لم يثر مقال كتبه حسين شريعتمداري مدير صحيفة كيهان اليومية و مندوب مرشد الثورة الايرانية في مؤسسة كيهان ورئيسها، لم يثر اي أحاديث او ردود فعل في الاوساط الاعلامية و الصحافية في ايران بقدر ما أثار في بعضالاوساط الاعلامية العربية والخليجية.
فمنذ استقلال البحرين في العام 1971 و حتى الان تشهد العلاقات الايرانية ndash; البحرينية حالات من الجزر و المد.
فقد استقلت البحرين قبل نحو اربعة عقود، في عهد الشاه المخلوع محمدرضا البهلوي وذلك بعد مصادقة البرلمان الايراني على هذا الاستقلال الذي حظي باستفتاء شعبي بحريني عام قامت به منظمة الامم المتحدة آنئذ.
فلم يعارض نواب البرلمان المحسوبين على النظام الشاهنشاهي، مشروعquot;استقلال البحرينquot; الذي تقدمت به حكومة اميرعباس هويدا - رئيس وزراء ايران انذاك - الا اقلية ضئيلة منهم كانوا ينتمون الى حزبquot; بان ايرانيستquot; القومي الفارسي المتشدد.
وكان هذا الحزب ومنذ تأسيسه في الخمسينات يطرح شعارquot; بحرين جزء لاينفك ايران استquot; ايquot;البحرين جزء لايتجزأ من الاراضي الايرانيةquot;. وقد تحول هذا الشعار الى ارجوحة مكررة في الصحافة الصفراء انذاك حيث تأثر به قسم من المثقفين الايرانيين.
و حول هذا الموضوع اتذكرانه كان لدينا زميل صديق يدرس معنا في جامعة طهران يحمل معه دائما حقيبة يدوية لايتركها لحظة - لا في الجامعة ولا في بيوتنا- حيث كان يحتفظ بحاجياته الاولية في هذه الحقيبة لانه كان سائبا بلا سكن. فقد كنا و الزملاء نطلق على حقيبته هذه وعلى سبيل المزاح اسم البحرين حيث كنا نقول له و بتأثير شعار حزب بان ايرانيست انها quot; جزء لاينفك ايران استquot;.
وقد مرت العلاقات الايرانية ndash; البحرينية بعدة مراحل عقب قيام الثورة الاسلامية في ايران. حيث يمكن القول انها كانت تتأرحج بين التأزم و الانفراج خلال عقدين من الزمن، لكنها شهدت نوع من التحسن في اواخر حكم الرئيس الاسبق هاشمي رفسنجاني واستقرارا في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي.
فلايزال قسم من المثقفين الايرانيين يعتقدون ان البحرين جزء من الاراضي الايرانية، فصلت عنها عنوة في عهد الشاه السابق. و تحن بعض الشخصيات والاوساط الثقافية و السياسية في ايران على ايام زمان كانت البحرين جزءا من الامبراطورية الفارسية. ولم تنحصر هذه الشخصيات بالقوميين المتشددين بل اخذت تشمل بعض الوجوه الدينية ايضا.
وقال لي مرة احد المثقفين و المترجمين البارزين ndash; وهو يساري- بفخر و اعتزاز انه رفض دعوة لزيارة البحرين في عهد الشاه لانه يعتبرها محافظة من محافظات ايران.
وذكر لي د. ابراهيم يزدي امين عام حركة حرية ايران (نهضت آزادي) ان اية الله صادق روحاني - وهو رجل دين و مرجع تقليد- ادعا في العام الاول للثورة بملكية ايران على جزيرة البحرين.
وفي الايام الاخيرة يعد مقال حسين شريعتمداري، الاول من نوعه منذ سنوات يطالب فيه رجل محسوب على النظام بهذا الامر.
لاشك ان الاحاسيس القومية في ايران التي بدأت مع الحرب العراقية ndash; الايرانية اخذت تتسع بالتدريج في الاوساط السياسية و الثقافية و الصحافية المختلفة لتشمل حتى الفئات الدينية التي كانت يوما ما تعتقد بالاممية الاسلامية و لاتعير اهمية للقضايا القومية. ولهذا الامر، اسباب لانريد ان نسهب فيها هنا.
لكن في اليوم التالي، بعد ان نشرت كيهان مقالها، استقبل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد السفير البحريني الجديد في طهران راشد بن سعد الدوسري مؤكدا على ضرورة تطويرالتعاون بين ايران
والدول المجاورة لها.
وقال احمدي نجاد بعد استلام اوراق اعتماد السفير البحريني: quot;ان اعداء الاسلام لايرغبون بان تسود الاخوة بين الحكومات حيث يثيرون كل يوم وبذرائع مختلفة القلق و الازعاجquot;.
وطالب الرئيس الايراني في قسم من حديثه بquot;ان يقوم مسؤولي البلدين بتطوير و تعزيز العلاقات الودية و الاخوية بين ايران والبحرينquot;.
ويبدو ان الموقف الرسمي هذا يتناقض ما كتبه مدير صحيفة كيهان الذي يمثل تيارا سياسيا متشددا. لكن ومهما يكن الموقف الرسمي، هناك تيار في ايران لايزال يدعو الى ضرورة اعادة البحرين لايران وذلك رغم كل ماجرى خلال العقود الاربعة المنصرمة.
و في الضفة الاخرى اي في البحرين، التقيت عند زيارتي للمنامة العام الماضي بنساء ورجال من اصل ايراني يتكلمون الفارسية بطلاقة. اذ قالت لي احدى المشاركات في ندوة فكرية كنت انا من المشاركين فيها: ان والديها كانا يتحدثان معها و حتى السن السابعة بالفارسية حتى تتقن لغة آبائها واجدادها. كما التقيت بشخصيات شيعية بحرينية تبدي تعاطفا مع السلطة الايرانية لكنني لم اشاهد فيها اي رغبة للتخلي عن استقلال بلادهم.
كما سمعت من سياسيين بحرينيين ان هناك تأثير تاريخي للتيارات السياسية الايرانية على العملية السياسية في البحرين بدءأ بتأثير حزب تودة الشيوعي على الحركة اليسارية البحرينية و اخيرا و ليس آخرا بتأثير الثورة الايرانية على التيارات الشيعية هناك.
لكن ورغم كل هذا التفاعل، وهو طبيعي بسبب العلاقات و الوشائج العائلية و القرب الجغرافي، تبقى الحدود و المواثيق الدولية هي التي تتحكم العلاقات بين شعوب المنطقة لان اي تغيير في الوضع الحالي (الاستاتسكو) سيؤدي الى تداعيات كارثية لن تحمد عقباها.
يوسف عزيزي
التعليقات