في مقال له نشره له موقع كلنا شركاء... وبكل تواضع وإقرار يعترف السيد محمد حبش النائب في مجلس العشب السوري أن المؤسسة البرلمانية في سورية تعاني مما تعانيه المؤسسات البرلمانية في سائر الدول العربية، إذن (ما في حدا أحسن من حدا وكلنا في الهوا سوا)، وحتى لا يكون في كلام النائب كذب أو مبالغة أسرع باستثناء لبنان والكويت والمغرب من هذا التعميم المخجل لحال البرلمانات العربية.


أولا نشكر لحضرة النائب شجاعته الادبية واعترافه بان الدور البرلماني في سورية: (ضعيف لا يرقى إلى الشرط البرلماني المأمول)، غير أننا نلفت الانتباه إلى أن في كلامه خلط للاوراق وإظهار لسورية بانها بلد واقعي يعيش في محيط متعثر فهو يتعثر مع المتعثرين و(يتشركل مع المتشركلين) بينما هو يخفي حقيقة مخيفة هي أن البرلمان السوري لا مثيل له بين البرلمانات العربية الفاسدة في تأسيسه للظلم والفساد والانحياز في صلب قوانينه وليس فقط في عمليات (السلبطة) والتزوير التي يجريها أثناء الانتخابات، وذلك على النحو التالي:
1- وجود المرسوم التشريعي رقم 4 تاريخ 12/4/1990 الذي حدد عدد أعضاء مجلس الشعب ب250 عضوا وحدد أن ثلثاهم أي 167 عضوا يجب أن يكونوا من حزب البعث الحاكم وأحزاب الجبهة الوطنية.
2- أكثر من نصف هؤلاء الاعضاء ال 167 هم من حزب البعث والباقي تتقاسمه أحزاب الجبهة الوطنية الأخرى.


3- يبقى 83 مقعدا من المجلس فقط للمستقلين أي لباقي الشعب السوري الكريم!!...
4- بعد أن يضمن حزب البعث وحلفاؤه نسبة الثلثين من المقاعد النيابية عن طريق قوائم الجبهة الوطنية المطروحة، يفتح باب الصراع بين المرشحين المستقلين لاحتلال ما تبقى من المقاعد في جو quot;ديمقراطيquot; يوفر للحزب الحاكم وبقية أحزاب الجبهة، حقهم quot;الطبيعيquot; في المنافسة على هذه المقاعد، فيقحمون أنصارهم أو يزجون بعض الاشخاص الموالين لهم ويقومون بدعمهم ليحصدوا أغلب المقاعد المتبقية للمستقلين فتصل نسبة نواب السلطة أو الدائرين في فلكها إلى ما يقارب التسعين في المائة من عدد النواب، فأما ما كان للجبهة فهو لا يصل إلى الشعب وأما ما كان للشعب فهو يصل إلى الجبهة، تلك إذا قسمة ضيزى.


والتصويت على القوائم يتم بوصفها كتلة سياسية واحدة لا كونها شخصيات متفاوتة الإمكانيات والكفاءات والنزاهة، يجعل هؤلاء المرشحين في حل من أية مساءلة أو محاسبة طالما أنهم ينفذون أوامر أحزابهم ويصادقون على قرارات وسياسات الحكومة التي ترسمها العائلة المالكة والدائرة الضيقة من المنتفعين حولها.


5- ويساعد على إيقاع الاجحاف أكثر طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية بجعل كل محافظة دائرة انتخابية واحدة وهذا يؤدي لعدم قدرة أي شخص سواء أكان مستقلاً أم ينتمي إلي حزب آخر غير حزب البعث على الوصول إلي قبة البرلمان.. لأنه من المستحيل قيام المستقلين بحملة انتخابية حقيقية في محافظة مثل ريف دمشق مساحتها تساوي مساحة لبنان!!


6- وسيطرة السلطة التنفيذية عمليا على السلطتين التشريعية والقضائية بالاضافة إلى إعطاء صلاحيات موسعة تشريعية وتنفيذية لرئيس الجمهورية منها قدرته على حلّ مجلس الشعب
7- وعدم قدرة مجلس الشعب على حجب الثقة عن الحكومة فضلا عن عدم حاجة الحكومة السورية لنيل الثقة من المجلس منذ عام 1970.


