الرحلة من لندن إلى باريس عبر القطار السريع يورو ستار كانت ممتعة ومليئة بمناظر خضراء تسرّ الناظرين؛ سواء في الجزيرة البريطانية أو في شمال فرنسا بعد شق بحر المانش.

لم أعلم أن هناك مسافرين معي في نفس القطار لم يستمتعوا بالرحلة بالقدر الذي استمتعت بها، إلا عند دخولنا إلى ضواحي باريس! حيث أُعلن عبر مكبرات الصوت أنه على المسافرين الجالسين في المركبة رقم سبعة عشر التوجه إلى مكتب يوروستار في محطة (غاردي نور) ليحصلوا على خصم قدره خمسون في المئة من تذكرة السفر عبر الشركة!

تهيّأ لي وأن في الأمر (واسطة) وأن أصحاب النفوذ تجمعوا في المركبة السابع عشرة، خصوصا وأن الرقم سبعة يعني الحظ! ودائما ما ارتبط بالسموات والسنابل السبعة!

المضيف أعلن قائلا: نتأسف لهؤلاء المسافرين على المشاكل التي سببها لهم تعطل جهاز التكييف في المركبة!! الإعتذار جاء رغم أن درجة الحرارة لم تتعد الخمس عشرة درجة مئوية ونحن في عز الصيف!

صال خيالي وجال بعد الإعلان؛ وتذكرت بعض المتاعب التي سبّبتها لي شركات النقل والطيران في بلاد العربان:

زرتُ قبل شهر بلدا عربيا وعند عودتي إلى لندن على متن شركة خطوط ذلك البلد؛ تحمّلت عناء التواجد في المطار أربع ساعات قبل انطلاق الرحلة ؛ وهذا فقط من أجل أن أظفر بمقعد بحاذاة بوابة النجاة حيث المساحة المخصصة للرجلين الطويلتين أوسع وأرحب!

ترجيت موظفة الشركة ذات الوجه العبوس بأن تحجز لي مكانا في تلك المقاعد؛ فأجابت بابتسامة مصطنعة : بالطبع سأفعل ذلك فإنك أول الحاجزين ؛ رقص قلبي فرحا فالتهمت في ثلاث ساعات عددا لا يُستهان به من الجرائد الوطنية ؛ أقول وطنية لأنها أغرقت في مدح صاحب الجلالة والسمو والفخامة؛ فتجرعتها جملة بجملة وكلمة بكلمة لعلّني أقتل الملل.

ركبت الطائرة فوجدت نفسي في مقعد غير الذي طلبتُه! حاولت أن أشرح موقفي للمضيفة ؛ فقالت لي : عليك أن تتقيّد برقم المقعد! عاندتُ: ارتفع صوتُها..إنني أعمل ساعات إضافية وهذه الرحلة لم تكن مبرمجة في جدولي اليومي...ومن الأفضل أن لا تسبب لي الصداع!

جمعت حالي وجلست في المقعد الذي اختير لي؛ وحقدت طوال الرحلة على أولئك الذين اغتصبوا مقعدي ؛ واستوعبْت من خلال الخدمة الراقية التي قُُدمت لهم؛ بأنهم من المقربين وما أدراك ما المقربين!

أتريدونني أن أتحدث عن تأخر الطائرات لساعات طويلة؛ وعن إلغاء رحلات وتأجيل أخرى!!لا أريد أن أُنغّص عليكم.

الإسلام يوصي بالإخلاص و الإتقان و التفاني في العمل وشعوبنا بعيدة كل البعد عن هذه القيم؛ ثمّنْتُ كثيرا تصرف موظفي شركة اليورو ستار وأحببتهم جدا من كل قلبي ؛ حينها تذكرت الحديث القائل: المرء مع من أحب يوم القيامة؛ وخشيت أن ينحرف القطار عن السكة فأموت واُحشر مع الصليبيين ! ثم رفعت هذا الدعاء:

اللهم احشرني مع الصليبيين المخلصين والمتقنين لأعمالهم.

سليمان بوصوفه