طيلة الفترة ما بين 16 يونيو / حزيران 1979 و 9 ابريل / نيسان 2003 والتي خلالها حكم الدكتاتور صدام حسين البلاد لم يرى الشعب العراقي من أقصى شماله وحتى أدنى جنوبه غير الظلم والاضطهاد وويلات الجوع والمرض والحروب والمعارك الطاحنة داخل البلاد وخارجه. وبعد إجبار صدام حسين الرئيس العراقي المرحوم احمد حسن البكر على الاستقالة يوم 16 يونيو / حزيران 1979 وتوليه السلطة قام بحملة تطهير واسعة في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي بعد كشفه لمؤامرة انقلابية مدبرة ضده من قبل بعض رفاقه في الحزب، شملت 450 قادة عسكريين وأمر بإعدام 17 من كبار قيادي الحزب الذين خططوا لتنفيذ تلك المؤامرة التي لم تكن الأولى على النظام السابق وبل تبعتها مؤامرات أخرى وفي مناطق عراقية عديدة باءت جميعها بالفشل مكبدة أبناء تلك المناطق الخسائر البشرية والمادية الضخمة. وبعد هذه المؤامرة الفاشلة بدأ صدام بتقوية جهازه الأمني والاستخباراتي وجهاز المخابرات العراقية التي أنشئت بعد اليوم المشئوم 17 يونيو / حزيران 1968 باسم شعبة العلاقات العامة والتي تغيرت أسمها إلى مديرية المخابرات العامة في يونيو / حزيران عام 1973 بعد فشل ناظم كزار مدير الأمن العراقي في الاستيلاء على السلطة وتم تنسيب سعدون شاكر مديرا لها وبرزان إبراهيم التكريتي نائب المدير، وبعد تولي صدام رئاسة البلاد في 1979 عين سعدون شاكر وزيرا للداخلية وبرزان التكريتي مديرا لجهاز المخابرات العامة. ولولا هذه الأجهزة القمعية الظالمة والتي نفق عليها المجرم صدام الأموال الطائلة لما تمكن النظام ألبعثي المجرم أن يحكم العراق قرابة 35 سنة.

صدام الذي كان زمام الأمور كله بيده منذ أول لحظة قيام ثورة 17 ndash; 30 تموز المشئومة وحتى ولو لم يكن رئيسا للدولة العراقية والقائد العام لقواته المسلحة في السنوات العشر الأوائل من حكم البعثيين في البلاد، لم يكن طائفيا أبدا ولكنه كان شوفينيا ودكتاتورا وطاغيا لم يشهد التاريخ الحديث لمثله، ولم يفلت من ظلم واضطهاد صدام وزمرته الباغية فئة من فئات العراق عدا الذين قبلوا العبودية والرضوخ إلى أوامره حتى ولو كان خاطئا. وإن الذين قضوا ربيع شبابهم خلف القضبان الحديدية للغرف الانفرادية وقاعات الأقسام الخاصة في سجون النظام يشهدون على ذلك من خلال تواجدهم مع محكومين بقضايا قومية من عرب وأكراد وتركمان وكلدان وآشوريين وقضايا طائفية من شيعة وسنة وحتى مسيحيين كاثوليك وأرثوذوكس ويهود ويزيديين وصائبة. ولم يفلت من ظلم وحقد صدام مدينة من مدن وادي الرافدين حتى وتكريت مسقط رأسه وأنا شخصيا التقيت بأصغر أفراد عائلة تكريتية في أحد زنزانات المخابرات العامة وكان موقوفا مع اثنان من أشقائه ولم يتجاوز عمر أحدهم السن القانوني وتم الحكم عليهم بالإعدام شنقا حتى الموت بتهمة عدم إبلاغهم عن شخص كان ينوي قتل مجرم من أقارب الرئيس لاعتدائه على شقيقة القاتل المذكور.

