لم يدر بخلدي لحظة واحدة أن جملة التأويلات التي صاحبت حضوري مؤتمر زيوريخ يمكن أن تخطر ببال أحد على الإطلاق، أو أن تصل هذا الحيز والنطاق الضيق الذي رآه البعض بها. ففي جلسة ساحلية اليوم مع أحد الأصدقاء الكتاب العلمانيين، في اللاذقية، دار نقاش حول بعض الإشكاليات وسوء الفهم، والالتباس الناجم عن هذه المشاركة، ولذا اقتضت الإشارة والتنويه والتوضيح.

فلقد دعيت إلى هذا المؤتمر ليس بصفتي كمعمم وملتح أصولي وأمثل أية جهة أو مكون سوري، بل ككاتب علماني وليبرالي وناشط وداعم لحقوق الإنسان، ومناهض الفساد والاستبداد ومؤيد لكل القضايا الإنسانية المعروفة، كحقوق الطفل والمرأة، ومناهضة التعذيب والتمييز، والدفاع عن الأقليات، وضد التهجير القسري للجماعات والأفراد، ومكافحة العنصرية والشوفينية والاضطهاد، والتي كتبت عنها بما فيه الكفاية، وبما يمليه عليّ ضميري وشرفي المهني، وحين اخترت الوقوف بجانب الحق والمضطهدين، والمحرومين، والدفاع عنهم، والذي كلفني حتى الآن كثيراً، ناهيك عن وجود اسمي، وبكل شرف واعتزاز، على قوائم الحرمان من الدخول لأكثر من دولة من دول الاستبداد المعروفة التي لم أرحمها بقلمي. وقد شددت على هذا الأمر مع الأخوة المنظمين، وأن صفة حضوري للمؤتمر، وتوقيعي على البيان الختامي، هي ككاتب ليبرالي وعلماني سوري وكمواطن سوري يعتز بوطنيته السورية العامة، والعريضة، وبعيداً عن ذاك الخطاب التحريضي الفئوي التي دأبت بعض الجهات على ترديده علنا، ودونما خجل، أو وجل. كما أنه لا يوجد، وبالمناسبة، مشكلة أقليات أو تمييز ضد المرأة في سورية. هذا وتعتبر سورية بلداً شرق أوسطياً رائداً في هذا المجال. وعادة ما يوصف quot;النظام السوريquot;، ومن قبل دوائر غربية، وشرق أوسطية، وتأخذ عليه بعض الجهات المحلية، بأنه ذو طابع علماني، وهذه فضيلة تحسب له، وليس رذيلة ضده. ونحن نتمنى، أن يكون النظام السوري ليس ذا طابع علماني بل علماني مئة بالمائة والصميم. كما نتمنى الشيء نفسه لبقية الأنظمة العربية، فالعلمانية الإنسانية هي الحل الوحيد القادر على نشل منظومة الشرق الأوسط الاستبدادية من كثير مما تتخبط فيه الآن.

وللعلم، هناك أيضاً مجموعة من الكتاب العلمانيين والليبراليين والنشطاء الشرق أوسطيين الذين حضروا بهذه الصفة، وليس كممثلين عن أقليات معينة ولا ذنب في هذه الحالة، لأحد إن كان من هذا المكون أو ذات. وبالقياس، طبعاً، لا يعقل أن يكون مثلاً، الدكتور سعد الدين إبراهيم قد حضر ممثلاً لشريحة مصرية ما، وهذا ينطبق على الصديق العزيز الدكتور شاكر النابلسي الذي لا أعتقد أنه يمثل سوى الليبراليين العرب والقضايا العامة التي يناضل من أجلها. وأما الصديق العزيز غسان المفلح فهو، أيضاً، لم يحضر نيابة عن quot;الحوارنةquot; في سوريا، (وهذه للدعابة). ولا أعتقد أن أياً من الشرائح السورية، مهما كبرت أو صغرت، تتعرض، أو تعاني أي نوع من التمييز والاضطهاد. وقد دار بيني وبين الصديق غسان حوار حول هذا الموضوع لحظة حضوري، وبعد تلميحات quot;خبيثةquot; من هنا وهناك، ورفضت هذا المنطق جملة وتفصيلاً. وبعد الانتهاء من تلك الإشكالية، خرجنا أنا والعزيز غسان، وبرغم الاختلافات الكثيرة في وجهات النظر، والحوارات الساخنة الكثيرة التي امتزجت بشيء من الدعابة والاستفزاز المتبادل، أحباباً وأصدقاء، وأكثر من أي وقت مضى. والكلمة التي ألقيتها على الملأ ونشرت في أكثر من مكان، تمحورت حول البعد اللوجستي والإيديولوجي، وبعض آليات العمل والحل التي تتعلق بمشكلة الأقليات، بشكل عام، ومن المنظوري الإعلامي، وهو محور اهتمامي العام، ولاسيما لجهة تبني دساتير علمانية وعصرية في محيط أصولي متجمد فكرياً، وعقائدياً، وهو مسؤول، بشكل أو بآخر، عن بعض مما تعاني منه بعض الأقليات.

أكرر وبالفم الملآن، لا أمثل سوى نفسي، وإن كنت، وهذا خياري، أفوض نفسي التحدث بالنيابة عن كل مضطهد، و عمن لا صوت لهم، ليس في سورية فحسب، بل في كل مكان من هذا العالم. ولم أشر لا تلميحاً ولا تصريحاً، لأي مكون اجتماعي، بل كنت أتحدث من منطلق وطني عام داعياً إلى الخيار العلماني، والإنساني الذي يقدس المواطنة، ويجرّم العنصرية، والفاشية، والتعصب. ولا يميز بين أي مواطن، وآخر، فالجميع متساوون أمام القانون بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية، والدينية، والإثنية، والقومية. وهذا هو حلمنا المنشود جميعاً.

Nedal Naisseh
[email protected]
[email protected]
[email protected]
Lattakia - Syria