8- وعدم قدرة مجلس الشعب على حجب الثقة عن أي وزير أو اقتراح مشاريع قوانين لمناقشتها، وإنما تحال إليه القوانين من الحكومة لمناقشتها، فضلاً عن أن مجلس الشعب ليس له أي دور في صناعة السياسة الخارجية، ولا يستطيع مناقشة قضايا حساسة ومحورية كالعلاقات السورية اللبنانية أو العراقية وبالتالي يبقى دوره شكلياً.


9- قانون الانتخابات السوري لا ينيط مهمة الإشراف على العملية الانتخابية للقضاء، بل للجنة مركزية تتشكل في كل دائرة انتخابية، وهي هيئة غير محايدة أعضاؤها من الحزب الحاكم وملاكها يتكون من مسئولي أجهزة تنفيذية، يرأسها المحافظ وعضوية قاض quot;يسميهquot; وزير العدل وممثل عن المكتب التنفيذي في المحافظة. مهمات هذه اللجنة تحديد مراكز الاقتراع وتعيين لجانها وإحصاء النتائج. وما يزيد الطين بلة أنها معنية أيضاً بالبت بصورة مبرمة في كل الاعتراضات والشكاوى والطعون التي تقدم خلال العملية الانتخابية، لذا ليس أمام المعارضة الا مقاطعة مهزلة ما يسمى انتخابات مجلس الشعب وهذا ما حصل في الدورة السابقة بالفعل حيث كانت المشاركة لا تتجاوز 7%، وهي نسبة ضئيلة جداً، وهذا ما دعى إليه إعلان دمشق في الدورة القادمة حيث أن المشاركة قد تعني أن الانتخابات شرعية وحقيقية وديمقراطية وهي ليست كذلك.

وإذا أضفنا الى ذلك استمرار حالة الطوارئ والأحكام العرفية لاكثر من أربعين سنة، والتي تمنح السلطات التنفيذية كامل الحق في التدخل بكل شاردة وواردة في الحياة العامة دون إذن أو اعتبار. فالمعروف أنه بموجب قانون الطوارئ الساري المفعول منذ عقود، يمكن للحاكم العرفي أو نائبه أن يقرر ما يراه مناسباً من قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور، كما يملك الحق التام في مراقبة الرسائل والمكالمات الهاتفية أياً كان نوعها، وأيضاً مراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها..الخ، وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرتان quot;أquot; و quot;بquot; من المادة 4 من قانون الطوارئ السوري. فكيف يمكن النظر إلى عملية انتخابية محكومة في كل لحظة من لحظات تطورها بإرادة السلطات التنفيذية وقدرتها على التدخل لتقرير ما تراه مناسباً، بدءاً من شروط قبول الترشيح ومروراً بمنح المرشح الموافقة على الدعاية والنشاط الانتخابيين أو حجبهما عنه، وانتهاء بإجباره في بعض الحالات على سحب ترشيحه أو إلغائه إذا رفض ذلك طواعية.

ونعود إلى السيد حبش الذي يصر على تجاهل كل هذه الحقائق ويسوق المسوغات لشرعنة قوائم الجبهة الوطنية التي تحصد ثلثي الاصوات دون وجه حق فيقول: (ولكنني أقول الآن بكل شفافية إن هذه القوائم أكثر من ضرورية لمقاومة نفوذ المال السياسي، وأعتقد جازماً أنه لولا قوائم الجبهة لم يكن لك أن ترى في المجلس ممن لا يملكون الملايين أستاذاً جامعياً أو قاضياً محترماً أو موظفاً أو فلاحاً حقيقياً) فاخترع لنا معركة مع المال السياسي -الذي يملكه حقيقة أقارب الرئيس- لتسويغ الدجل الداخلي كما اخترعت السلطة قضايا الصمود والتصدي والممانعة لتسويغ الردح الخارجي، وأنهى السيد حبش هذيانه بقوله: (ومن جانب آخر فإنني أعتقد أن تردد المعارضة في المشاركة بالانتخابات سببه ما يشعرون به تماماً في هذه المرحلة من تعزز التلاحم بين القيادة والناس، خاصة بعد أن خرجت سوريا من عنق الزجاجة...) وأظن أن الذي خرج من عنق الزجاجة هو ذنب السلطة ولم يخرج رأسها بعد، وقد يكون خروجه قريبا على يد المحكمة الدولية القادمة،... يرونه بعيدا ونراه قريبا.

محمد زهير الخطيب