تبدو الصورة القادمة من قطاع غزة قاتمة ومحزنة للغاية، فالاقتتال العبثي الجاري بين الأخوة هو تعبير عن عطب كبير يعتري الحركة الوطنية الفلسطينية ويدلل على إفلاسها السياسي والأخلاقي، كما أنه صراع على سلطة quot;وهميةquot; ما زالت خاضعة للاحتلال، ويخطئ من يعتقد أن قطاع غزة نال التحرر، فعملياً رغم انسحاب إسرائيل من القطاع إلا أنها ما زالت تسيطر على جوه وبره وبحره، كما تؤكد ذلك التقارير الدولية.

وبالتالي يمكن تشبيه هذا الصراع الحاصل بين أكبر حركتين سياستين في الساحة الفلسطينية (فتح وحماس) بصراع المساجين على إدارة السجن لنيل حريتهم وحقوقهم، بل هو تدمير ذاتي واستنزاف لطاقات الشعب الفلسطيني الآنية والمستقبلية، وخدمة مجانية للاحتلال الذي طالما انتظر هذه اللحظة، بل أن إعلامه حالياً يتغني بها ويروج للعالم بأن الفلسطينيين غير ناضجين لإدارة شؤونهم بأنفسهم..بل أنهم يتقاتلون وينزعون للعنف لحل خلافاتهم الداخلية، وهو ما سيقود لتقويض صورة كفاح الفلسطينيين وعدالة قضيتهم أمام العالم الغربي والعربي.

ويبدو أن الحركتين في طريق فقدان مصداقيتهما أمام الفلسطينيين والعالم، فالاتفاقيات التي توقع لوقف الاقتتال بينهما تسقط بعد سويعات فقط من توقيعها، ولكن المتابع يلاحظ أن أهم أسباب ذلك، يرجع إلى الجهات والقوى التي يجب أن تطبق هذه الاتفاقيات، فليس هناك مثلاً قانون يعاقب من يخرق وقف إطلاق النار، كما أن بعض عناصر الأجهزة الأمنية متورطين في هذه الاشتباكات، مما يعني وجوب سحبها من الشارع وإيجاد قوة مشتركة من الفصائل الفلسطينية جميعها، كما أن كل الاتفاقيات التي وقعت لغاية اللحظة قائمة على قاعدة نسيان كل ما سبق، فلا يجري مثلاً محاسبة للأشخاص المتورطين في إشعال الاقتتال، وهو ما يشجعهم بعد فترة إلى العودة إلى الممارسات ذاتها.

كما يجب التخلص من اللهجة الإعلامية التعبوية التي تقودها المواقع الإعلامية لحركتي (فتح وحماس)، وكذلك وضع التعصب الحزبي جانباً من أجل إنقاذ شعب بأكمله، ومطلوب أيضا تخفيف حدة الخطاب الهجومي والتعامل بتعقل مع القضايا، لأن من يستمع لتصريحات الناطقين باسم (فتح وحماس) سوف يتوقف طويلا عندها، خصوصاً أنها تصريحات بأغلبها تتعلق بنفي تهمة المبادرة بالهجوم والسعي إلى إلصاقها بالجانب الآخر.

ولكن هناك نقطة هامة، لا بد من التطرق إليها، وهي في حال سقط قطاع غزة في يد حركة حماس، فماذا باستطاعة حماس أن تفعل في حال قررت إسرائيل مثلاً قطع علاقاتها كاملة مع قطاع غزة، وأوقفت تزويد القطاع بالماء والكهرباء؟ سؤال يفتح الباب لعشرات الاحتمالات، أولها تفجر الأوضاع بشكل غير مسبوق، وثانيها: quot;تحول غزة لأفغانستان جديدةquot;، أو ربما تحولها لصومال جديد، وهناك الكثير من الاحتمالات التي لا يسعني تعدادها هنا، سوى أن أقول quot;يبدو أن حماس وقعت بالفخquot;.

خلف خلف

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف