أقرب الأصدقاء لي من العراقيين يبحثون عن هوية؟ شكل من الهوية التي ضاعت أو دمرت أوسلبت،فهم بقرارة أنفسهم ليسوا عربا ًبل عراقيين وبالتالي لايستطيعون الدعوة علنا ً أو الإيمان بفكرة العراق العروبي،وكذلك هم سنة وشيعة ومسيحيون وليسوا أكرادا و(لي من الكورد أصدقاء!!)، ً لكن غالبيتهم ملحدون وعلمانيون ومتدينون وسطيون ومسالمون يهمهم البناء والتقدم واحترام حريات الغير والنساء والأطفال ونبذ العنف والتكافل الإجتماعي والتعايش الأثني وحق تقرير المصير،لكنهم أيضا لايستطيعون أن يقولوا علنا ً من قيعان الفكر والمهج (مالذي يريدونه من الأكراد)، ولماذا تخفت دقات القلوب وتتبرطم الشفاه حين سماعهم فكرة( قيام دولة للأكراد)،على الرغم من سخريتهم المالحة من دول قامت متفرقة وهي بالأساس عبارة عن قبائل بدوية متشابهة في اللغة والدين والمذهب والملبس والتقاليد والتاريخ تتكون من بضعة ألاف بشرية وليس ملايين كما هم الأكراد المختلفون بكل شيء عن العرب والفرس والأتراك،عن سنة العراق وشيعته وبالتحديد الأن،ولكي لايفسد التعميم القول،فان غالبية سنة العراق ميالون للعروبة ودولها بما فيها اليمن السعيد وقطر ودمشق والزرقاء،وغالبية الشيعة ميالون لإيران وحزب الله وشيوخ النجف وقبورها المقدسة وكربلاء الحسين وملاطم الناس العاطلين عن العقل،بينما يجد الأكراد وهم (سنّة ) أن لا ولاء سوى لـ(كورد ستان) ولا ميلا ً سوى لأميركا،والصراع الأقليمي هو مسرح الولاءات في منطقة يعيش فيها البشر قلقون منذ مئات السنين.

لا أود هنا أن أتناول التاريخ الحديث (قبل إختراع الكاميرا )، بتفصيلات مملة بخصوص الدولة العثمانية (دولة الخلافة الإسلامية المزعومة) ومكوناتها الإستعمارية، ولكن لننظر بما قام به عرب الحجاز في العقد الثاني من القرن العشرين بقيادة الشريف حسين وإبنه فيصل،وكيف وصف القادة العثمانيون الأتراك(على الخصوص ) العرب وثورتهم (الكبرى ) بقيادة لورنس وفيصل وعودة أبو تايه وشريف مكة،من إنهم (بدو) غدارون وعملاء للكفار البريطانيين وكيف حذر انور باشا القنصل البريطاني من مغبة التعاون مع قوم لهم مشاكل مع أنفسهم وزوجاتهم وبغالهم،وحين إلتحق الضباط العرب العثمانيون من البغادة والدمشقيين بثورة الشريف،أصدر البيت العالي أحكامه بإعدامهم،وقد شنق جمال باشا (السفاح ) بعضهم في بيروت ودمشق وحلب،وقد جرت الأمور في خضم حرب عالمية كبرى،ليست حرب بين الغرب والإسلام،أو بين قوميات متشابكة،بل بين قوى عالمية كبرى أنذاك كما هو معروف، تتقاتل على مصادر الطاقة ومواقع النفوذ والأراضي،ولولا مصلحة بريطانيا العظمى في إحداث أكبر الضرر والتفتيت في الدولة العثمانية العدوة،لما كانت (للثورة العربية الكبرى ) أهمية تذكر،وهذا ليس بالأمر المعيب للعرب أو الأنكليز،فمصالح الشعوب والدول هي مصالح تتشارك أو تتخالف،فيتم صنع التحالفات ورسم المستقبل القريب على الأقل،لكن ماأنتجته الثورة العربية الكبرى والحرب العالمية الأولى،هي دول عربية شبه مستقلة،لكنها (عربية ) على كل حال،فيما حرم الأكراد من ذلك لأن قادتهم كانوا يؤيدون الدولة العثمانية ويساندوها (مذابح الأرمن مثالا )،ولو إن بعضهم قد تمردوا وشقوا الطاعة عليها.

حين يفلسف بعض الأكراد قضيتهم ويدافعون عنها، ينسى بعضنا كيف يفلسفون قضيتهم بل قضاياهم، وحين يقول الأكراد في العراق وفي كل كردستان نحن محاصرون مثلما حوصرت إسرائيل، يستهزأ بعضنا بهم فهم ليسوا يهودا ً بل مسلمين، والأكراد خاصة في العراق يحبون العراق، لكنهم يريدون كيانهم الخاص بهم، وقد شكلوه وهو يعمل أكثر من محافظات الجنوب ووسطه في العراق الممزق،والناس تشهد بذلك،وهم يستعينون بأمريكا وإسرائيل في التصنيع والزراعة والتسلح،فل يستعن أعداؤهم بشياطين المجن والجان والهلوسات والشتائم،أما المنطق والقانون(الأمم المتحدة والجامعة العربية ) فيقول لجميع سكان جغرافية الدول العربية الشارقة والغاربة بحق تقرير المصير في الهوية والعيش والملبس وحق تقرير المصير كالبربر والأكراد والدروز والأرمن...الخ، وكيف يحمي الأكراد أنفسهم من الهمج الذين يقتلون كل العراقيين ويفجرون الجسور التاريخية،فلهم في ذلك آية (لاتقتل كرديا إذا كنت كرديا )!!.


إجلس مع أي كردي قوميا ً كان أو كونيا ً من سليمانية العثمانيين أو من أربيلو الأشوريين، فلا تجد َ خلافا ً بينهم على كوردستان، يتفق الأكراد بينهم على وطن لم يصنع بعد، ويختلف مستعمروهم السابقون أو الحاضرون عليهم ويتعاركون،والأكراد في كل بقاع العالم يرفعون علما ً لدولة أو أحزاب،لكنهم لايحبذون أعلام سوريا والعراق وتركيا وإيران،بل يرفعون عاليا علم كوردستان،على عكسي وبعض أصدقاء،لاعلما ً لنا ولا شعار سوى البشر.

واصف شنون