يقال الكذب حبله قصير، أي أن الكذب لا يلبث أن يفتضح أمره بعد وقت قصير من صدوره وليس في الحال. لكن كذب المعارضة اللبنانية ليس بذي حبل إذ يفتضح أمره في الحال ولا يحتمل التصديق هنيهة واحدة. ولعل الشعوب العربية تتعرف لأول مرة في التاريخ على هذا النوع من الكذب، كذب ليس بذي حبل، إذا ما استثنينا بالطبع كذب الشخصية الكاريكاتيرية الشهيرة quot; أبو لمعه quot; المصري.

نظراً لهول الفاجعة، أنكر قادة حزب الله بنوّتهم لحرب تموز متناسين بالطبع أنهم هم أنفسهم من أطلق عليها اسم quot; الوعد الصادق quot; حيث أنهم وعدوا بها وصدقوا وعدهم فهاجموا إسرائيل متجاوزين الخط الأزرق ليفتكوا بدورية إسرائيلية من عشر جنود في ملالتين. وصدق زعيمهم نصرالله إذ اعترف أنهم في القيادة أساءوا التقدير حين اعتقدوا أن الرد الإسرائيلي على العملية سيكون محدوداً كما العادة ولن يستغرق أكثر من أسبوع إلى أسبوعين على أبعد تقدير، وأنهم لو علموا بأن الرد الإسرائيلي سيكون ولو بنسبة واحداً بالمائة مما وقع فعلاً لما قاموا بعملية الوعد الصادق كما اعترف شخصياً للسيدة مريم البسام فضل الله مديرة الأخبار في تلفزيون (نيو تي في)، وفي كل هذا إقرار لا لبس فيه بأن قيادة حزب الله هي أم الصبي (الحرب) وأبوه أيضاً.

نقول نظراً لهول الخسائر التي تكبدها الشعب اللبناني مجتمعاً ينكر اليوم قادة حزب الله كونهم أم الصبي بل ويتجرأون أكثر فيدعون أن الحرب كانت معدة من قبل إسرائيل بالتعاون مع الأمريكان وقد أقرّت خطتها في شهر آذار وكان سيتم تنفيذها في شهر أيلول أو تشرين الأول على أبعد تقدير بسبب أو بغير سبب (!!) وبصورة أكثر عنفاً وأوسع تدميراً إلا أن الفضل يعود لعملية quot; الوعد الصادق quot; في أنها أجهضت الخطة فجاء التدمير أقل مما كان مخططاً له!! وهكذا وصل بهم الأمر إلى أن يصفوا تلك الحرب القذرة ب quot; حرب إسرائيل على لبنان quot;. وأخيراً وصل بهم الأمر إلى إدعاء الإنتصار في الحرب رغم أن العدو أعاد إحتلال بضعة قرى حدودية وتم دحر حزب الله من الجنوب والحؤول دون وصوله إلى الحدود الإسرائيلية.

لا ضير في ذلك فكم من أم ٍسمّت إبنها قبيح الخلقة باسم (جميل)! لم يصدق اللبنانيون وغير اللبنانيين مزاعم quot; الحرب المبيتة quot; وحكايات إقرار الخطة في شهر آذار وتنفيذها في أيلول أو تشرين وكل هذه الأكاذيب التي لا حبل لها. ولم يخرس كل ألسنة الكذب سوى تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة القاضي فينوغراد الذي أعاب على القيادتين السياسية والعسكرية الزج بالجيش الإسرائيلي في حرب مع حزب الله دون أن يكون لديه خطة مسبقة لهكذا مواجهة. وهكذا أُسقط في أيدي قادة حزب الله وقام حق للشعب اللبناني في أن يذيع الحزب نقداً ذاتياً عن كل الأباطيل التي روّج لها. لكن الحزب لم يفعل ذلك فقام حق تال ٍوهو أن يتوقع اللبنانيون ألاّ يرتدع هذا الحزب عن القيام بحملات أخرى من الافتراءات، وهو ما يقوم به اليوم إذ يغمز من قناة الحكومة ملمحاً إلى أنها من وراء حرب فتح الإسلام على الجيش اللبناني!!!

