في الإستفتاء الذي نُظم في إيلاف الأسبوع الماضي ؛ اعتبرت غالبية المشاركين أن رئيس الوزراء السابق توني بلير سيخفق في مهمته الجديدة كمبعوث للجنة الرباعية في الشرق الأوسط ؛ المصوتون لصالح الإخفاق بلغت نسبتهم ثلاثة وسبعين في المئة؛ مقابل نسبة أربعة وعشرين في المئة من المشاركين توقعت نجاح بلير في هذه المهمة الصعبة والشائكة.

هذه النتائج عبّرت عن عدم ثقة المصوتين العرب في سياسات بلير التي رأوا فيها انحيازا كاملا للسياسات الأمريكية في عدد من القضايا العربية على رأسها حربي العراق ولبنان؛ ما يُترجم العلاقة الشخصية الوثيقة التي تربط بلير بالرئيس الامريكي جورج بوش.

غير أنني أخالف هذه الآراء وأعتبر أن بلير هو السياسي والزعيم الوحيد الذي يمكنه إنجاح عمل الرباعية؛ وفي حال فشله فإنه من الأجدر أن تُشيّع اللجنة إلى مثواها الأخير؛ أجيب لماذا؟

نحن نعلم أن الرئيس جورج بوش اتصل شخصيا بزعماء العالم في موسكو وباريس وبروكسل والقاهرة ليعبر عن رغبته في تقليد بلير هذا المنصب الجديد ؛ وهو ما تم بالفعل في السابع والعشرين من حزيران يونيو ؛ يوم تخلي بليرعن منصب رئاسة الوزراء البريطانية؛ وهذا يدل على الثقة التي يضعها رئيس أعظم دولة في العالم في ذلك السياسي البريطاني.

إذا تكلمنا بلغة المنطق فإن هذه الثقة الكبيرة وتلك العلاقة الوطيدة بين الرجلين ستُعطي بلير دفعا معنويا لطرح أفكار ورسم خطط عملية تخدم الجانب الفلسطيني ربما لن يقبلها بوش إذا سمعها من زعماء عرب أو من الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين مثلا! كما أن بوش يطمح قبل انتهاء ولايته الرئاسية نهاية العام المقبل إلى تحقيق سلام أو على الأقل جزءا منه في الشرق الاوسط وهذا ما أخفق فيه والده وبالتالي الجمهوريون وكاد أن يحققه الديموقراطيون بزعامة بيل كلينتون حينما رفض عرفات عرض إيهود باراك ؛ وبالمناسبة : كان العرض الأسخى الذي تلقاه الفلسطينيون إلى حد اليوم!

الإسرائيليون من جهتهم سيكونون أكثر استعدادا للحوار و لتقديم ما يرونه تنازلات ؛ إذا كان الضامن شخصا بوزن وثقل رئيس وزراء بريطانيا؛ إضافة إلى أن مبعوث بلير السابق إلى الشرق الأوسط هو اللورد ليفي أو المليونير ليفي الذي قام بتمويل حملات بلير الإنتخابية وهو من أصل يهودي يتمتع بنفوذ واسع في إسرائيل.

هكذا وإذا نظرنا إلى الجزء المليان من الكأس فإن بلير يحظى بثقة محمود عباس الذي يعيش مأزقا وتتهدده دولة حماسستان في غزة ؛ وسيغتنم أي فرصة و مناسبة لإعادة تفعيل المؤسسات الفلسطينية واسترجاع هيبة السلطة الوطنية المتآكلة ؛ وإعادة هيكلة تنظيم فتح الذي فرّخ؛ فتح الإنتفاضة وفتح ياسر وفتح الإسلام وقريبا فتح القاعدة!

زعماء المنطقة وفي مقدمهم زعماء ما تسمى بدول الإعتدال والتعقل ؛ مصر السعودية والاردن ؛ من مصلحتهم العمل مع بلير لترسيخ الإستقرار في المنطقة و في مواجهة المد الإيراني الذي التهم العراق ويطمح إلى زعزعة استقرار لبنان والأراضي الفلسطينية ودول أخرى ؛ فيما يبدو أن شراهة الملالي امتدت إلى البحرين واليمن والحبل على الجرار!

توني بلير ndash; عشر سنوات في الحكم - كما يعلم القاصي والداني يتمتع بكاريزما وجاذبية كبيرتين وهذا ما أهّله لتحقيق سلام عادل وشامل في إيرلاندة الشمالية بين الكاثوليك والبروتستانت ؛ طبعا مع عدم إغفال دور السياسيين الذين سبقوه في العمل على تحقيق هذا السلام من سنوات حكم مارغريت تاتشر؛ وقبل ذلك استطاع بلير أن يُبقي حزب العمال البريطاني ثلاث مراحل انتخابية متتالية في الحكم, وأن يُحدث ثورة في الحزب بإلغاء البند الرابع ؛ ما أقنع مخضرمين عمّاليين بالتخلي عن انتمائهم الشيوعي ( جون ريد ؛ وزير الداخلية السابق كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي الاسكتلاندي) وهذه نجاحات لا يستطيع تحقيقها إلا قادة موهوبون.

يبقى الآن الدور الأهم للوضع الفلسطيني ؛ فهل سيساعد على تسهيل عمل الرباعية ؛ فالفوضى العارمة التي تجتاح المؤسسات الفلسطينية والتهم والشتائم المتبادلة بين الفصائل بالتأكيد لن تفتح شهية لا الصديق ولا العدو لتقديم المعونة للفلسطينيين قبل حلهم لمشاكلهم الداخلية.