أن تؤول جراحات وعذابات ومعاناة السوريين الطويلة إلى أيادي حفنة طامعة من الانتهازيين تتبوأ أسماؤها المرعبة وتاريخها المشؤوم المشين صدارة العمل المعارض، اليوم، وترعى بكل صفاقة النشاط السياسي المعارض بدولاراتها المنهوبة الحرام، مع بعض الأقطاب النهموية والمافيوزية الأخرى التي انضمت مؤخراً لركب المتاجرين بأحلام السوريين عبر هذا الاستثمار السياسي الرابح الجديد، حيث لا يرون في الوطن سوىمشروع ربحي، واستثماري آخر، وبقرة حلوب تدر عليهم ما اعتادوه من ترف وجاه وانحلال ومجون، وذلك كله على حساب آلام الشعب الصابر المنهك الفقير، نقول أن يؤول ذلك كله لبعض اللصوص والمافيات المغامرة فإن ذلك يشكل مطباً قاتلاً ونكسة كبيرة وخطيرة لمسيرة المعارضة السورية، والتفافاً مؤلماً على مشروعها المستقبلي، وحرفاً ذا نتائج كارثية ومدمرة على مستقبلها بالكامل، ومستقبل الوطن بالذات، ومصدر قلق لكل القوى الوطنية النظيفة التي أفنت عمرها في سبيل قضاياها النضالية المقدسة، يتطلب مراجعة شاملة لوضع المعارضة السورية قبل أن تقع الفأس بالرأس وتصبح المافيات عنواناً للعمل الوطني الكبير.
فليس كل من رفع شعاراً وتاجر به ولعب على بعض المتناقضات وامتلك وسيلة إعلامية، يمكن أن يصنف في صفوف الوطنيين والشرفاء المناضلين، ويتاجر بأحلام وآمال الفقراء المحرومين. فهذه الحالة الوطنية المقدسة تستلزم الكثير من المتطلبات التي لا نراها متوفرة في عموم الأقطاب المافيوزية التي تتهيأ، مستقوية بالمحافظين الجدد وإسرائيل، للانقضاض على الكعكة السورية الدسمة والتهامها في غمضة عين. وأهم هذه المستلزمات وأولاها هو الثقافة، والتاريخ الشخصي النظيف والخالي من الشذوذ، بكافة تلاوينه، ومن الانحرافات والموبقات، والحافل بعناوين الشفافية والمكاشفة والتضحيات والشرف والنضال والأيادي البيضاء النظيفة من النهب والدماء والفساد والمال الغامض السحت الحرام، وفكر وسلوك متعفف لا عبودية وشهوة عارمة للثراء الفاحش المريض والمال، والتزام بقضايا كبيرة ومصيرية لا بالتجارة والمافيا وجني الأموال وتكديسها هنا وهناك. ونظن، ويظن معنا كثيرون، أن جل تلكم الأقطاب المافيوزية المتنطحة للمعارضة، يفتقر لأدنى هذه المتطلبات البسيطة ولا يمتلك أياً منها على الإطلاق. فلا يعتقدن أحد ومهما أوتي من مال وقصر في النظر، وخطأ في الحسابات، أن الناس من البلاهة والسذاجة والغباء بحيث تنطلي عليها مثل هذه quot;النطوطاتquot; والألعاب البهلوانية المملة والخرقاء والسمجاء، ويخدعها أي صبي محتال بحلو الكلام، ونصاب أجير وأفاك ببعض الحركات واللعب بـquot; التلات ورقاتquot;. فهناك كثيرون داخل الوطن، وخارجه، ممن دفعوا ضريبة غالية في سبيل هذا الوطن والشعب العظيم، ومن أصحاب الأيادي النظيفة والفقراء، هم الأولى، والأجدر، والأصدق في حمل راية العمل الوطني الحقيقي لا تلك المافيات النهمة التي لم تشبع يوماً، لا من دم، ولا من عهر أو مال أو فساد.
ولذا ينبغي مقاومة هذا الميل والانحراف الفاضح في مسيرة العمل الوطني السوري، وبأية وسيلة كانت وقبل التصدي لأية مشكلة أو مهمة آخرى. فهذه هي الأولوية اليوم بالنسبة لكافة الشرفاء والمعارضة الوطنية السورية الحقيقية. فما يضمره هؤلاء من نوايا مافيوزية تأتي على أخضر الوطن ويابسه المنهك أصلاً، يتجاوز كل ما حصل حتى الآن، ويتبدى ذلك من خلال الفجور السياسي، والخطوات التجارية والتطبيعية مع الكيان الغاصب،( زار إسرائيل، وأدلى أكثر من قطب مافيوي بارز من أقطابهم مؤخراً بأحاديث علنية لأجهزة الإعلام الصهيوني الذي مازال يدمر ويقتل من أبنائنا، ويحتل من أرضنا)، وقبولهم بأن يتقمصوا ذاك الدور اللا أخلاقي المهين، والتمسح بأحذية جنرالات الاحتلال، والسعي لنيل رضاهم، واستعدادهم العودة ولو على ظهر أي quot;طنبرquot; يجره أي بغل أجرب.
