غزوات لندن ـ3ـ
هل يعني أن ما تحدثنا عنه في القسمين الأول والثاني أن هذه التيارات لا توجد لها قاعدة شعبية في المجتمعات الإسلامية؟ أبدا بل العكس هو الصحيح وهذا بالضبط ما أعطاها درجة من الاستمرارية رغم الملاحقة والحصار الذي تعيشه في غالبية بلدان العالم. ثم أن تواجدها في الغرب وخصوصا الدول الكبيرة من هذا الغرب يعود إلى استفادتها من مميزات دولة القانون وحقوق الإنسان. فهي تنشط أقله إعلاميا ودعاويا وماليا أحيانا رغم كل الرقابات المالية المفروضة الآن على حركة الأموال في الغرب. ودون أن يتم التفكير من قبلهم ببداهة: أن ما يتيح لهم الغرب من حرية عبادة ودعاوي لا تتيحه لهم بلدانهم ومع ذلك مستعدين لدفن شعوب هذا الغرب أحياء ! أما لوكان في الغرب مثال كحافظ الأسد وصدام حسين وبقية الشلة ! عذرا منكم لوجدتهم في موقع أيديولوجي آخر. لا نقلل من قناعاتهم برخص الدم الإنساني لديهم أبدا بل العكس تماما نحن مقتنعون أن الذين قاموا لقتل اليسار الكافر والشيوعي الملحد دفاعا عن سلطاتهم التي كانت مؤمنة في مرحلة ما تجعلهم قادرون على إراقة دم أي إنسان ! فماذنب المواطن الغربي العادي وماذنب المواطن المسلم الذي يذهب ضحية أعمالهم في العراق والصومال والمغرب والجزائر واليمن والسعودية؟ ماعدا إيران وسورية وليبيا ! شيء يدعو للعجب ! هذه القاعدة الشعبية يجب أن نبحث في أسباب استمرارها وكيفية تفكيكها ليس عن طريق العنف ! والبحث في الجهات الداعمة لاستمرارية هذا النوع من الثقافة الشعبوية ! بالتأكيد إننا أمام حالة ليست مؤبدة بل هي حالة من صناعة الراهن من صناعة العالم المعاصر بكل تعقيداته وصراعاته ومصالحه. كنا قد ضربنا مثالا حول استخدام السيف في قطع العنق: هل هذه الحالة كانت سائدة قبل هذه السنوات الإفغانية؟ أليس استعادة هذه الإداة والتنفيذ وطريقة هذا التنفيذ لكي تبثه قناة الجزيرة على رغم من بشاعته وفق مقاييس هذا العصر هو تأكيدا لثقافة مندثرة أم أنه تأكيدا لثقافة معاصرة؟ إذن من المهم الحديث عن القاعدة الشعبية لهذه الثقافة ولكن من منظور تاريخي بالدرجة الأولى. فإن أية دعوة لممارسة العنف مهما انتشرت شعبيا يلزمها محركات داعمة ماديا وحركيا. وكلنا يعلم على سبيل المثال لا الحصر سوريا أقله: عندما انشق تنظيم الطليعة المقاتلة عن جماعة الأخوان المسلمين لو لم يجد داعما سلطويا مجاورا لما استطاع هذا التنظيم القيام بأعماله العسكرية ! ومن المعروف أن انتشار الفكر السلفي بشقيه السلمي والعنيف قد ترافق مع الفورة النفطية أيضا.
كما أن السادات مصريا كان قد سمح ودعم قيام تنظيمات جهادية في مصر وسمح لها أن تتمول مصريا وعربيا ! وقضت عليه في النهاية. إذن لهذه التنظيمات قاعدة شعبية تختلف من دولة إلى أخرى. ولكنها هل تشكل قاعدة مهيمنة؟ ! لو كانت كذلك لما اضطرت هذه التنظيمات لممارسة القتل. فالإرهاب فعل إما تمارسه سلطة ما أو تمارسه جماعة لا تجد طريقا سلميا لتحقيق أهدافها السياسية. ومن ثم لإحساسها بعدالة قضيتها من جهة ولإحساسها الأعمق بأنها عن طرق العنف هذا قادرة على أن تتحول إلى أكثرية شعبية مما يتيح لها قلب السلطة في أي مكان تريده. إذن هي شعبيا لها قاعدة ولكنها قاعدة أقلوية. وهي تتيح تقويا ومافيوزيا أي سلوك عنيف وتبرره دينيا وأخلاقيا. لأنني شخصيا استغرب كيف يمكن لداعية إسلامي أن يبرر قتل مواطنين دولة أعطتهم حالة من الأمن والأمان ورسمت لأطفالهم أفقا مضمونا في عيشهم / أوروبا مثالا فهي فيها كل الإسلام المتطرف وغير المتطرف الذي لجأ إليها نتيجة لهربه من أنظمته. كم سلطة في العالم طالبت بريطانيا بتسليم أبو قتادة مثلا؟ الذي يدعو إلى قتلهم وهم يسمحون له في الصلاة في شوارع لندن والدعوة لقتل المواطنين الغربيين من ساحات لندن دون حد أدنى من الامتنان لما اتاحته لندن لهم ولعائلاتهم. أما لوقامت لندن بتسليمهم إلى بلدانهم الأصلية ! لكنا أقمنا الدنيا ولم نقعدها بحجة أن هذا خرق للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فماذا تفعل لندن في هذه الحالة هل تتركهم ينجحون كما فشلوا في البيكاديلي وفي مطار غلاسكو؟! رغم ذلك اقترح أن تعيد هؤلاء إلى بلدان السلطات التي يدافعون عنها ! يدافعون عن أسامة بن لادن مثلا ليحملوهم إلى جبال تورا بورا ويضعونهم هناك. كي يقاتلوا بشرف وجها لوجه كعسكريين وليس كمجرمين في الظلام ! ولتدعمهم عندها إيران وجزءا من المخابرات الباكستانية وبعضا من سلطات أخرى. هذا إجرائيا أما سياسيا فعلى الدول الغربية دعم كل ما من شأنه أن يؤسس لثقافة الحرية والديمقراطية في العالم الإسلامي وأن يساهم الغرب في حل بؤر النزاع بطريقة استراتيجية ودون اللعب بها مجددا وفقا لمقتضيات آنية. في نهاية هذا الجزء هل يستطيع الغرب دعم الحرية في العالم الإسلامي كما دعم الفكر الجهادي السلفي سابقا؟ هذا هو السؤال الذي نوجهه للحكومات الغربية لكي تحمي مواطنيها أيضا. وهي لا تعدم الوسيلة في ذلك الدعم وإيصاله للمجتمعات المنكوبة بسلطات هجينة لا حد قيمي أو سياسي إلا وتستغله من أجل تثيبيت نهبها وسرقتها لمجتمعاتنا.
غسان المفلح
التعليقات