قد طال بنا الحديث حول الحرية ولا تزال الالسن طرية بها، إلا أن الواقع له حكمه وأثره على القرار والممارسة والسلوك، وفي هذا العقد من الزمان وفي خضم الحديث عن الحريات واستقلال الشعوب المضطهدة وحق تقرير مصيرها، وما تحملها الرسالة الامريكية للشعوب المغلوب على أمرها، كان من المفترض أن تكون الأمور جاريةً في هذا المجرى، وقد ذهب أسامة القفاش في مقاله (أمريكا وسياسة التغيير) إلى أنه [ في 1917 دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب دول الحلفاء ضد الألمان والنمساويين والأتراك تحت شعار (نقاط ويلسون) الرامية إلى منح حق تقرير المصير للشعوب والقوميات التي كانت تحت سيطرة هذه الإمبراطوريات القديمة. ومنذ ذلك التاريخ، يتوالى التدخل الأمريكي في دول العالم كله تحت شعار quot;الدفاع عن الديمقراطيةquot;. وقد ازداد هذا التدخل بشكل واضح بعد الحرب العالمية الثانية، ومع انقسام العالم quot;لدول الستار الحديديquot; أو الكتلة الشيوعية quot;ودول العالم الحرquot; أو الكتلة الرأسمالية؛ وتحت شعار quot;درء الخطر الشيوعيquot; أو quot;نظرية الدومينوquot; التي تهدف إلى منع تساقط الدول المختلفة في براثن الشيوعية. تزايد التدخل الأمريكي في كل أنحاءالعالم، بدءًا من كوريا عام 1951 ثم إيران 1954 ثم فيتنام 1964 وكذلك الهند الصينية 1970](1). وكان لعالمنا الإسلامي حظه الوافر من هذه التدخلات وأصبح مسرحاً لحسابات العملية الغربية بغض النظر عن المسميات، فالغرب يبرر تدخله في حياتنا السياسية بحجة تغيير السلطات الاستبدادية، ولكن عمله لا يدل على أقواله إن لم يخالفه، ومثال على ذلك أنه قبل أكثر من عام أعلن حركة الإصلاح التي يتزعمها الدكتور سعد الفقيه عن مسيرة سلمية مناهضة لسياسات الحكومة السعودية, وذلك بأسلوب مدني على حد تعبير الغرب، وكان الإعلان عبر قناة الإصلاح الفضائية، وقد تابعتُ سير الأحداث بكثافة عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى لأرى مدى قوة الحركات الإصلاحية في الشرق وأثرها على شعوبها، ومن خلال متابعتي رأيت خبرين متعارضين. أحدهما جاء عبر قناة الاصلاح ومفاده إن جمعاً غفيراً شارك في المسيرة، وقد تم القبض على ما يقارب ألف شخص، أما بالنسبة للإعلام المقابل فقد بث خبراً على النقيض من الأول، إذ هوّن الأمر وقلل من شأنه، مؤكداً أن الذين شاركوا في المسيرة كانوا قلة محدودة من الناس، ولم يلق القبض إلا على أشخاص معينين، على كل حاليبقى الخبر موضع شك يحتاج إلى توثيق، ولكن ليس هذا هو بيت القصيد، إنما بيت القصيد فيه أن حامل رسالة الحرية والديمقراطية جعل تلك الحركة في قائمة الإرهاب وأيدت ذلك الحكومة البريطانية في اليوم التالي، وأغلقت الفضائية وحظرت الحركة.. إنها معادلة لا يفهمها كثير من الناس، ويتجاهلها البقية الباقية من الناس، هذا من جانب ومن جانب آخر كان هناك تعتيم إعلامي حول هذه ألمسألة، وكما يقول المثل (هنا حفرنا وهنا طمرنا) وبالتالي تم وأد الحركة في مهدها، وقد تم فتح القناة مرة اخرى، وليس لدينا معلومات وافية حول هذه الحركة ولكن يبقى السؤال وارداً ومحيراً للبعض لماذا هذا التعتيم والإقصاء؟!
والقصة كما ارى هي عبارة عن صفقة بين الجانب السعودي والأمريكي، لأن المعادلة لا تقبل غير ذلك، فالتنظير الذي ينظر لها أمريكا هو عبارة عن توطيد أركان هيمنته، والحفاظ على مصالحه في المنطقة.
وما يحدث الآن في تايوان، فإن الصين هددت تايوان باستخدام الجيش إذا سولت لها نفسها أن تعلن عن استقلاليتها، وقد سكت الشارع التجاري!! عن إبداءِ أي إعتراض عن الموقف الصيني في زمن الحريات المحتكرة، وفي الشيشان التجارة في أوج قوتها وفاعليتها إذ المعادلات جارية في مجراها التوافقي بين أصحاب المتاجرين بالقارات وناهبي الخيرات.

عبداللطيف ياسين

اربيل