يرى خالد حداده، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني أن الأزمة المستحكمة في لبنان اليوم تقوم على رافعتين: الأولى وهي نظام المحاصصة الطائفية السائد في مختلف أنشطة الدولة؛ والثانية وهي إرتهان حكومة السنيورة للمشروع الإستعماري الأميركي الصهيوني. وتساوقاً مع هذه الرؤية الخاصة التي ارتئاها حداده في السماء وليس على الأرض دعا شعبه في لبنان لأن يتبنى مشروعه السماوي أيضاً فيقيم الدولة العلمانية الناتجة عن الإنتخابات النسبية.

عجيب أمر هذا الحزب الذي يرأسه خالد حداده، والذي انشقت عنه أكثر من مجموعة رفضاً لرؤى حداده ورفيقه المزرعاني غير الواقعية، فما زال يرى ما لا يراه الآخرون، والشيوعيون منهم، ويغني خارج كل الأسراب اللبنانية. إنشقاقات عديدة لم تعلم خالد حداده ومن بقي معه النزول إلى الأرض ورؤية ما يعاني منه اللبنانيون.

جميل أن يقف حداده وراء الجيش في حربه على الإرهابيين لكن الإرهابيين الذين يحاربهم حداده غير الإرهابيين الذين يحاربهم الجيش. الإرهابيون الذين يحاربهم حداده هم.. quot; من فعل المشروع الأميركي الصهيوني المتجدد quot; وهؤلاء ليسوا في نهر البارد فإرهابيو نهر البارد يحاربهم الجيش بالأسلحة الأميركية المنقولة على عجل لنضوب الذخائر الخطير لدى الجيش اللبناني. ولو صدقنا حداده لرأينا الجيش اللبناني هو الإرهابي وليس عصابة فتح الإسلام.

السياسيون الذين أفلسوا تماماً، دون أن يعلنوا الإفلاس، صدعوا رؤوسنا بزعيقهم حول المشروع الأميركي الصهيوني الإمبريالي الذي يخطط لاستعباد العرب ونهب ثرواتهم!! ـ أيُهذا الإستعمار وذلك التخطيط وما يتبع من نهب!! هذا زعيق ليس ممجوجاً وحسب بل وتضليلي أيضاً لا يساعد على رؤية الحقائق كما هي في واقعها ويشتت إهتمامات الناس لقضايا لا تخصهم من قريب أو بعيد كقضية هزيمة الولايات المتحدة في المنطقة التي يدعو إليها بقايا البعث المفلس ومجموعة خالد حداده ووئام وهاب خلفها. لعلم خالد حداده وكل الذين على شاكلته فإن الطبقة السياسية في الولايات المتحدة وعلى مدى تاريخها الإمبريالي هي مصابة بأنيميا التخطيط المزمنة. لو كان لديهم أدنى مستوى من التخطيط وأبسط حس بواقع الأمور لما فشلوا ومعهم آلة الحرب الإسرائيلية في تصفية حزب الله في حرب تموز من العام الماضي وكان ذلك من أبسط الأمور. لحرب صغيرة وموضعية فشلوا في التخطيط فشلاً ذريعاً فما بالك في التخطيط لرسم مصائر منطقة واسعة شاسعة تسكنها أمم ذوات مصالح شتّى ؟!! أتحدى خالد حداده وزمرة البعث الصدامي والأسدي أن يكشفوا عن أي ملامح للمشروع الأميركي الصهيوني الرجعي الإمبريالي!! يقول حداده أن دعوى الديموقراطية الأميركية هي دعوى كاذبة إلا أن أحداً لن يصدق مثل هذا التكذيب إلا إذا إقترن بالكشف عن حقيقة الكذبة ومراميها. ليس أمام حداده هنا إلا القول بمقاصد الولايات المتحدة نهب ثروات المنطقة. لكن أية حسابات بسيطة تكذب هذا الزعم تكذيباً بائناً. فالولايات المتحدة قد أنفقت حتى اليوم زهاء خمسمائة ملياراً من الدولارات في العراق فقط وكي تستعيد رأس المال فقط بغير الفوائد والأرباح تحتاج الولايات المتحدة لاستعمار العالم العربي ونهب ثرواته لأكثر من خمسين عاماً في حين أن الإستعمار كان قد إنقرض في العام 1972 بموجب إعلان الأمم المتحدة.

