يقولون أن الديموقراطية في لبنان تختلف عنها في سائر البلدان الأخرى فهي ديموقراطية توافقية بمعنى أن غالبية الشعب لا تستطيع أن تملي رأيها على المجتمع كما لا تستطيع أن تطبق برنامجها السياسي الذي اقترعت لصالحه على واقع الحياة الوطنية، أي أنها لا تستطيع أن تمارس خلاصة العملية الديموقراطية بل عليها أن تتوافق مع الأقلية، التي لم يقترع الشعب لصالح برنامجها، على ما يمكن أن يؤخذ به من برنامجها وما لا يمكن!! بل أبعد من ذلك، فالسياسة التي يمكن للحكومة أن تأخذ بها يتوجب أن تكون محل إجماع سائر الطوائف الدينية والإثنية وعددها ثمان عشرة طائفة!!

ماذا سيبقى ديموقراطياً من هذه الديموقراطية التوافقية إزّاء مثل هذا التفسير للديموقراطية اللبنانية؟ ولماذا العملية الديموقراطية من الأصل؟ لماذا الإنتخابات؟ ولماذا البرلمان؟ ولماذا الأحزاب؟ بل ولماذا الفكر السياسي؟ ـ جوابهم هو أن اتفاق الطائف قال بذلك.

مثل هذا التفسير لاتفاق الطائف يهدف إلى تكريس الطائفية السياسية وهو أمر ذهب الإتفاق إيّاه بقوة إلى إلغائه حيث أوصى بتشكيل لجنة وطنية من الخبراء تتكلف بتدارس السبل الأكثر فاعلية لإلغاء الطائفية السياسية، كما أوصى بتشكيل غرفة ثانية للسلطة التشريعية (مجلس شيوخ) تتمثل فيها سائر الطوائف وتتحكم بمستقبل مختلف الطوائف وبمصائرها وهو ما يضمن إلغاء الطائفية السياسية. فعلامَ يستند هؤلاء الذين يسيئون تفسير الطائف عامدين، وإلامَ يهدفون؟؟

في الأزمة الماثلة اليوم يسيء زعماء 8 آذار تفسير وفهم ما يوصف بالديموقراطية التوافقية حيث أن الوزراء الشيعة من حركة أمل وحزب الله الذين قدموا استقالتهم جماعياً من مجلس الوزراء لم يفعلوا ذلك بسبب قضايا تتعلق بطائفة الشيعة دون غيرها من الطوائف بل بسبب قضايا وطنية هي محل اهتمام سائر الطوائف من شيعية وسنية ومارونية ودرزية وغيرها. الوزراء المستقيلون هم أنفسهم أكدوا ذلك وليس أي جهة أخرى؛ فما الداعي إلى التخرّص بمقولة العيش المشترك التي تخص مصالح الطوائف تحديداً؟ استقال هؤلاء اعتراضاً على تبني مجلس الوزراء اتفاقية المحكمة ذات الطابع الدولي وهو ما يتبناه كذلك قسم كبير من طائفة الشيعة من غير المرتبطين بجهات أجنبية كما هو حزب الله مع إيران وحركة أمل مع سوريا باعترافهما دون تردد أو خجل.

ما على القوى الديموقراطية في كل لبنان وفي شتى الطوائف أن تعارضه بقوة وتفضحه بأعلى صوتها ليس الديموقراطية التوافقية بحد ذاتها بل سوء الفهم المقصود لهذه الديموقراطية الخاصة الذي يسيئه إميل لحود ونبيه بري وحسن نصرالله والجنرال عون وعمر كرامي وسليمان فرنجية ورفيقهم وئام وهاب. على هؤلاء أن يفهموا أن الديموقراطية العددية هي أيضاً ديموقراطية توافقية بمعناها العام. حيث تتوافق فئات واسعة من مختلف الجهات والمهن وquot;الطبقاتquot; على برنامج سياسي معين، تقترع له وتولّي تبعاً لذلك الحزب صاحب البرنامج كل السلطة في الحكم والدولة وعلى الأقلية إذّاك أن تخضع إجرائياً لأحكام الأغلبية. لماذا تملي الديموقراطية اللبنانية على زعيم الأغلبية، سعد الحريري، أن يتوافق مع زعيم الأقلية، نبيه بري، حصراً وليس مع زعماء شيعة آخرين لهم وزنهم من مثل مفتي جبل عامل وصور، سماحة الشيخ علي الأمين، ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان، وسماحة الشيخ صبحي الطفيلي، ورئيس المنبر الديموقراطي النائب السابق حبيب صادق، ومنسق التيار الشيعي الحر سماحة الشيخ محمد الحاج حسن، وغيرهم كثيرون؟؟ القضية هي من يتوافق مع من؟!

رب من يحتج بالقول.. ولكن الشيعة اختاروا من يمثلهم وهم حسن نصرالله ونبيه بري ومحازبيهما ولم يختاروا علي الأمين وصبحي الطفيلي وحبيب صادق. والجواب على مثل هذا الإحتجاج النابي هو أن السنة لم يختاروا كذلك عمر كرامي ولا الموارنة اختاروا سليمان فرنجية ولا الدروز اختاروا طلال أرسلان ولا حتى المسيحيين في الشوف وكسروان اختاروا الجنرال عون حليف سوريا وحزب الله، وكل هؤلاء من زعماء المعارضة وحلفاء سوريا في 8 آذار.

عبد الغني مصطفى