أول ما أستلم صدام إدارة البلاد وقيادة القوات المسلحة العراقية أمر زمرته المجرمين بمنع إخواننا الشيعة من إقامة الشعائر الدينية وإحياء مراسيم عاشوراء الإمام حسين ( ع ) وإقامة مجالس العزاء التي كانت تقام كل سنة في مدن عراقية كثيرة كالعاصمة بغداد وكركوك وكربلاء الحسين والنجف الأشرف والبصرة الفيحاء وغيرها وأمر بسياسة التعريب في شمال العراق ضد الأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين وأشرفت الفرق الحزبية على تدمير أحياء تركمانية كاملة في مدينة كركوك ومئات القرى الكردية والتركمانية التابعة لمحافظات كركوك، أربيل، صلاح الدين، ديالى وموصل وتهجير عشرات الآلاف من الأكراد والتركمان إلى مناطق نائية في جنوب العراق، وتشجيع هجرة العرب من بقية محافظات العراق إلى كركوك بغية محو هويتها التركمانية وإسكانهم في دور التركمان التي رحلوا أهاليها بحجة أنهم يوسعون محطة قطار كركوك أو كونها قريبة من أراض عسكرية أو كون أصحاب تلك البيوت معارضين لسياسة النظام الشوفيني بالإضافة إلى بناء أحياء جديدة ومجمعات سكنية وسط الأحياء التركمانية لهم والسيطرة على الأراضي الزراعية التابعة للتركمان والأكراد وقراهم وتسليمها إلى عرب الجنوب، وممارسة كافة المخططات الشوفينية والانتهاكات اللا إنسانية لإجبار أبناء المدينة على تغيير قومياتهم إلى العربية.

بعد عودة آية الله الخميني إلى إيران في أواخر 1979 وقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في يناير/ كانون الثاني 1980 زج صدام الجيش العراقي في معركة طاحنة مع الجيش الإيراني دامت ثمانية سنوات تكبد الطرفين خلالها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والأسرى والمفقودين وتركت ورائها عشرات الآلاف من اليتامى والأرامل، إضافة إلى قيام القوات العراقية بتدمير آلاف القرى الكردية في شمال العراق في عملية الأنفال والإقدام إلى إعدام آلاف الهاربين من الخدمة الإلزامية في الساحات العمومية أمام أنظار الأطفال والنساء، وقطع ألسنة وأذان الآخرين من الهاربين. وبعد انتهاء المعركة التي سماها النظام ب ( قادسية صدام ) في الثامن من أغسطس / آب 1988 والذي سمي ب ( يوم الأيام ) فرح العراقيون بتسريح أبنائهم من الخدمة العسكرية وعودتهم إلى ذويهم ووظائفهم. ولكن هذا الفرح لم يدم طويلا، حيث أمر الرئيس العراقي الذي أعلن نفسه قائد الأمة العربية قادته بغزو الكويت واحتلاله في أغسطس / آب عام 1990 بذريعة إن الكويت فرع من الأصل أي العراق ويجب أن يعود إليه ويصبح المحافظة التاسعة عشر للبلاد، مما فجر غضب جورج بوش الأب ضده وتمكن من جمع دول العالم ضده وإقناع مجلس الأمن من إصدار قرار فرض الحصار الاقتصادي الشامل على العراق. وفي فبراير / شباط عام 1991 بدأت قوات التحالف الأمريكي حرب الخليج الثانية ( عاصفة الصحراء ) وتمكنت من تلقين الجيش العراقي المفروض عليه الحصار الجائر هزيمة لن ينسوها أبدا، ونتيجة القصف الجوي المكثف من قبل طائرات الدول 30 التي تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية دمرت الآلية العسكرية العراقية وتكبد أفراد الجيش عشرات الآلاف من القتلى إضافة إلى الأعداد الكبيرة من الجرحى والأسرى.

