احتلت المسألة النووية الإيرانية، على امتداد السنوات الأخيرة، حيزاً كبيراً من اهتمام المؤسسات البحثية الإسرائيلية، التي عالجت وأشبعت بالبحث والدراسة العديد من الإشكاليات ذات الصلة بتطور البرنامج النووي الإيراني، خصوصاً لجهة خيارات إسرائيل المحتملة، فيما خص التعامل معه، فضلاً عن تأثيراته المستقبلية على أمنها القومي.


خلص أغلب الباحثين الاستراتيجيين، الذين عالجوا إشكالية quot;الخيار الإسرائيلي في التعامل مع المسألة النووية الإيرانيةquot;، إلى أن التهديد النووي الإيراني للأمن القومي الإسرائيلي، أمر واقع في نهاية المطاف.


- اعتبر رؤوبين بدهتسور، المحلل والخبير في الشؤون الاستراتيجية في صحيفة quot;هآرتسquot;، أنه:quot;من المحتمل أن يكون لدى إيران سلاح نووي في نهاية المطاف، وإذا حدث ذلك، فسيكون على إسرائيل أن تتعلم كيفية التعايش مع التهديد الإيراني وإزالته بواسطة الردع الصادقquot;.
- طرح جيرالد ستاينبرغ، الباحث في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، خيار القبول بالأمر الواقع والتعايش مع إيران على أنها دولة نووية، ضمن سلسلة خيارات القيادة الإسرائيلية للتعامل مع إيران مستقبلاً.


- جزم الباحث الاستراتيجي، شالوم فريدمان، أن:quot;إيران-الموجودة في الطريق إلى الحصول على سلاح نووي يزيد من الخطر الوجودي على إسرائيل- ستحصل على سلاح نووي، وليس هناك من يستطيع منع ذلكquot;.


- رأى إفرايم كام؛ الباحث الاستراتيجي المتخصص في المسائل الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصاحب كتاب:quot;من الإرهاب إلى القنابل النووية: أبعاد التهديد الإيرانيquot; أنه:quot;في النهاية، على إسرائيل أن تستعد سلفاً.... لسيناريو يفيد بأن إيران تمتلك سلاحاً نووياً..... لذلك على إسرائيل أن تعرف من جديد تصورها الأمني، وفي ضمن ذلك أن تفحص من جديد سياسة الغموض النوويquot;.


صدرت عن المعهد القومي للدراسات الاستراتيجية (INSS)، في شباط من العام الحالي، دراسة تحت عنوان:quot;إيران نووية: ماذا تعني، وما الذي يمكن فعلهquot;، أعدها إفرايم كام، الذي أعاد التأكيد من جديد بأن على إسرائيل الاستعداد لاحتمال إيران دولة نووية في نهاية المطاف، حيث اعتبر أن خيار تنفيذ عملية عسكرية ضد منشآتها النووية دونه مخاطر جمة، فضلاً عن أن نجاحه ليس مضموناً، إلا أنه على الرغم من ذلك، أوصى بعدم إسقاطه من سلسلة خيارات القيادة الإسرائيلية، فضلاً عن مواصلة الاستعداد للقيام به، إنما ليس على طريق الحدوث الفعلي، بل في سبيل زيادة الضغوط على إيران.
ذهب إفرايم كام في سياق تحليله للسياسة النووية الإيرانية في المرحلة القادمة، إلى أن خيار إيران في نهاية المطاف، ينحصر في إطار السيناريوهات الثلاثة التالية:
- السيناريو الأول: تصل إيران في برنامجها النووي إلى درجة تحصيل القدرة على صنع السلاح النووي، لكنها تقرر الوقوف- بشكل مؤقت- عند هذه النقطة؛ أي تحتفظ بالقدرة على صنع السلاح النووي خلال وقت قصير إذا اقتضت الحاجة (النموذج النووي الياباني).


- السيناريو الثاني: تحوز إيران على السلاح النووي، من خلال إتباعها لسياسة التعتيم النووي، حيث لا تبادر إلى الإعلان عن إنتاج هذا السلاح، ولا تقوم بإجراء تجارب علنية عليه (النموذج النووي الإسرائيلي).


- السيناريو الثالث: تعلن إيران امتلاكها السلاح نووي، وربما تقوم بتجربته أيضاً (النموذج النووي الكوري الشمالي).


لم تختلف دراسة إفرايم كام الأخيرة عن الدراسات الأخرى، لجهة تسليمها بأن إيران دولة نووية في النهاية، إلا أن الجديد الذي قدمته هو أنها رسمت ملامح السياسة النووية الإيرانية في المرحلة المقبلة، حيث رجحت أن تنتهج إيران- في المرحلة الأولى على الأقل- سياسة الغموض النووي، على غرار ما هو قائم في إسرائيل.


يبقى أن التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، قد أقر سلفاً، بعضوية إيران في النادي النووي، في حين، حددت دراسة إفرايم كام:quot;إيران نووية: ماذا تعني، وما الذي يمكن فعلهquot;، آلية انضمام إيران لهذا النادي، إذ تنال الأخيرة، في البداية، عضوية نادي الغموض النووي، ثم تنتقل فيما بعد، إلى النادي النووي العلني، إلا أنها لم تحدد في كلا الحالتين، في أي ناد تكون إسرائيل؟.

عبد العزيز حسونة