الصورة الجميلة للإنسان وللإنسانية، هل يعقل أن تقطعها أربا أربا أعمال وأفعال وحشية إجرامية لا تسوغها أي منطق للعقل باسم الإرهاب الإسلامي القادم من البلدان المجاورة للعراق، لأناس أصبحت الإنسانية مقطوعة الجذور لديهم، أناس من المفجرين والانتحاريين الإرهابيين واليائسين والبائسين من بقاع مختلفة من العالم، بالأخص منهم من الخليج والمغرب والشام، أخذوا ينشرون للإسلام صورة دموية فاحشة، في بغداد وديالى والموصل والرمادي وكركوك وشرم الشيخ ولندن ومدريد ونيورك وكابل وغيرها من المدن الإسلامية وغير الإسلامية، بإصرار متعمد وإلحاح متعجرف وعقيدة عفنة، وقلوب جامدة، لا تملك الرحمة ولا الشفقة ولا للضمير شعورا ولا للوجدان إحساسا، لا في الصدور ولا في القلوب.
أفعال أقل ما يوصف بأنها إرهابية، إجرامية، شيطانية تحمل جذورا للانتقام الرهيب ضد الإنسانية وضد البشرية، أدق ما يوصف بأنها إجرام شمولي منظم، معد بكل تقنية، مجهز بأساليب فنية متقدمة، ممول من جهات خليجية ودولية على مستوى الحكومات والجماعات والأفراد، مطعمة بعناصر إستخباراتية وأمينة محترفة، مدربة بكل احتراف ومهنية، موجهة لقتل أكبر عدد من المدنيين والأبرياء في العراق، بغض النظر عن اللون والدين والمذهب والجنسية، موجهة لتدمير بنيان الانسان تدميرا رهيبا، موجهة لإحداث دمار روحي ومادي في بلد الرافدين، لا لشيء الا لسفك الدماء وزهق الأرواح، لأسباب لا تقبلها لا العقول ولا تأخذ بها القلوب.
أجل هذا الشيطان الدموي الذي يفتك بأرواح البشر صغارا وكبارا كل يوم في العراق هذا البلد العزيز، في بغداد والحلة والموصل والرمادي وبعقوبة وأحيانا في اقليم كردستان، وبين فترة وأخرى في بلدان أخرى من العالم في مدن مدريد وبالي ولندن وغيرها، تحت ذرائع لا يقبل بها أي دين سماوي ولا أي شرع إنساني، هذا المارد الشيطاني أخذ به الشر منحى خطيرا بالتفجيرات والعمليات الانتحارية لإزهاق أرواح الأبرياء من الناس الكرماء.
أمام هذه الأفعال الشنيعة التي ترتكب من قبل أفراد بائسين من دول الخليج من السعودية والإمارات وقطر، تقف هذه الدول صامتة، ساكنة، راكدة، دون حراك ودون هاجس قلق أو حزن وكأن ما يجري في العراق، محسوب على الأعادي، بعيدة عن الاستنكار والإدانة والمساهمة والمشاركة، في مكافحة هذه الظاهرة الفتاكة التي توصل بالإنسان الى حالة مفرغة من التفكير العقلاني، ومجردة من الإحساس الإنساني الفطري بالحياة وبالقيم الإنسانية، وكأنها تعيش في سبات عميق، لا تهتم بما يجري في بلد الرافدين، كأنها تعيش في عالم آخر غير عالمنا.