بعد هذه الهزيمة التي منيت بالعراقيين في الكويت وفقدان مئات الآلاف من العوائل العراقية لأبنائها وظروف الحصار الشامل وسوء الأحوال المعيشية للعراقيين وبالإضافة إلى كل ذلك ازدياد ظلم وطغيان النظام لأبناء الشعب، انطلقت الانتفاضة الشعبانية في معظم مدن العراق التي سقطت من أيدي حماة النظام الذين فروا إلى بغداد ورمادي وتكريت وموصل اللاتي بقين بيد السلطة فقط. وبعد فترة مابين 7- 14 يوم تمكنت ألوية الحرس الجمهوري والقوات الخاصة من إعادة بسط نفوذها على المدن المحررة من ظلم النظام واحدة بعد الأخرى. وبدون شك كان من أهم أسباب فشل الانتفاضة في بعض المدن وعدم التفاف المواطنين حول القائمين بالانتفاضة آنذاك هو لجوء بعض الجهات السياسية التي شاركت في الانتفاضة إلى القيام بأعمال التخريب والتدمير وقتل الأبرياء والنهب والسرقة. وكان للمجرمين علي حسن المجيد، طه ياسين رمضان، عزت الدوري، محمد حمزة الزبيدي دور ميداني بارز في قمع الانتفاضة في مدن الوسط والجنوب والشمال وتدمير قصبات وقرى وأحياء كاملة من مدن عديدة. لأول مرة في تاريخ العراق وجهت حينها قوات الطاغية أفواه مدافعها صوب العتبات المقدسة في كربلاء والنجف الأشرف وكوفة، وقتل المجرمون الأشرار آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ. ونتيجة القمع الصدامي تشرد مئات الآلاف من العراقيين إلى دول الجوار تركيا وإيران وسوريا والأردن والسعودية وأقام مكتب اللاجئين التابع لمنظمة الأمم لمتحدة مخيمات بالقرب من مدن عديدة في كل دولة ومنها هاجروا إلى معظم بلدان العالم وتغربوا.

وفي 5 أبريل / نيسان 1991 وبموجب قرار مجلس الأمن المرقم 688 عمدت الأمم المتحدة على إقرار المنطقة الممتدة بين شمال خط العرض 36 وجنوب خط العرض 32 منطقة آمنة وحظرت على قوات صدام اجتيازها لتصبح خارج سيطرة النظام العراقي وتفلت من ظلم وطغيانه الذي استمر ضد الشعب العراقي في بقية المحافظات حتى التاسع من أبريل / نيسان 2003 وسقوط صنم صدام، بعد غزو القوات الأمريكية والإنكليزية العراق واحتلاله في 20 مارس / آذار 2003 وتخصيص قوة قوامها 600 جندي أمريكي للبحث عن الرئيس العراقي الذي هرب واختفى في حفرة سميت ب ( حفرة العنكبوت ) في مزرعة قرب قضاء الدور التابع لمحافظة تكريت مسقط رأسه وتم القبض عليه بحدوث الساعة الثامنة مساءا حسب توقيت بغداد بتاريخ 13 ديسمبر / كانون الأول 2003 ومحاكمته في 5 نوفمبر / تشرين الثاني 2006 من قبل القاضي رؤوف رشيد محمد بالإعدام شنقا، ونفذ فيه الإعدام في فجر يوم السبت 30 ديسمبر / كانون الأول 2006، ودفن في مسقط رأسه ب ( العوجة ) التابعة لمحافظة تكريت.

