مقطع من رائعة بلزاكquot;معاناة مبدعquot; لفت إنتباهي منذ أمد بعيد ويقول فيه:quot;الانسان يشعر بالضيق من الوحشة، وهناك أنواع متباينة من الوحشة، لکن أکثرها وخامة الوحشة الاخلاقيةquot;، تذکرت هذا الکلام وأنا أعيد بذهني الى أواسط السبعينيات من الالفية الماضية، حيث کان هناك ثمة زميل يکتب قصائد شعرية في منتهى الروعة و البداعة لکنه لم يتوفق والى فترة إستمرت بضع سنين من نشر ولو قصيدة واحدة في الصحف و المجلات. هذا الزميل فاجأني مرة وأنا أستلم مبلغ متواضع من أحدى الصحف البغدادية من مقالات منشورة لي، بأن استلم وفي نفس اليوم وعن طريق الصدفة مبلغ لا أتذکره لکنه کان کبيرا نوعا ما وأدهشني! ذلك انني لم أجد يوما اسمه على أية صفحة سيما في تلك الصحيفة اليومية تحديدا التي کنت أطالعها يوميا، فمن أين أتى بتلك المکافأة؟ و صارت دهشتي أکبر حين لم يجب على سؤالي ورجاني بأن quot;أغلقquot;الموضوع من أساسه!
ولعبت الايام لعبتها و إفترقت عن ذلك الصديق لأکثر من عقدين وإلتقينا ذات مساء قبل ثمان أعوام تحديدا في أربيل في نادي الاعلام، يومها کنت مدعوا من قبل أحدهم ولعبت الصدفة دورها في لقاءنا مثلما کانت الصدفة وراء معرفتي بإستلامه لذلك المبلغ الذيzwnj; حيرني لأيام، في ذلك المساء، باح لي ذلك الزميل بسر تلك المکافأة الکبيرة حين قال بأنه کان ينشر قصائدا من الشعر العالميquot;ياباني و صيني و أمريکي جنوبي و أفريقي وغيره کما أخبرنيquot; لکن تلك القصائد و تلك الاسماء التي کان يلصقها بها لم يکن لها في الاساس وجودا سوى في مخيلته! لقد إعترف وهو يضحك ملء شدقيه إنه کان يبتدع کل ذلك ولم تکن تلك القصائد إلا تلك التي لم تنشرها ذات الصحيفة في فترات سابقة!
هذا الزميل، ذکرني أيضا بالشاعر الراحلquot;عبدالامير الحصيريquot;الذي کان البعض وعن طريق إستغلاله على موائد الحانات يسطون على قصائد رائعة کان يرتجلها وهو جالس فيقوم اولئكquot;اللصوصquot;بنشرها فيما بعد مذيلة باسماءهم!
کما أتذکر جيدا، قصة زميل آخر غادر العراق و الکتابة معا وترك ماکتبه خلال سنوات تواجده في العراق عند أحدquot;أصدقائهquot;المقربين جدا، وبعد أن إنقطعت أخبار ذلك المهاجر کمدا، بدأquot;المؤتمنquot; على الکتابات بنشرها تباعا بإسمه حتى إنه ومن فرط ولعه بالمکافئات التي کان يستلمها و تعود علىquot;السکرquot;على حسابها لم يجد نفسه إلا وقد أصبح کاتبا ولحد الان لست أدري هل هو بحق کاتب أم إنه مازال يسطو على تعب و کد الاخرين؟ لکن الانکى من کل ذلك هو أن الايام دارت وعاد ذلك الزميل ليطالب صديقهquot;الروحيquot;بأمانته، غير أنه وبعد مماطلات عديدة علـم أخيرا خيانته للأمانة والحق کانت صدمة ذلك الزميل کبيرة الى درجة انه غادر العراق وفي قلبه غصة غير عادية من کل شئ!
ومهما حاولت أن أکتب عن تلك النماذج فلن أجد تعبيرا أفضل من ذلك الذهzwnj; أوردته في البداية لبلزاك، حقا انهم يعانون من وحشة أخلاقية لکنها أکبر و أدهى من تلك التي تخيلها ذلك الکاتب الکبير!
نزار جاف
[email protected]
التعليقات