بين 9/4/ 2003 ـ 9/4/2007 مساحة زمنية ممتدة على اربع سنوات تؤشر لمرحلة ( ما بعد صدام ) اما ما قبلها فهي سنوات طويلة من الحصار، الحروب، القهر والجور وان تخللتها محطات هنا وهناك قد تمثل شيئا من استراحة المحارب طيلة قرن من الزمان.
ان هذه المرحلة الجديدة كانت ولا زالت تقيّم من زاوية واحدة دائما وابدا، فإما مراجعة تطبل لها واما نظرة قاسية جدا عليها اما بين ذلك فمن النادر جدا ان تجد بحقها ذلك التقييم المتاني.
انها سنوات حملت معها كثيرا من المعطيات والاحداث سلبا كانت ام ايجابا... ولا يمكن على الاطلاق ان تختزل ( كما يحاول البعض في اغلب الاحيان ) في دوامة الصراع الطائفي او الفئوي بين هذا الطرف او ذاك تلك الطائفة او هذه القومية.
ان ماجلبه الاحتلال رغم انه في كثير من الاحيان له نتائج سلبية الا ان له ايجابيات ليست قليلة لانريد استعراضها في هذه الوقفة ابتداءا من تحسين مستوى الدخل بشكل عام ودخل الموظفين بشكل خاص، او هذا السقف العالي من الحريات الشخصية التي تجاوزت مرحلة الممنوعات وقائمتها الطويلة في زمن صدام حسين والتي تصل الى شبكة الهاتف النقال او الاطباق اللاقطة لابل حتى بعض الفواكه منع استيرادها في العراق! فضلا عن ممنوعية التعددية السياسية وتشكيل الاحزاب او تشكيل الجمعيات او حتى اجراء انتخابات تتمتع ولو بشئ بسيط من المصداقية، كما لانود الوقوف مع الانفتاح الاقتصادي الذي حصل في العراق خلال هذه السنوات الاخيرة وحركة السوق بالاضافة الى رفع الحصار الاقتصادي الذي قسى على المواطن العراقي... كما شهدت هذه المرحلة اسقاط معظم الديون او حتى بعض الفوائد التي كانت تمثل مستحقات على العراق ترتبت كنتيجة طبيعية لغباء الحكومات العراقية السابقة، كل ذلك وغيره الكثير لانود الوقوف معه في هذه السطور بل ما نود الاشارة اليه في هذه الوقفة هو الحقيقة المهمة جدا والتي كشفت عنها بشكل واضح هذه المرحلة، تلك الحقيقة التي تفيد بان المكونات العراقية تقف على ارضية هشة، كما تؤكد على مدى ما وصلت اليه حالة العداء والتنافر بين العراقيين انفسهم.
ان هذه اشكالية كبيرة كشفت عنها الجرعات العالية من الحرية والتي توفرت في زمن الاحتلال وليس كما يعتقد البعض بان من يقف وراء ذلك هو الوجود العسكري الاجنبي في العراق اوهذه الفوضى الامنية، بل انها مشكلة قديمة لكنها كانت تحت الرماد وكلما فعله الاحتلال انه اعطى مساحة من الحرية جعلها تنكشف للجميع، انها ازمة بحاجة اكثر من اي شئ اخر الى شجاعة الاعتراف بها وشجاعة البحث عن حلول منطقية بعيدة عن العواطف والشعارات.
فالكلام الطائفي او العرقي وظاهرة التخندقات هي اساسا متعلقة بعدم البحث الحقيقي في جذور هذه المسألة، فهي ظاهرة قديمة ولكنها لم تكن مطروحة بشكل منطقي يتناسب مع حجمها وحجم تداعياتها واستحقاقاتها الخطيرة، كما ان الكلام عن ان الاحتلال هو الذي خلق المشكلة او غذاها هو كلام غير دقيق ومن يذهب الى ذلك فهو متجاهل اساسا لمشكلة كانت ولازالت موجودة بين مكونات الحالة العراقية وان الذي يتفاجأ او يستغرب من ظهورها بالشكل التالي في الاونة الاخيرة لهو جزء من المشكلة ان لم يكن هو المشكلة بحد ذاتها، بمعنى ان القوة والدكتاتورية والطغيان سوف تلغي هذا الجو من الحرية والانفتاح الذي يؤشر دائما الى المشكلة وحينما لا تتوفر اجواء الحرية ويخيم القسر فلن تكون هنالك مشكلة بالاساس فلن نسمع عن طوائف ولا عن مكونات ولا عن جميع الاشياء الاخرى، وهذا بالضبط ما كان حاصلا في زمن حكومة صدام حسين، وان ما فعله الاحتلال ليس سوى توفير جرعة عالية من الحرية تسمح بشكل طبيعي جدا لبروز المشكلة وطوفانها على السطح، اذ ان كثيرين يعتقدون ان الدولة العراقية الحديثة لم تقم على وحدة المصير وولدت مشوّهة اصلا، فلم يشهد تأريخ العراق الحديث تقاسما للسلطة او مشاركة المكونات الاخرى في القرار السياسي العراقي، بل كان الحاكم دائما هو طرف واحد لابد ان يمسك بقوة ويضرب بالحديد والنار.
الديمقراطية مها كانت واقعية واتت على مقاسات بلدان الشرق الاوسط لن تحل مشكلة بهذا الحجم، ولن تكون دواءا لداء التمزق والتنافر المفضوح في النسيج العراقي، اما الانكى من ذلك هو حالة القفز على هذه الطامة الكبرى والمكابرة عن الاعتراف بها مما يعني ان الازمة لن تجد طريقها الى الحل حتى على المستوى البعيد.
ان ما تقدم هي ام المشكلات في الملف العراقي اما بقية لازمات فجميعها ليست بهذه الاهمية وليست مستعصية على الحلول.
ان اربع سنوات مرحلة لاتشير فقط الى اللون الاحمر ورائحة الفساد الاداري المستفحلة في دوائر الدولة العراقي، انها مرحلة لاتزال رغم جميع ما قيل بحقها تحتاج الى وقفة انصاف بعيدة عن تصفية الحسابات ودوافع العقد.
جمال الخرسان
كاتب عراقي
التعليقات