لم يستقر العراق بعد سقوط النظام العراقي ولم يكن وضع شعبه أفضل مما كان عليه في زمن صدام وبل أسوأ بكثير منه. ولم تستفاد من احتلال الأمريكان للبلاد إلا تلك الجهات الشوفينية والطائفية التي أصبحت آلة في يد المحتلين وتنفذ مخططاتها المشبوهة في بقاء العراق تحت سيطرة تلك القوات الباغية التي غزت وادي الرافدين فقط من أجل أطماع بوش وبلير وشارون الشخصية ولا من أجل سواد عيون أبناء الرافدين النشامى وإنقاذهم من ظلم وطغيان النظام الصدامي كما كانوا يدعونه. وطيلة الأربع سنوات الماضية لم يحصد العراقيون نتيجة الاحتلال الذي سموه الأشرار بالتحرير من براثن النظام الدكتاتوري، غير المزيد من الخسائر البشرية والمادية وتدمير مدنهم وفقدان الأمن والاستقرار. السؤال المحير هنا ما هي مهام تلك القوات الغازية والقوات العسكرية والشرطة العراقية التي لم تفلح لحد الآن القضاء العمليات التكفيرية الإرهابية التي تلطخ الشارع العراقي بدماء أبناءها الأبرياء ومعالي رئيس الحكومة العراقية يعلن عن خططه الأمنية الجديدة بين الحين والآخر والتي لن تنفع إحداها وتداوي الجرح العراقي النازف منذ سقوط الصنم وحتى الآن؟ ولو لم تكن حصة الأسد من تلك العمليات التي يسمون جمعيها بتكفيرية وإرهابية، وحتى التي تكبد المحتلين وأفراد الميليشيات الذين انخرطوا في صفوف وحدات الجيش والشرطة العراقية الجديدة بعمليات بطولية لأبطال المقاومة العراقية فلماذا يعجز المحتلين في القضاء عليها؟ وأين مصداقية المحتلين في ادعاءاتهم بأنهم سيساعدوا العراقيين في تشكيل حكومتهم الوطنية التي تحقق الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة لأبناء الشعب كافة دون تمييز بين مكونة وأخرى وتفضيل طائفة على طائفة؟ وهل هذه هي الحكومة التي انتظرها العراقيون بعد حرمان طويل؟ وكيف تستطيع هذه الحكومة أن تحقق الأمن والاستقرار في البلاد لو لم تتمكن من حماية أعضاءها خارج منطقة الخضراء؟

فحصيلة الأربع سنوات من الاحتلال كانت انتخابين غير نزيهين مليئين بالتزوير والتلاعب وانتهاك حقوق الآخرين من قبل بعض الجهات الشوفينية والطائفية التي فرضت سيطرتها على الشارع بقوة ميليشياتها المسلحة التي عناصرها زرعوا الرعب في نفوس المواطنين بتهديداتهم المستمرة لهم، وتشكيل حكومة لا تمثل مكونات وأطياف الشعب العراقي بصورة عادلة، وكتابة قانون إدارة للدولة مثل ما تشتهيها الإدارة الأمريكية ومتطلبات مصالحهم في البلاد ومنطقة شرق الأوسط، وسيطرة الجهات السياسية التي حصلت على أكثر مقاعد البرلمان بالتزوير والخداع والتلاعب على دوائر الدولة وانخراط أفراد ميليشياتهم المسلحة في صفوف أفراد الجيش العراقي الجديدة وقوات الشرطة والأمن العراقي. كل ذلك كان وراء ما يجري الآن في البلاد من اختطافات واغتيالات وتفجيرات واعتداءات ومداهمات وتجاوزات على المواطنين مما أدى تكبد شعبنا العراقي العظيم عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وتشرد مئات الآلاف من المواطنين وبقاءهم بدون مأوى بعد تدمير بيوتهم وقراهم وهجرة أكثر من مليوني عراقي خارج البلاد بحثا عن حياة آمن مستقر لهم ولعوائلهم بعد أن نفذ صبرهم وخابت ثقتهم بالحكومة العراقية التي باتت تحت ضغوط جهات سياسية شوفينية وطائفية تفرض أرائها عليها وتسيرها في تلبية متطلباتها ومصالحها الخاصة وعلى حساب المصلحة العامة في البلاد. فلولا شرفاء وأصلاء ونزهاء العراق وجيرانه الذين يرفضون تقسيمه لنال شراذم تلك الجهات الشوفينية والطائفية الباغية من وحدة العراق وكرامته وقسموه تحت غطاء الفدرالية والديمقراطية التي يجهلون مفاهيمها الحقيقية وقسموه إلى دويلات تحت سيطرة المحتلين الأمريكان والعدو الإسرائيلي ودول المنطقة الأخريات، ولكن هيهات فما دام في العراق أحفاد الثورات الخالدة والشهداء الذين رووا أرض الرافدين بدمائهم الطاهرة، سيفشل جميع المخططات الإجرامية المشبوهة وسيبقى العراق عزيزا وكريما ويرحل عنها المحتلين والأعداء الطامعين والخونة والمجرمين ليعيش أهل العراق وأبناء المنطقة في عز وسلام وأمان دائم إنشاء الله.

أوميد كوبرولو

www.turkmendiyari.blogcu.com