بعد مرور أكثر من عام ونيف على تشكيل إعلان دمشق ومن ثم تبعه قيام جبهة الخلاص الوطني، وهنالك تيارات سورية ليبرالية تشكلت حديثا، كما أن هناك الكثير من الشخصيات المستقلة والمثقفين الذين يتصدرون المشهد الثقافي السوري بشقيه المعارض والموالي وهم في الحقيقة النسبة الأكبر والأنشط على أكثر من صعيد! كما أن هنالك حركة كردية نشطة في الداخل والخارج. والسؤال الذي يفترضه الوضع السوري:
هل يمكن جمع هؤلاء جميعا تحت يافطة ديمقراطية واحدة؟ وبالطبع هنالك من يسأل ربما: وهل من الضروري جمع أطياف المعارضة كلها تحت يافطة واحدة؟ خصوصا أن هنالك من يبرر هذا الأمر بأن هنالك شخصيات تعيش على الشقاق واستمراره داخل صفوف المعارضة السورية، ويخافون من الانضواء تحت يافطة تغطي الجميع وهم لا يريدون هذا الأمر؟ تغطي الجميع وتفسح المجال للمطالب الديمقراطية للشعب السوري أن تكون فوق الجميع وفوق كل التحزبات السياسية والفكرية والشخصية. هل يمكن تأسيس هذا الغطاء دون أن يلغي خصوصية كل طرف معارض وبرامجه الخاصة؟ وهذه المطالب هي التي أصبح معمول بها في كل دول العالم تقريبا ما عدا بضعة دول في منطقة الشرق الأوسط مضافا إليها كوريا الشمالية وكوبا. وللأسف أن سورية واحدة من الدول التي لازالت خارج روح العصر بما هو: دولة القانون والمؤسسات والمواطنة وحقوق الإنسان.


إن مرور 44 عاما على قوانين الطوارئ التي عبرها صادرت السلطة السياسية المجتمع كله وبكل ثرواته وإمكانياته مما جعل المواطن السوري يلهث وراء رغيف الخبز بالدرجة الأولى. وراء تأمين البقاء من الحاجة. وهذا سببه معروف للجميع بفضل تراكم الثروات بأيد قلة اتاحها لهم قانون الطوارئ نفسه، واتاحها لهم طرق هذه السلطة في توزيع الثروة الاجتماعية. وفي سياق النشاط الذي يقوم به نشطاء من أجل المطلب الديمقراطي السوري والحوارات البينية: نجد أن هنالك خطوط باتت واضحة في تحديد المسافات بين شتى صنوف التيارات المعارضة. ومع ذلك لازلنا نهرب من التحديد ولازلنا نتبادل التهم فيما بيننا [على الطالع والنازل ] تهم تبدأ بالعمالة وتنتهي بالعمالة والعمالة توصيف للخصم بغض النظر عن الجهة التي يتعامل معها! سواء كانت السلطة في سورية أو الجهات الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر. وهذه [ الوجوه الركائز ] في المعارضة السورية، باتت أعجز من أن تعمل وفق عمل مؤسسي لا تديره هي شخصيا! كما أننا نواجه أمراضا تبدأ بتكلس الفعل السياسي في قبليات الأيديولوجيا المسبقة والتي أدخلت المعارضة في دهاليز اللغو وابتداع الأساليب الأكثر نمطية والأقل خصوبة في الممارسة السياسية.