في حملة الافتراءات التي شنها حزب الله على حكومة السنيورة بعد الحرب مباشرة وصل الأمر به إلى اتهام السنيوره وقيادات 14 آذار بأنهم قاموا بتحريض الإدارة الأميركية على توسيع الحرب على المقاومة!! لكن الشعب اللبناني من جهة أخرى وجه نقداً لاذعاً للحكومة ولقادة الأغلبية لأنهم لم يشكلوا لجنة تحقيق في مسؤوليات حرب تموز مثلما فعلت إسرائيل. طالب الشعب بذلك لأنه يعلم علم اليقين أن حزب الله هو المسؤول قبل إسرائيل عن كارثة الحرب إذ لو أن إسرائيل وحدها هي المسؤولة لما طالب لبناني بلجنة تحقيق حيث سيكون الأمر عادياً. الحكومة لم تطلب أي تحقيق لأنها لا تريد إدانة حزب الله وتجريم قياداته بالتداعيات المترتبة. لكن ذلك لم يثن ِحزب الله عن وقف تخرصاته. الشعب اللبناني لن يغفر للحكومة تقصيرها في عدم تشكيل لجنة تحقيق لتدين حزب الله.

اليوم نعود لكل هذا الماضي القريب بسبب حملة الافتراءات الجنونية التي يطلقها حزب الله وأعوانه، العماد عون وسليمان فرنجية وأضرابهما، بالزعم أن الحكومة وقادة 14 آذار هم الذين quot; استدرجوا quot; الجيش لمواجهة عصابة quot; فتح الإسلام quot; وأنهم وراء إشعال هذه الحرب ليقيموا الحجة على المعارضة!! ليس أدل على إفلاس حزب الله وأعوانه من مثل هذه الإتهامات المفضوحة التي لا تثير إلا السخرية والضحك!! ليتصور اللبناني العادي أن (الحكيم) مثلاً هو من سمّى quot; فتح الإسلام quot; على وزن quot; فتح الإنتفاضة quot; وهو من هرّب الأسلحة إليهم من سوريا وهو الذي حضّهم على سرقة بنك المتوسط!! اللبناني العادي لن يستطيع تصور ذلك، مجرد التصور، لأسف نواف الموسوي وحسين الحاج حسن وعلي عمار.

مثل هذا الكذب الصراح ما كان ليطلقه حزب الله والمعارضة بعمومها إلا لغرض الدفاع عن النفس حيث أن عامة الشعب اللبناني تعتقد بداية أن عصابة فتح الإسلام هي أحد فصائل المعارضة وتصطف من وراء الداعية الإسلامي فتحي يكن وجبهة العمل الإسلامي. وما تجدر ملاحظته هنا هو أن فتح الإسلام وبعد كل هذه الحرب الضروس التي تشنها على الشرعية اللبنانية لم تعلن حتى الساعة ما الذي تريد أن تفتحه وما الذي هو إسلامي فيما تقوم به.

نشير بقوة قبل أن نختم إلى أن من يقرؤنا سيتبادر إلى ذهنه أننا ندافع عن إسرائيل بشكل ما، وما هذا ليكون لولا أننا نهاجم الذين يدعون كذباً وزيفاً عداءهم لإسرائيل. لم يحصن إسرائيل من كل نقد إلا هؤلاء. إنهم يخدمون إسرائيل من خلال منعنا من توجيه النقد الصحيح الذي يفهمه العالم لإسرائيل وأعمالها العنصرية الإجرامية. سوريا الأسد وحزب الله ومن ورائهم إيران يفكون الحصار على إسرائيل دائماً وأبداً. ألم يحل السوريون وحزب الله دون وصول المقاومين من الحزب الشيوعي والقومي الإجتماعي إلى الحدود الإسرائيلية وقاموا بقتل أعداد من هؤلاء أثناء عودتهم من عملياتهم ضد قوى العدو ؟ إنهم يخدمون إسرائيل فعلاً ويعادونها قولاً. نتذكر هنا ونذكر حسن نصرالله بموافقة حافظ الأسد على قيام الجيش الإسرائيلي باحتلال جنوب لبنان بعمق أربعين كيلومتراً باعتبار ذلك إجراءً يساعده على تصفية الفلسطينيين من لبنان وهو ما شهد به السيد ريتشارد ميرفي وكيل وزارة الخارجية الأميركية الذي عمل على الحصول على موافقة الأسد.

عبد الغني مصطفى