السيد وزير الاتصالات: الإنترنت السوري يسجل رقماً قياسياً

اسمحوا لي سيدي الوزير المفدى، أن أتوجه إليكم، ومن على هذا المنبر المشفـّر، بتحية شكر وتقدير واحترام، وأن أرفع لسيادتكم، مع علمي المسبق بعدم أهمية تحياتنا ونظرتكم لنا كمواطنين مشحوطين معثرين نقبع من يومنا في أسفل السلالم الاجتماعية، أسمى آيات التقدير والاحترام نظراً للدور العظيم والهام الذي تضطلعون به لنشر المعلوماتية في سورية من حيث لا تدرون ولا تنوون، لاسيما وأنتم قابضون على مشعل الرسالة الخالدة في هذا المنعطف التاريخي من مسيرة التشفير الغراء. ومناسبة هذه الرسالة، هي دخول الإنترنت السوري الذي يتشرف بوصايتكم عليه، وبفضل قيادتكم الملهمة له، موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ولا يسعني في هذه الكارثة الوطنية غير الجليلة، أبداً، إلا أن أرفع لكم القبعة على هذا الإنجاز العظيم الذي عجزت عنه حتى النيبال وكشمير وفييتنام والخمير الحمر وقبائل الماو ماو.

فقد استغرق تنزيل برنامج adobe reader، ساعتين وثمان وخمسين دقيقة بالتمام والكمال، أي ما يعادل 75 ليرة سوريا من دخلنا الهزيل، وهي رقم مرعب وأسطوري وخرافي في حساباتنا الثورية المتواضعة، شفطتها مؤسستكم الوطنية، بغير وجه حق، من قوت أطفالنا الصغار المحتاجين لكل قرش يدخله عليهم للصحة والدواء والتعليم والغذاء، وهم أحق به، وليس دوائركم المالية وموظفوكم الإنكشاريون الذين لا تأخذهم لا رأفة، ولا شفقة بأحوال المعترين والمشحرين والمشحوطين والمنتوفين من الناس. وصدقاً، سيدي الوزير، في كل مرة أدخل فيها للنت، ونظراً لما أعانيه من نزف للوقت والجهد والمال والأعصاب، أشعر بتعرضي لعملية نصب واحتيال وسرقة موصوفة لا يقوم بها حتى قطاع الطرق وأعتى المافيات، أدفع فيها من قروشي المعدودات، دون أن أتلقى بالمقابل أية خدمة محترمة تليق بي كإنسان، من قبل مؤسستكم الوقورة مع العلم بأنني أشارككم بالمواطنة والعروبة التي quot;تلدعونناquot; بها في كل خطبكم النارية، ولاسيما وأنكم قد اعترفتم، وبعظمة لسانكم، بالأمس أن أسعار الاتصالات في سورية هي الأعلى في العالم من حيث دخل الفرد.

لقد كان تعاملكم الشجاع، وتعاطيكم الحضاري والرائع الفذ في تقديم هذه الخدمة والإنجاز البشري العظيم، واحداً من العلامات الفارقة والمفصلية التاريخية لمسيرة الإنترنت ليس في سوريا، وحسب، بل على صعيد مجرة درب التبانة بأكملها. وصار الجميع يعتقد بأن هذا اليهودي الحاقد بيل غيتس لم يطور هذه الشبكة العنكبوتية إلا لتطالها أيادي العبث الجاهلة لقداسة هذا الإنجاز العملاق وأهميته على كافة الصعد، وتحولت إلى نادرة من نوادر الزمان تروى على مر التاريخ والأيام. فالإنترنت هو الوحيد الذي يقدم في سوريا للمتصفح صفحات بيضاء تدوم لساعات، وينقطع من دون أي سبب وإنذار، وquot;ينتع تنتيعاًquot; كسيارات quot;الجيب واظquot; البلشفية السوفيتية في quot;طلوع الثناياquot;، وأحياناً، يتوقف كلياً، وتصوروا معاليكم، بمجرد أن تمطر السماء. كما وتأتي للمتصفح عشرات الرسائل المبهمة من جمعيتكم لحجب المعلوماتية بدل الصفحات المطلوبة، وهذه واحدة من أعاجيب الدنيا السبع، التي نسي المتآمرون والصهاينة والإمبرياليون أن يضيفوها لعجائبهم التي أعلنت مؤخراً في وسائل الإعلام.

ثلاث ساعات، بعجرها وبجرها، وقضها وقضيضها، من الزمن المهدور، والعمر المكسور المكدور الذي صار سيدي الوزير رخيصاً وغير جدير بأن يعاش، أو يطاق، مع خدماتكم الحضارية الراقية التي لا توصف، حيث لم يعد لدينا، ولم تتركوا لنا، وبفضل من الله، أي شيء نخسره، على الإطلاق، أو نأسف عليه، ونعيش من أجله في هذه الحياة، فقد صودرت ووئدت حتى الخيالات الطفولية البريئة والأحلام. ثلاث ساعات قضيناها بانتظار تنزيل برنامج لا يأخذ عادة عند مؤسسات تحترم نفسها، وزبائنها، أكثر من عشر دقائق في أسوأ الأحوال.

كما أود أن أعبر لكم عن جزيل شكري، وعميق امتناني بسبب كل تلك السياسات التي اتبعتموها في التعامل مع هذا المنتج الإنساني الفذ، والذي ساهم في تحويل الكثير من السوريين، وعلى القاعدة الطبيعية والقانون الصارم الذي لا يخطئ وهو كل شيء يولد ضده، فجعل مني، ومن أمثالي، ومن مجرد فتية صغار، أبطالاً حقيقيين وخبراء في الإنترنت، في فك التشفير، والنط على الإخفاء، والقفز على الموانع، والالتفاف على سياسات الحجب التي تطبقونها بلا طائل ومن غير إحكام. وصرنا بفضلكم، والحمد لله، علماء ومراجع حقيقية بالنت، نـُسأل ونـُستشار، ولا يشق لنا غبار، بعد أن كنا، لا نستطيع أن نحل معادلة بربع مجهول، أومعرفة قيمة س، مثلاً، في المعادلة البسيطة التالية، وهي س+1= 2س، وهذه، ولعمري وعمر جارتنا الجميلة أم حنان، ولا تقول أنني رخـّصت بهذه الإيمان، واحدة تحسب لكم، وليس عليكم، على الإطلاق.

هناك خدمة موجودة في النت يطلقها الصليبيون واليهود الكفار اليوم، ولا أدري إن كنت قد سمعتم بها معاليكم، واسمها الـ wirelss، وقد جربتها بنفسي عندما كنت في بلاد الكفر والإلحاد، والعياذ بالله، وهي أن يصبح المتصفح على النت مباشرة بمجرد تشغيل محموله ويتفصح ويبحر ويسبح في النت بلا رقيب أو حساب. تصوروا معاليكم أولئك المهابيل والمساطيل، الذين لا يخافون الله ويوزعون، الإنترنت على مواطنيهم هكذا بالمجان، وأستغفر الله على كل حال. لذا أعتقد بأنهم يجب أن يخضعوا لفحص دقيق للتأكد من حالتهم الصحية والعقلية من قبل أمناء الصناديق ولجان المبايعات، وصاروا، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة لدورات فورية عند المعلمين المتخصصين في أفانين الشفط، والتلويع، والجباية الإنكشارية، وإذلال الناس، وتنظيف الجيوب، وسياسات التطفيش والإفقار.

فإلى مزيد من النجاحات والفتوحات الكبرى في عالم اليوم، عالم النت، وثورة التكنولوجيا والاتصالات التي انطلقت من قمقمها ويبدو أنها لن تقف عند حد ولن يكون بمقدور أحد التحكم بها على الإطلاق. فإلى ذلك اليوم الذي ينقرض فيه النت في سوريا، بمشيئة الله، وعلى أياديكم البيضاء، ووعده الحق الذي لا يضام، تقبلوا، سيدي الوزير، وافر التقدير والاحترام.

نضال نعيسة
[email protected]