في إعلان دمشق هنالك تبدت أيضا عطالة نتيجة لعدة عوامل أهمها بالطبع القمع وملاحقة نشطائه من قبل الأجهزة الأمنية! مع وجود كادر ليس قليل العدد والتأثير في إحباط أي توجه من شأنه إخراج العمل السياسي من بوتقة محازبيه على الطريقة القديمة والعقيمة والتي جربت كثيرا وهاهي تنتهي في كل مرة إلى تجديد حالة العطالة نفسها. يعتقد بعض القائمين على إعلان دمشق أنهم بذلك يحتكرون التمثيل السياسي للمعارضة بكل وجوهها! على أرضيات مختلفة ليس تحت شبكة ملفوظاتها المكررة سوى لا شعور معرفي وسياسي بالعجز والطائفية والقومجية التي وصلت حد العماء. أما في جبهة الخلاص والتي أحدثت حركة في صفوف المعارضة وكان يمكن لها أن تجدد دم هذه المعارضة إلا أنها تواجه أيضا حالة من العطالة النسبية يجب الخروج منها وإلا الزمن ليس من مصلحة أحدا. يضاف إلى ذلك ضجيج بعض أقلامها الإسلامية والقومجية. وهذا ما عبرت عنه في رسالة خاصة وجهتها للأمانة العامة لجبهة الخلاص. ونحن منغمسون في الهم السوري نجد أنفسنا دوما في حالة من التصنيف الجهوي والأيديولوجي..الخ والتي تتمحور في معيار وحول معيار شبيه بالمعيار العشائري: إن لم تكن تحت عباءتي فأنت عدوي!


إن الكتلة الديمقراطية والتي يجب أن تتمحور حول مطلب ديمقراطي واضح المعالم وتمثل كافة ألوان الفسيفساء السورية من قومية وطائفية وحزبية ومستقلة استنادا على نقطتين:
الأولى: دولة القانون والمؤسسات بما هي دولة مدنية. والثانية: دولة ديمقراطية تتبنى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. نعتقد حينها أنها يمكن أن تشكل مشروع هيمنة معارضة يتقدم داخليا وخارجيا في إثبات مشروعية المطلب الديمقراطي السوري وحقه في دعم من قبل رأي عام دولي. لأننا في عصر بات التغيير فيه معقد ولسنا في نفس الوقت معزولين عن العالم في هوياتنا الجزئية من قومية وطائفية. هذه الكتلة التي لا تكون جزءا من حسابات أقليمية ضيقة من هذه الجهة أو تلك. وإنما تحاول أن تجد حرية حركة في إقامة علاقات مع كل الأطراف المعنية بالوضع السوري. ومهمتها أيضا فتح كل الملفات التي تعيق التغيير في سورية: سواءا كانت داخلية والتي تتمثل بشكل خاص في المسألة الطائفية والسلطة المستبدة. وعربيا والتي تتمثل في أن الجهات العربية ليست معنية كثيرا بمطالب الشعب السوري الديمقراطية. ودوليا نجد أنفسنا نستطيع إيجاد حرية في الحركة تتناسب مع إمكانياتنا من أجل صياغة علاقة مع العالم الغربي مستندة على سعينا الحثيث من أجل دولة مدنية ديمقراطية يحق فيها لكل سوري مهما كان عرقه ودينه ولونه وطائفته أن يتقدم لتسلم أي منصب في البلاد بدء من منصب رئيس الجمهورية وانتهاء بأي منصب حكومي يقبل عبر الانتخابات النزيهة والشفافة ودون اللعب على الألفاظ سواء من قبيل التيارات الإسلامية أو التي تدعي العلمانية. لانعتقد من جهتنا أن هذا اللغو معقد بل هو من الوضوح بحيث أننا نستطيع أن نتحاور عليه بمنتهى السهولة فيما لو امتلكنا الإرادة. أما من يعتقد أن التغيير سيأتي بالإسلاميين ويخاف على شعبنا في الطائفة العلوية فهؤلاء الأصدقاء والرفاق يجب أن يكون موقفهم موقف المصر على التغيير! و يجب أن تكون مبادرتهم أعلى في فتح كل الملفات وفي تحريك العمل السياسي المعارض نحو اتجاهاته ذات الجدوى العملية وليس تخويف المواطن السوري من التغيير ودفعه دوما نحو التوجه بناظريه نحو الحالة العراقية بدلا من توجيه ناظريه نحو الحالة الموريتانية أو المغربية أو حتى اليمنية. إن كتلة ديمقراطية مفتوحة لكل سوري هي وحدها التي يمكن أن تعطي صورة حقيقية حول: أن التغيير الديمقراطي هو مطلب سوري عام بامتياز. وهذا الرأي مطروح للنقاش والتعديل والتصويب لأنه أقرب لكي يكون مسودة مشروع عمل ليس أكثر.

غسان المفلح