نظامُ حكمٍ تعبيرٌ يصفُ كيف تُدارُ شئونُ الدولِ، كيف تنتقلُ السلطةُ من مسئولٍ إلي من يليه. حكمٌ، مصطلحٌ لا تعرفُه الشعوبُ التي تنتمي إلي تصنيفِ المتخلفين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. الدولُ الراقيةُ ديمقراطياً تُدارُ من خلال نظامٍ سياسي يقومُ علي توزيعِ المسئولياتِ بين أشخاصِه، لا توجدُ سلطاتٌ مطلقةٌ، لكلٍ حدودُه، يُحاسبُ إذا تخطاها. المحاسبةُ ركنٌ أساسيٌ في تلك الأنظمةِ، من خلالِ المجالسِ النيابيةِ والصحفِ المعبرةِ بأمانةٍ عن رأي عامٍ حرٍ، واعٍ، يقظٍ. في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ مصطلحُ quot;إدارةquot; يدلُ علي أن تسييرَ أمورِ الدولةِ جزءٌ من منظومةٍ إداريةٍ متكاملةٍ، القائمون علي شئونِ الدولةِ في أعلي مستوياتِها موظفون، ليسو أصحابَ حظوةٍ أو طغاةٍ، تعيينُهم باستيفائهم شروطٍ وظيفيةٍ، ليست شخصية أو لقرابة. في فرنسا وفي بريطانيا وفي ألمانيا وفي غيرها من الدولِ المحترمةِ لرقيِها ديمقراطياً يشيعُ استخدامُ مصطلحِ quot;حكومةquot; للدلالةِ علي المسئولين عن تسييرِ أمورِ الدولةِ، بدءاً من أعلي سلطةٍ، رئيسُ جمهوريةٍ كان أو رئيسُ وزراءٍ.


في الدولِ التي تنتمي إلي تصنيفاتِ ما قبل تاريخِ الحضارةِ السياسيةِ لا تزالُ كلمةُ quot;حاكمquot; مستخدمةً، فيها الكفايةُ للدلالةِ علي كيفيةِ إدارةِ شئونِ تجمعاتٍ يُطلقُ عليها مجازاً دولٌ. إنها إشارةٌ واضحةٌ إلي الحكمِ الفردي المطلقِ، ولو كانت هناك حكومةٌ، ليست إلا لاستيفاءِ شكلٍ سياسيٍ لا بدَ منه في عالمٍ يجبُ التواجدُ فيه ولو علي سبيلِ المنظرةِ. تلك التجمعاتِ البشريةِ تُدارُ من خلالِ دائرةٍ شديدةِ الصغرِ، لا تستوعبُ إلا quot;الحاكمَquot; وأسرتَه ونفراً نذيراً من المقربين. الباقون مهما علت مراتبُهم مجردُ أدواتٍ لخدمةِ من بالدائرةِ، كباشُ فداءٍ لأهلِ الدائرةِ، من السهلِ التخلصُ منهم بالإقالةِ أو بالتهمِ المُعدةِ سلفاً، لا يحق لهم توهمُ الانتماءِ للدائرةِ ولا حتي الاقترابِ منها.


حقوقُ الإنسانِ تعبيرٌ لا وجودَ له في واقعِ تلك التجمعاتِ البشريةِ، الكلُ يعيشُ علي الهامشِ، كرامتُه مستباحةٌ، ولو تصورَ بعضُهم أنهم كبارٌ، لا يحقُ لأحدٍ النظرُ إلي أهلِ الدائرةِ الضيقةِ أو الاقترابُ منهم، الويلُ كلُ الويلِ لمن يتجرأ عليهم، مكانُه في الشمسِ محجوزٌ. المواردُ كلُها لأهلِ الدائرةِ، كلُ الخيرِ ولو شحَ، كلُ النعيمِ ولو ندُرَ، كلُ الولاءِ والطاعةِ، الإعلامُ لهم، مكتوبٌ، مرئيٌ، مسموعٌ، ما من هدفٍ إلا مزاجَهم ورضاهم، له تُدبجُ الدساتيرُ والقوانينُ وتُزلُ أعناقُ أشباه الرجالِ. الحياةُ داخلَ الدائرةِ إدمانٌ، جنونٌ، ولهٌ بالشهرةِ والأضواءِ والسلطةِ.


الحكمُ بالدائرةِ الضيقةِ محدودُ النظرِ بمحدوديةِ الدائرةِ، وبعجزِ دوائرِ المنافقين والمرتزقةِ التي تدورُ في فلكِها وتأكلُ من فتاتِها؛ حكمٌ أخطاؤه فادحةٌ، يسقطُ ولو تصورَ المنعةِ والحصانةِ، التاريخُ لم يكذب ولا الحاضرُ، المنطقةُ العربيةُ شهدَت وستشهدُ،،

أ.د. حسام محمود أحمد فهمي