من المعلوم أن النقص في الإمكانيات، وافتقار الكثير من المعارضين الوطنيين الشرفاء لآليات العمل والتواصل والوصول إلى الناس، هو ما أفقدهم بعض قوة الدفع التي يجب أن يمتلكونها في هذه المرحلة المفصلية الهامة من تاريخهم النضالي. ووضع، بالتالي، مصير هذه المعارضة في أيدي هذه الحفنة المافيوزية الفاسدة الشريرة التي لا تخجل ولا ترعوي، و لم تدفع يوماً تلك الضريبة الغالية المعروفة للفعل الوطني والنضال من أجل القضايا العامة من تضييق ومطاردات وحصار وإفقار. واستطاعت تلك المافيات أيضاً أن تجند وتستقطب بعض العاطلين والمرضى من مشوهي الحروب الدونكوشيتية السابقة، يتعيشون على هباتها وعطاياها الحرام، ليصبحوا ناطقين باسمها، ومدافعين عنها، ومزوقين لها، ومبررين لسلوكياتها وفظائعها وجرائمها وفسادها اللا أخلاقي المشين، وتحاول التبرقع بوجوه ليست من وجوهها، واجترار خطاب ممجوج ومفضوح تعلم تماماً، أنه ليس خطابها، ولا يعبر عن حقيقة ذاتها ونواياها.
والنقطة الأهم والأولى التي أثارتها المقالة الأولى هو المقارنة والتفاضل بين النظام القائم، وهذه المافيات المتربصة، ففي ظل هذه الأجواء الدولية الضاغطة التي يشكل الأمن الوطني عمادها الأول ومحور تقييمها ومقاربتها وصار أولوية في سلم اهتماماتنا، لا يمكن بحال وضع الجانبين في نفس الميزان والمعيار. ومن هنا يمكن القول أن النظام ما زال يحافظ على وحدة التراب الوطني ويفرض أمنا، وإن اتخذ أحياناً أشكالاً جبرية وقاسية، فهو أفضل بكثير من الفوضى الهدامة، واستباحة الحمى والأعراض والأموال والثروات والتراب التي يعمل من أجلها هؤلاء. ولذا لا يمكن هنا وضع النظام، وبالرغم من كافة الملاحظات والممارسات العديدة التي تكلمنا عنها سابقاً، في موضع المقارنة والمساواة مع هؤلاء المافيوزيين من أصحاب التاريخ الدموي والإجرامي والفاسد، والذين يبدون على استعداد للتعاون مع الأبالسة والشياطين، وقطاعي الطرق والزناة، والتضحية بما ينعم به جميع ا لسوريين من أمن وأمان يشكل عماد وجودهم، في سبيل مكاسب مافيوزية وسلطوية استعراضية دنيئة ورخيصة فاللصوصية والوطنية لا تجتمعان على الإطلاق. صحيح أن بعض الممارسات وبعض التجاوزات التي تحارب بلا هوادة، قد أعطت البعض أوراقاً للتلويح بها والمتاجرة بها، ولكن هذا لا يعني أن يسلم مصير ومستقبل وطن وشعب بكامله لحفنة مافيوزية نهمة مغامرة، بلهاء، وعديمة الخبرة والاستراتيجية، ولا تؤتمن حتى على عنزة جرباء.
كما أثار المقال مرحلة عملي ذي الطابع المهني الخالص، وليس السياسي والتنظيمي الحزبي، في إحدى المؤسسات الإعلامية في أوروبا، والذي كان يهدف أصلاً إلى إحداث نقلة نوعية في الحوار الوطني الدائر حول القضايا العويصة والمزمنة، وإشراك جميع الأطياف فيه لا فتقارنا لمنبر نتواصل فيه مع الناس، نقول لقد كان ذلك العمل خاطفاً وسريعاً، وبالمجان، فلم أتقاض، وحتى تاريخه، أي أجر عنه، وانتهي لأسباب عامة وخاصة كثيرة، ولا أتمنى أن أجعل من قضية شخصية بحتة، ومرحلة عابرة، محوراً لنقاش عام، لا يقدم ولا يؤخر. إلا أن تلك التجربة، بقضها وقضيضها، وبناء على إلحاح الكثير من الأصدقاء والقراء الذين نكن لهم كل مودة ومحبة واحترام، ستكون موضوع مقالات قادمة، وبالتفصيل الممل، إن شاء الله.
دعوا مال قيصر لقيصر، ومال الله لله. واتركوا هذا الشعب البسيط المفقر بحاله وعذاباته، فهو وبرغم كل ما يعانيه، أدرى بشؤونه، وأعلم بمستقبله، وأبرع منكم ومن تنظيراتكم الفارغة الجوفاء في إدارة شؤون حياته، واكتفوا بما ملكت يمناكم من فحشاء وحرام. وهنيئاً لكم بفسادكم وتاريخكم وسمعتكم التي لا تسر على الإطلاق، وملياراتكم المنهوبة والتي لن تهنؤوا بها على الإطلاق، ولن تجلب لكم أي مجد، أو تستطيع أن تشتري لكم حتى ولو ذرة من حب واحترام.
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات