فى مقاله يوم 24 تموز (يوليو) الجارى بعنوان: رشوة ايرانية للمالكي؟ أم اهانة للعراق؟. الأستاذ البصري من خيرة الكتاب الذين كتبوا عن الأوضاع المأساوية فى عراقنا الجريح، وقد التزم جانب الأمانة والصراحة فيما كتب. أنا وكثير من القراء يتلهفون لقراءة ما يكتبه، وحينما تتأزم الأمور أكثر فى العراق يكتب بعنف وشدة نابعان من حبه للوطن وغيرته عليه، ولكنه فى بعض الأحيان - ويؤسفنى ان اقول ذلك- يكاد يشتط أحيانا بسبب غضبه العارم مثل كل فرد فينا نحن العراقيين. أجده قد جانب الصواب فى تساؤله عما اذا كانت الهدية رشوة ام اهانة. ان الهدية تقدم الى الغني الموفور الغنى كما تقدم الى الفقير المعدم. ولكن اعادة الهدية تشكل اهانة فى كل الأعراف. وربما نسي الأخ داود كيف ان ايران منعت مرور الطائرة التى كانت تقل المالكي الى الشرق الأقصى من المرور عبر أجوائها، فلربما كانت تلك الهدية اعتذارا عن ذلك العمل المنكر من جانب ايران.

أما حكاية الطائرات العراقية التى هربها صدام من المعركة الى ايران فلم تكن بينها طائرات مدنية بل كانت كلها عسكرية وعددها يتراوح بين 115-140 وعندما عرف الأمريكيون بذلك أرسلوا طائراتهم لوقف التهريب ومن ثم دمروا مئات الطائرات العراقية الباقية وهى جاثمة على الأرض. مصير تلك الطائرات هو ان ضم الأيرانيون 67 طائرة منها الى طيرانهم والباقية دمروها بعد ان رفعوا منها كل ما يحتاجونه من قطع الغيار واعتبروها كتعويضات حربية عن الدمار الذى أنزله صدام ببلادهم.

الغريب فى الأمر ان الكل يتحدثون عن مصير الطائرات ولا يذكرون شيئا عن الطيارين العراقيين الذين قادوها ولم أعثر على أية معلومات من المصادر المتوفرة لدي تدل على مصيرهم. والمعروف أن الطيار فى كل العالم يكون أثمن من الطائرة، عدا البلدان التى لا قيمة للانسان لديها.

ثم تطرق الى الانتخابات التى سماها (المسلوقة) وقال عنها انها جعلت من رجال النظام الأيراني السابقين بمثابة رجال وقادة للعراق الجديد. هذا أمر عجيب اذ لم يقل احدا بان الوزير الفلاني او النائب الفلانى كان من رجال النظام الايرانى السابق. الانتخابات المثالية تكاد تنعدم فى كل العالم، وفى أكثر الأحوال يقول الجانب الخاسر بأن الانتخابات كانت مزورة. لم تكن انتخابات العراق مثالية ولكنها وباجماع المراقبين كانت جيدة. للأسف الشديد كانت طائفية قبل كل شيء، ونحتاج الى عشرات الأعوام لكي يصوت العراقيين لنواب مؤهلين ثقافيا علميا وليس طائفيا.

أما كون حزب الدعوة طائفيا، فلربما كان ذلك صحيحا، ولكن هذا الحزب جاء نتيجة لطائفية عبد السلام عارف الذى أجج نار الطائفية فى العراق وكان يسب الشيعة علنا ويبعدهم عن المناصب الكبيرة والحساسة. وقال لى فى وقتها أحد اصدقائي وهو نعيمي (سني) انه فوجىء احد الأيام بدخول عبد السلام الى محله ومعه حرسه الخاص وقال لصديقى ما معناه (انتبهوا لهؤلاء الخنازير) ويقصد الشيعة اصحاب المحلات المجاورة. فتصوروا التخريب الذى عمله هذا ومن تبعه من حكام العراق، بينما فى عهد الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن أحد يذكر الطائفية او يشعر بها، حتى انه بنى وهو السني مدينة الثورة للفقراء الشيعة، ولكنه كان انسانا عراقيا قبل كل شيء، وربما لن يجود الزمن بمثله. انقض عليه المجرمون من كل الطوائف طمعا فى منصبه، ولم يكن أعداؤه من طائفة معينة، وفى غفلة من الشعب الأعزل قتل رميا بالرصاص و بدون محاكمة.

صحيح جدا ان المالكي لم يفعل كل ما هو مطلوب منه، ولكن هل هو حر فيما يريد عمله؟ هناك البرلمان (مجلس الحجاج) وفيه المعارضة ومجلس الوزراء وفيه المعارضة ايضا، ولا يخلوا المجلسين من ارهابيين و زعماء للارهاب. وفوق كل ذلك الأمريكان الذين ثبت فشلهم الذريع فى الادارة، والكونغرس الأمريكي فى خصام دائم مع رئيس الدولة يطالبونه بالانسحاب من العراق. الارهابيون البعثيون يدمرون كل ما تبنيه الحكومة والأمريكان، ويقتلون كل الناس وغايتهم اشاعة الفوضى ليقولون للناس: انظروا الم يكن عهد صدام أحسن؟ وارهابيي القاعدة يغتنمون فرصة البطالة لدفع الشبان الجائعين الى الأعمال التخريبية وقتل الناس من أجل حفنة من الدولارات ويواعدوهم بالجنة وحورها العين، واتفق كل اطراف الارهاب على اسقاط الحكومة الحالية لا حبا بالاصلاح وانما استمرارا بالفوضى التى قد تؤدى الى فوزهم فى النهاية.

طالما ان الشعب مشقق طوائفا وأحزابا لا يهمها الا السيطرة على الحكم، فلن يرجى صلاح للبلد المخرب، ولن يستطيع المالكي او غير المالكي ان يفعل شيئا، ولا أظن ان هناك عاقلا واحدا يحسد المالكي على منصبه، واننى لا أعرف كيف استطاع الاحتفاظ بتوازنه وسط كل هذه الفوضى العارمة. وكما يقول الموصليون: (نرقعه من هونى ينفتق من هونى) ويعنى ذلك: نصلح جانبا فينهار جانب آخر. مع حبى واحترامى للأخ داود البصري.

عاطف أحمد العزي