبر ممارسة الضغوط على شراكهم في الإئتلاف العراقي الموحد، و باقي القوى السياسية العراقية الأخرى، لإيجاد حلول سريعة و جدية، بغية الخروج من حالة إنسداد الأفق السياسي و الوضع الأمني الخطير عبر تصحيح مسار العملية السياسية الجارية، بما يخدم و يؤمن مصالح جميع فئات و أطياف المجتمع العراقي.
و في هذا السياق لا بد من تذكير القيادة الكردستانية بضرورة الإرتكان الى الرأي العام الكردستاني عند إتخاذ أي قرار حساس و مصيري يرتبط به حيوات أبناء الشعب الكردي، و إلا فان مصداقيتها في التعبير عن مصالح الشعب الكردي و مستقبلة سيكون عرضة للإهتزاز.. و هو ما لا نتماه أبداً.


زيور العمر