تواجد القانون هو العنصر الوحيد الذى ميز بين البشر والمجتمعات قديما، فصارت بعضها متحضرة والأخرى همجية بربرية. ولازال ذات المقياس صالحا حتى يومنا هذا للتفرقة بين الأمم المتحضرة والأمم الهمجية. يمكن لأى شخص أن يحكم على أى بلد أو أمة إن كانت متحضرة أم متخلفة من ملاحظة إن كان لديها قانون محترم ndash; أى أن القانون ذاته محترم بمعنى أنه أنسانى راقى، وأنه يجرى العمل على فرض إحترامه فى ذات الوقت- أم لا!

لم يذكر التاريخ الحضارة المصرية كحضارة محترمة فقط لأن بعض شواهدها من أهرامات وخلافه لازالت باقية، وإنما بالأهم لوجود شواهد لقانون محترم نظم أحوال الرعية بينهم وبين بعضهم البعض وفى مواجهة الدولة أو الإدارة وحتى فى مواجهة الحاكم الإله. ولذلك لا تتمتع آثار الأنكا مثلا بذات الإحترام والتقدير رغم شواهد الحضارة التى تتوفر فى بلدان أمريكا اللاتينية. ولذلك حفظ التاريخ الإحترام الواجب للحضارة الهلينية والرومانية والفارسية والصينية وأغفل الأقوام التى عاصرتها فى كل أوروبا وبلاد الفايكنج وروسيا إذ لا يتمتع تاريخ تلك الدول باحترام يذكر.

وعدم الإحترام يختلف عن الإحتقار أو عدم الإعتبار وهذا كان من نصيب كثير من الدول الأفريقية والشرق أوسطية بالذات ولا زال، إذ لا شواهد ولا تاريخ ولا قانون اللهم إلا مزاج شيخ القبيلة أو رئيس العصابة، والذى ورث دوره السيد الرئيس الملهم، أى رئيس ملهم! وعلى هذا الأساس فقط يمكن فهم التهمة التى وجهت للمرضات البلغاريات والطبيب الفلسطينى، وعليه أيضا يمكن فهم إخلاء سبيلهم!

لم أستوعب أبدا الدافع المحتمل لأن يقوم طبيب فلسطينى وممرضات بلغاريات بحقن أطفال ليبيين غير مقصودين بالذات بفيروس الإيدز! أتفهم دافع أطباء لندن من التفجيرات إذ تصوروا أنه جهاد أجره الجنة والحوريات والغلمان، لكن هؤلاء الممرضات وأظن الطبيب أيضا لم تكن الجنة إياها مبتغاهم من الفعلة المنسوبة إليهم، ولم يثبت أن أحدا إستأجرهم لذلك وأغدق عليهم الأموال مثلا لفعلها. قالوا أن القضاء الليبى حكم بذلك! وقد تعلمنا صغارا أن الحكم القضائى quot;عنوان الحقيقةquot;... ولكن هل قصد بتلك المقولة القضاء الليبى الذى وجد أن الطبيب والممرضات مذنبات بجريمة حقن أطفال ليبيين بالإيدز عمدا وبدون دوافع وبدون أسباب معلنة للحكم!؟


وطالما أن القضاء قد حكم وحكمه نافذ وهو عنوان للحقيقة وقد وصم المتهمين بأنهم قتلة مع سبق الإصرار والترصد، فكيف ولماذا يطلق سراحهم؟

جمهوريات موز... عفوا، أقصد جماهيريات موز.

عادل حزين
نيويورك