ويزعم خالد حداده، ويا لهول ما يزعم، يزعم أن حكومة السنيورة امتداد للمشروع الأميركي في لبنان! نحن قد نفهم الفقر الفكري لدى حداده وبؤس استنتاجاته لكننا لا يمكن أن نفهم وقاحة القول. فؤاد السنيورة ومعه ستة عشر وزيراً يلتجئون إلى السرايا منذ أشهر عديدة حفاظاً على حياتهم وينقطعون تماماً عن عائلاتهم، كل ذلك من أجل تمرير المخططات الأميركية ولزرقة عيون أميركا!! يهرب كل نواب الشعب اللبناني غير المرتبطين بالرباط السوري الإيراني، يهربون من لبنان إلى بلاد الله الواسعة خشية الإغتيال من أجل تحقيق أغراض أميركا!! ألا يشعر بالخجل والخزي من يقول بمثل هذه الأكاذيب والترهات ؟! العمود الأول في حكومة السنيورة هو وليد جنبلاط، فهل قرر وليد جنبلاط أن يختتم حياته عميلاً للإمبريالية الأميركية ؟!! وهل قضى سمير جعجع أثني عشرة سنه في زنزانة تحت الأرض في خدمة أغراض الولايات المتحدة ؟! وهل يتعامل سعد الحريري مع أميركا لكسب مغانم هو في غنى عنها!! ألا يجب أن يكون للوقاحة حدود ؟!!

قال خالد حداده كل شيء باستثناء شيء واحد حرص على ألا يقترب منه ألا وهو الجهة التي تحارب لأجلها عصابة العبسي. العبسي ومعه مئات من المقاتلين المدربين على الحرب الشاملة وليس على حرب العصابات ولديه من الذخيرة والأسلحة الثقيلة أكثر مما لدى الجيش اللبناني، كل هذه القوى تحتشد في منطقة صغيرة هي مخيم نهر البارد في الشمال اللبناني البعيد عن الحدود الإسرائيلية بطول لبنان كله، فلماذا هذه القوى وما أصولها؟! من هي الجهة التي دربتها وسلحتها ومن هي الجهة التي تنفق عليها وتتجاوز نفقاتها عشرات الملايين من الدولارات ؟؟ ـ خالد حداده لا يعلم، لا يعلم حقائق قائمة على الأرض لكنه يعلم تماماً الخطط الأميركية المكتومة والتي لا يعلمها إلا الرئيس الأميركي ومدير السي آي ايه!!

نسأل خالد حداده وليجبنا تبريراً لمقاصد الذين دفعوا به إلى منصب الأمين العام للحزب الشيوعي على غير توقع منه، وليس من أجل أي شيء آخر، ليجبنا، من هي الجهة التي دفعت بشاكر العبسي وعصابته، فتح الإسلام، إلى إحتلال مخيم نهر البارد ونقل كل هذه الأسلحة إليه ثم أخيراً بالإعتداء الفظ والوقح على الجيش اللبناني واغتيال ستة عشر جندياً في مهجعهم ؟؟ ثمة جهة محددة بعينها من دفعت إلى ذلك، هل هي الولايات المتحدة كما ألمح حداده أم أنها تيار المستقبل كما يتقول حزب الله ووئام وهاب أم هي سوريا أو عفواً المخابرات السورية والعصابة الحاكمة في دمشق ؟؟ قلها يا حداده من أجل أن تتكشف كل الأمور الأخرى دونما حاجة لأي ذكاء أو تذاكي!! قلها وأنت الأمين والأمين يحمل باسمه على الأقل شيئاً من الأمانة!!

عبد الغني مصطفى