والمؤسف بكل معنى الكلمة، أن تسجل مشاركة العرب النسبة العالية من الإرهابيين المشاركين في العمليات الانتحارية التي تجري بحق العراقيين، من السعوديين والسوريين والمغاربة والجزائريين والفلسطينيين والسودانيين والمصريين وغيرهم، وكأن ما يجري بحق أهل العراق غزوات وجهاد وتكفير لإزهاق أرواحهم وإباحة دمائهم من قبل هؤلاء القوم الضالين، الإرهابيين، ليفتكوا بالدماء الغالية للنفوس العراقية، صغارا وكبار، نساءا ورجالا، شيوخا وأطفالا، مدنيين وعسكريين، مسلمين وغير مسلمين، في كل مكان، لا لشيء الا لأنهم أرقى مخلوقات الرحمن الرحيم، ولا لسبب الا لأنهم يرسمون لنفسهم بسمة وحياة طبيعية في الشارع والبيت والمدرسة والجامعة والدائرة والحافلة والسوق، حياة تجدد تقابل بحياة موت يائس لنفوس بائسة فاجرة ناحرة من إرهابيين عرب مسلمين، مجندين نفوسا مريضة غير عاقلة، جريا وراء سراب واهم غرسته ثقافة جامدة متخلفة غير عقلانية، تورطت بها أمة الإسلام باسم الجهاد والشهادة، والدين براء منهم براء الذئب من دم يوسف، جماعات خارجة من حركات متشددة سلفية خرجت من دهاليز إستخباراتية دولية ومخابراتية محلية لدول عربية وإسلامية، ودولية وإقليمية، انطلقت من جحور مظلمة حالكة منزوية لتتشبع من الزوايا المعتمة في الفكر الإسلامي بدوافع لا تمت للإنسانية بأية صلة.
أمام هذه الحال، وأمام هذه الظاهرة الخطيرة التي تعصف بأبناء العراق بفعل غادر من أناس وجماعات محسوبة على المسلمين في حدود مجاورة للعراقيين، التي أصابت المنطقة مع سكوت الدول المجاورة وصمت المراجع ومشايخ الإسلام على مجابهة هذه السلوكيات والأفكار الإجرامية المتسمة بالوحشية المقززة، والمرتكبة باسم الإسلام، وعدم قدرتها على مواجهة هذه الحركات الإرهابية بموانع وضوابط واليات تعمل على أزاحتهم وإزالتهم من الواقع، وتزيلهم من واجهات مفردات الحياة التي تعيشها الشعوب الإسلامية، نقر بان الجانب الإسلامي والعربي ممن تنطلق منهم تلك الجماعات مشاركون بصورة مباشرة في تغذية الإرهاب في العراق من خلال تجهيزه بالموارد البشرية والمالية والتقنيات الفنية لتغذية منابع الإرهاب وإمدادها بكل الوسائل والمقومات لضرب العراق وشعبه وأهله دون رحمة ودون شفقة.
ولا يخفى ان تقارير صحفية غربية تشير الى أن أمراء من دولة مجاورة للعراق يشرفون على كل العمليات الإرهابية في العراق من خلال تقديم كل العون والمال والدعم اللوجيستي لكل من يناصب العداء للعراقيين، وهؤلاء هم نفس المجموعات الخليجية التي قامت بنشاط مكثف للتغطية على الجريمة التي ارتكبها تنظيم القاعدة في أمريكا بمجموعات خليجية كاملة، أغلبها من دولة واحدة، من خلال دفع عشرات المليارات من الدولارات لأصحاب القرار والمراكز المهمة والمقربين منهم في واشنطن لإغلاق ملف تفجير برجي التجارة العالمية.
وعلى ما يبدو، ان نفس هذه المجموعات العاملة في الخليج، إضافة الى المجموعات العاملة في إيران التي تغذي العنف والاحتقان الطائفي، تدفع بمئات الملايين من الدولارات لتغيير الواقع السياسي الجديد في العراق، للإطاحة بنظامه الديمقراطي وبدستوره وفيدراليته وتعدديته وتنوعه لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، من خلال القيام بأعمال إرهابية وإجرامية وتخريبية بحق السلطة المنتخبة وبحق العراقيين، لكي تعود الفرصة مرة ثانية لفلول البعث البائد والإرهابيين تسلم مقاليد الحكم والعودة بالعراقيين الى الوراء، وهذا محال بالرغم من الواقع المفسد الذي يعاني من أزمات ومشاكل ومعوقات مسؤولة عنها الحكومة، ولكنها في كل الأحوال لا تعني التخلي عن الواقع الجديد والعودة الى نظام الطغيان والاستبداد الذي ولى الى رجعة.
