تأكيدات البحرين أنها تلقت ldquo;تطمينات رسميةrdquo; من طهران نقلها وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي، تؤكد احترام سيادة المملكة وسلامة اراضيها، وذلك في اعقاب الجدل والسخط الذي أثارته مزاعم مستشار المرشد الأعلى الايراني حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة ldquo;كيهان الايرانية المحافظة الذى نشر مقالا زعم فيه ان البحرين محافظة من المحافظات الايرانية وان اهالى البحرين يطالبون بعودة الجزيرة الى ما اسماه وطنهم الام، ثم بعد الاحتجاجات البحرينية والخليجية والعربية عاد نفس الرجل ليصب مزيداً من الوقود على النار وزعم مجدداً أن دعاواه تابعية البحرين والجزر الثلاث الاماراتية المحتلة إلى ايران ليست من وحي الخيال بل تثبتها الوثائق. التطمينات الرسميةrdquo; من طهران لا تلغى خطورة تلك التصريحات من عدة وجوه، اولها ان صحيفة كيهان الايرانية عادة تعبر عن الاتجاه الحاكم فى طهران وهى لسان حال القادة الحاكمين فى طهران بدليل ان الكاتب هو فى نفس الوقت مستشار المرشد الاعلى الايرانى، وثانيها ان تلك التصريحات تطلق فى اطار حملة ايرانية مبرمجة لتخويف جيرانها وابتزازهم. ولذا فقد سارع وزير الخارجية المصري أحمد ابوالغيط الى تأكيد تمسك مصر ومساندتها لاستقلال وسيادة الاقطار العربية كافة، خاصة في ظل حالة التوتر وعدم الاستقرار التي تسود بؤراً عديدة في المنطقة، والملاحظ أنه عقب قيام الثورة الايرانية نصبت الحكومة الجديدة نفسها حكما لتقييم سياسات دول الخليج، ومارست ايران سياسة نشطة لزعزعة استقرار دول الخليج العربى، وقد منيت محاولات ايران لتصدير الثورة الى الدول الخليجية بالفشل، ليس ذلك فحسب، بل ساعدت على تحقيق التكامل السياسى بين دول الخليج العربى، ورغم انتهاج القيادة الايرانية بعد ذلك لسياسة اقل راديكالية، الا انها استمرت فى محاولة زيادة نفوذها العسكرى عبرمشتريات الاسلحة التقليدية كما تتصور ايران ان الحصول على الاسلحة غير التقليدية سيسهل تأكيد تفوقها العسكرى وقوامتها على كل دول الخليج العربى وسيمكنها من التأكيد على موقعها كقوة اقليمية متفوقة واكتساب القدرة اللازمة للضغط على الولايات المتحدة على نهج مماثل لكوريا الشمالية ولكن الملاحظ هنا أنه في مركز القلب من هذه القضية يكمن طموح النظام الإيراني في التحول إلى قوة إسلامية وإقليمية مهيمنة، وبهذا تضع نفسها في مصاف أقوى الدول في العالم. وهذا الطموح بعينه هو الذي يشكل الفارق بين إيران وكوريا الشمالية: ذلك أن كوريا الشمالية لا تسعى إلى امتلاك القدرة على إنتاج الأسلحة النووية إلا لترسيخ عزلتها، أما إيران فتسعى إلى السيطرة الإقليمية وما هو أبعد من ذلك. ورغم استمرار الغموض المحيط بالفترة الزمنية اللازمة لايران لامتلاك السلاح النووى، يمكن طرح تخمينات معقولة حول مدى تأثير امتلاك ايران للاسلحة النووية فى استقرار منطقة الخليج العربى، اذا وضعنا فى الاعتبار أن ايران تحتاج نحو خمس سنوات للحصول على قدرة نووية لها قيمة عسكرية، فهل تستطيع فى الوقت الحاضر ان تنتزع من جيرانها الخليجيين تنازلات دبلوماسية أو عسكرية؟


تشير الدلائل واراء عديد المحلليين الى أن ذلك فى حالة حدوثه سيعزز دور ومكانة ايران فى العالم الاسلامى والى ان ايران ndash; فى حال امتلاكها قدرة نووية ناشئة ( لا تتجاوز بضع قنابل مع أنظمة انطلاقها ) ndash; لن تستطيع أن تمارس الا ضغطا محدودا جدا ضد دول مجلس التعاون الخليجى.، وربما هذا التقييم لاثار حصول ايران على قدرة نووية صغيرة، يقوم على افتراض استخدامها استخداما هجوميا. ويكمن الأثر الأكبر فى استخدامها كأداة لردع الأخرين، بمعنى أن قيام ايران بالاستيلاء على اراض عربية، فى هجوم ناجح بالاسلحة التقليدية، سوف يتبعه التلويح بقوتها النووية لمجرد التخويف، ومنع الاخرين من تحرير أراضيهم. ولكن الأمر-أى استخدام الاسلحة النووية للتخويف، يحمل فى طياته خطر دفع القوى العظمى سيما الولايات المتحدة الأمريكيةالى التصدى لايران بوسائل عسكرية مدمرة. فى حين تبدو قدرة ايران على انتهاج سياسة خارجية عقلانية ضعيفة، بالنظر الى طبيعة قيادتها الحالية.


وبالاضافة الى طموحات ايران النووية، فهناك الجهود الملموسة التى تبذلها طهران للمحافظة على قدرتها العسكرية التقليدية وتعزيزها، فى مجالات يمكن أن تشكل تهديدا مباشرا لأمن الدول العربية الواقعة على الجانب الآخر من الخليج. لاسيما أن ايران تملك القوة اللازمة لشن غارات جوية بعيدة المدى ضد أهداف محددة على الساحل المقابل للخليج، ويمكن لألغامها وصواريخها بعيدة المدى المضادة للسفن وزوارقها الهجومية السريعة، أن تعيق بشكل خطير حركة السفن من الخليج واليه. مع انتاجها للمواد السامة وحيازتها على صواريخ متوسطة وطويلة المدى، وحصولها على عدة غواصات، كل ذلك يدل على اتساع نطاق الاطار العملياتى الايرانى بصورة مقلقة. وبرغم أن ايران تفتقر الى القدرة على اقامة جسور جوية وبحرية، والى الامكانيات اللوجستية اللازمة لمساندة هجمات متكاملة وواسعة النطاق بعيدا عن حدودها، فان حجم مجمل قواها البشرية العسكرية العاملة وازدياد كثافة ووتيرة المناورات العسكرية التى تجرى بانتظام بين أسلحتها المشتركة فهى لا تكاد تنهى مناورة حتى تلحقها بأخرى فى استعراض للعضلات لا أراه موجها ضد القوات الغربية والامريكية بقدر ما اراه رسائل تخويف الى جيرانها! ان التناقضات القائمة بين السياسة الخارجية والامنية الايرانية، وما ينتج عنها من انتهاج استراتيجية التخويف والتهديد، تسبب اختلالا مستمرا فى الأداء الايرانى.


د. عبدالعظيم محمود حنفى
خبير الدراسات الاستراتيجية