لهذا فان الحكومة برئاسة نوري المالكي، مطلوب منها التعامل بجدية لبيان خطورة هؤلاء المتفقين الى العراق من الحدود السعودية والسورية والإيرانية، وكشف ما يفعله الإرهابيين القادمين من الدول العربية وبيان أدوارهم وأفعالهم ومخططاتهم الإرهابية في الصحافة والإعلام والفضائيات، لكشفهم أمام الرأي العام العراقي والعربي والإقليمي والدولي، وفضحهم وفضح الجهات الممولة والمغذية لهذه الجماعات الإجرامية من بشر ومال وسلاح ومعدات، لبيان حقيقة الأمور للعراقيين وشعوب المنطقة والرأي العام العالمي، ولا شك أن الأمور التفصيلية للقيام بهذا العمل لا بد أن تكون واضحة وبينة بالأدلة والبراهين لكشف الأمور بمصداقية تامة.
ومع هذا العمل الضروري لبيان الحقائق المتعلقة بالإرهاب، فان العمل على إيجاد سبل موحدة ومتحضرة، منسجمة ومتفاعلة مع العصر لطرح رؤى وأفكار مبنية على نبذ العنف والكراهية، بروحية مستندة الى إيمان مطلق بالسلم ونبذ أعمال وسلوكيات العنف والإرهاب بجميع أشكالها وإقصاء الكراهية، لإرساء مبدأ إنساني أصيل مبني على إتباع طرق ووسائل سلمية لطرح المطالب ونيل الحقوق على نطاق الشعوب والمجتمعات والأفراد على نطاق منطقة الشرق الأوسط، ضروري لإرساء أسلوب مدني متسم بالتحضر يحمل من القيم الإنسانية النبيلة التي تزيد من الإسلام قوة، لتعطي صورة جميلة عاكسة للمرآة الحقيقة لهذا الدين المتمثلة بالتسامح والعيش المشترك والاحترام المتبادل مع كل الأديان السماوية وغير السماوية التي تعيش تحت خيمة الإنسانية الواحدة في العراق وفي كل الدول المجاورة له، لرسم صورة جديدة عن الإسلام نابضة بالأمل والتسامح والسلام والأمان والحب والمودة لكل شعوب وأمم المنطقة، وأهل العراق ماضون في هذا السبيل لتقديم نموذج حيوي مفعم بالإنسانية والتعددية والتنوع القومي والعراقي والمذهبي برغم الصعاب والأزمات، ولكن في حالة نجاح القوى الإرهابية وبعض القوى الدولية والإقليمية المعادية لأهل بلاد الرافدين من وقف مسيرة أبنائه فان ما سيلحق بالمنطقة ستكون كارثة لم تشهدها طيلة تاريخها الحديث والقديم تنطلق منها طوفان وبركان من نار تحرق كل دول المنطقة وبلدان العرب والمسلمين، نار فتنة لا تخمد لقرون طويلة، لهذا فان مهمة العراقيين في الحفاظ على نموذجهم وكيانهم مهمة تاريخية وضرورة إنسانية لردع حدوث هذا الانفجار الكبير، ومهمة المالكي والسلطة العراقية بالرغم من السلبيات التي تعايشها والفساد الذي يسايرها ويواجهها، ألا أنها يجب أن تكون صارمة بوجه الإرهاب العربي، للاقتناص منه والوقوف بوجه بحزم وبشدة أمام إرهاب فئة باغية من العرب والمسلمين لا تريد لأهل العراق الطيب أي خير وأي سلام وتريد لزمن الإسلام ان ترجع الى الوراء عكس عقارب ساعة الحياة، الى عصور الظلام والتخلف والجهل والمرض، عصور لم تخلف سوى الدمار والتخلف والموت لشعوب المنطقة على مر الزمان.
د.جرجيس كوليزادة
[email protected]
التعليقات